لم تكن الأحداث الأخيرة التي يشهدها السودان، رغم قوتها وخطورتها، سوى حلقة من حلقات الاضطرابات الواسعة التي يشهدها البلد منذ سنوات، تُضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد الحالي، وتؤزم الأوضاع على المستويات كافة، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
الصراع الذي نشب في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المُبارك يحبس معه المواطنون أنفاسهم انتظاراً لمآلاته وسيناريوهاته شديدة التعقيد والخطورة في آن، ما يجعل عيد الفطر المُبارك هذا العام عيداً آخر ضائعاً بالنسبة للسوادنيين الذين تفسد الاضطرابات والتوترات عليهم "فرحة العيد"، وبالتوازي أيضاً مع الوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن مجموعة من العوامل الداخلية فضلاً عن فاتورة التطورات الجيوسياسية وتبعات الحرب في أوكرانيا.
الأزمات المضاعفة التي يواجهها السودانيون، في ظل اندلاع الصراع غير المسبوق بهذ الشكل، عمّقت مخاوف قاعدة عريضة من المواطنين بشأن مدى إمكانية تأمين احتياجاتهم الأساسية تبعاً لذلك، وسط ناقوس خطر تدقه تقارير مختلفة حول تبعات الصراع على الأمن الغذائي ببلدٍ قد تُهدده "المجاعة".
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، قد ذكر في بيان، منتصف الأسبوع، أن "آلاف وآلاف المدنيين محاصرون في منازلهم مختبئين من القتال، بدون كهرباء، وغير قادرين على الخروج، ويخشون نفاد الطعام ومياه الشرب والأدوية".
وفي هذا السياق، تغلف المشهد في السودان تحديات معقدة، تؤزم حياة الناس، ولا سيما في مثل تلك المناسبات مثل عيد الفطر. وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" متحدثاً عن جوانب من تفاقم الوضع المعيشي في الخرطوم في ظل الصراع الدائر حالياً منذ السبت الماضي.
وأفاد بأن الصراع الحالي الذي اندلع أخيراً أضاف إلى الضغوطات السابقة التي كان يعيشها السودانيون، وساعد في تعقيد المشهد بشكل إضافي وخطير، وبما انعكس مباشرة على حياة الناس وأوضاعهم المعيشية التي من الصعوبة بمكان التوقع بمدى إمكانية عودة تلك الحياة لسابق عهدها، خاصة في ظل الوضع السياسي والأمني الحالي.
شلل شبه تام في بعض المناطق
أصيبت عديد من المناطق في البلد بحالة من الشلل شبه التام على أثر التطورات العسكرية الراهنة خلال الأيام الماضية، حتى أن الخبير السوداني، محمد الناير، قد أشار في هذا السياق إلى تعطل عمل كثير من الموظفين ممن لم يتمكنوا من الذهب إلى أعمالهم (في أواخر شهر رمضان منذ اندلاع الصراع)، أضف إلى ذلك الصعوبات التي يواجهها السودانيون في تأمين حاجاتهم الأساسية، بالنظر إلى الاضطرابات التي تشهدها الأسواق تحت وطأة الصراع الحالي.
أفقد الصراع السودانيين موسماً احتفالياً كان يتم الاستعداد له مبكراً بشراء حاجيات العيد والملابس الجديدة وغيرها من العادات الشعبية التي تعرفها الأمة الإسلامية في مثل هذه المناسبة كل عام.
يشهد كثير من السودانيون العيد بأوضاع إنسانية متفاقمة. وتشير أحدث التقاير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى إن الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء السودان وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهناك حاجة لتقديم أكثر من1.7 مليار دولار لتقديم المساعد الإنسانية والحماية إلى12.5 مليون شخص من الأكثر ضعفاً بالبلاد.
كما يشير التقرير إلى أن ثمة مخاطر أربعة رئيسية تهدد السودان، هي الأكثر أهمية في 2023 وهي: (الصراع، والكوارث الطبيعية، وتفشي الأمراض، والتدهور الاقتصادي).
الخبير الاقتصادي رصد أيضاً جانباً آخر من الصعوبات المعيشية الحالية، من بينها تضرر الخدمات إلى حد كبير، بما في ذلك إشكالية انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وغيرها من المشاكل التي تضاف إلى قائمة طويلة من الصعوبات التي يُواجهها الشعب السوداني تحت وطأة الصراع وفي ظل المشكلات الأساسية التي كان يعاني منها منذ مرحلة ما قبل الأزمة الحالية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية الضاغطة.
السلع الأساسية
ويواجه السودانيون أزمة فيما يتصل بأسعار ووفرة السلع الأساسية، لا سيما الخبز والطحين والوقود، وقد فاقمت تبعات الحرب في أوكرانيا الضغوطات الملقاة على كاهل المواطنين.
وتلقي معدلات التضخم بظلال وخيمة على الوضع داخل السودان، رغم تراجعها في فبراير الماضي إلى 63.3 بالمئة، مقارنة بمعدلات شهر يناير البالغة 83 بالمئة، إلا أن بعض الاقتصاديين السودانيين يشككون عادة في مدى صحة الآلية التي يُجرى بها قياس معدلات التضخم في بلد مترامي الأطراف.
وبلغت معدلات التضخم في السودان 154.9 بالمئة العام الماضي 2022، و359.1 بالمئة في العام 2021، وكانت قد تخطت الـ 400 بالمئة منتصف العام 2021. بينما يستهدف السودان -طبقاً لتقديرات وزارة المالية- خفض مستوى التضخم إلى 25 بالمئة بنهاية العام الجاري 2023.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي -قبل اندلاع الصراع الأخير- إلى توقعات بانخفاض معدل التضخم في المتوسط عند حدود76.9 بالمئة في 2023. ومن المرجح أن يُحبط الصراع الأخير عديداً من التطلعات السودانية في هذا الصدد.
وقبيل العيد، ناشدت جامعة الدول العربية، الأطراف السودانية، سواء في القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، إعلان وقف لإطلاق النار خلال أيام عيد الفطر المبارك.
وقال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، في رسالة متلفزة بثها موقع الجامعة العربية الالكتروني اليوم، "أناشد الأطراف السودانية، بل وأستحلفهم باسم الإسلام والعروبة والإنسانية أن يعلنوا وقفا لإطلاق النار أيام العيد، بما يسمح للسكان بالتقاط الأنفاس والتعامل مع الحالات الإنسانية الحرجة والعاجلة".
حلول مؤقتة وتحسن نسبي
مدير معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية في جامعة أم درمان، صلاح الدومة، يقول في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الهدنة التي تم إقرارها أخيراً "تشوبها بعض الاختراقات والانتهاكات من آن لآخر و"نسمع الانفجارات وإطلاق الزخيرة".
ويشير إلى الصعوبات التي تُواجه الوضع المعيشي في السوادن في ظل الأزمة الحالية، مشدداً على أن ثمة حلولاً مؤقتة حدثت في اليومين الماضيين بفتح بعض المحال، لكنها تظل حلولاً مؤقتة.
ويستطرد: "الآن هناك كثير من المحال التجارية فتحت أبوابها وبعض الأفران والبقالات والأسواق الخاصة بالخضروات، الوضع يتحسن نسبياً (مقارنة بالأيام الأولى من الأزمة) ومع فتح بعض المحال أبوابها ربما خفف ذلك من الضائقة الموجودة، إلا أن هذا حل مؤقت.. بينما الحل الشامل هو وقف كامل لإطلاق النار وذهاب الناس إلى عملهم في كل المجالات للطمأنينة، ولكي يتم تقديم الخدمات السلعية وغيرها للمواطنين".
ويتابع الدومة: "لابد أن يسير دولاب الحياة بصورة طبيعية، وأن يذهب الناس لمراكز عملهم، وتدور عجلة الإنتاج والاستهلاك بالطريقة الطبيعية للتغلب على الصعوبات الحالية".
أما بالنسبة لسيناريوهات "حسم المعركة"، فيلفت الدومة إلى أن "موازين القوى منذ البداية تذهب للقوات المسلحة، رغم تأرجح نتائج المعارك، لكن القوات المسلحة حققت انتصارات على الدعم السريع، ودمرت القوى الضاربة الرئيسية".
انعدام الخدمات الأساسية
من جانبها، لفتت الباحثة السودانية في جامعة الخرطوم، أسمهان إسماعيل، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "في ظل القتال القائم يعيش السودانيون في مناطق العاصمة الخرطوم ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة في ظل انعدام الخدمات الأساسية من معظم المناطق كخدمات المياه والكهرباء والصحة؛ بسبب تعطل وتأثر معظم هذه المرافق بالحرب الدائرة.
هذا بجانب ندرة أو انعدام المؤن والغذاء وتعطيل الخدمات المصرفية كخدمة بنكك التي يتعامل بها معظم المواطنين. ونتيجة لهذا الوضع المتأزم غادر معظم السكان العاصمة إلى الولايات التي ينتمون إليها.
وأردفت إسماعيل: "أما عن الاستعدادات للعيد فأظنها لا توجد.. فما تبقى من سكان العاصمة بجانب توقف الخدمات المصرفية من الصعب بالنسبة لهم الوصول للأسوق في ظل حالة الاقتتال الحالية وتعرض بعض الأسواق للحرق".
وفيما يخص سبل إنهاء الصراع الراهن ومدى التعويل على دور الأطراف الإقليمية، أشارت إلى أنه إذا كان التدخل بهدف إنهاء التمرد أو الوصول إلى تفاهمات بدمج كامل قوات الدعم السريع في الجيش وإنهاء الحرب فهو يصب في مصلحة الوطن، مشددة على أن "حلول مشاكل السودان مفترض تكون من داخل البيت السوداني والتدخلات الخارجية غالباً ما تزيد الوضاع تعقيداً".