كغيره من كثير من البلدان العربية يرزح الأردن تحت وطأة التحديات الاقتصادية المتفاقمة، على خلفية التبعات الشديدة للصدمات المتتالية التي ضربت العالم؛ بدءاً من جائحة كورونا ووصولاً إلى الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الواسعة.
تسببت تلك الصدمات وآثارها الممتدة جملة من التحديات على عاتق المواطنين، الذين يعانون مع ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، وبما يؤثر على قدراتهم الشرائية، ويضفي على كواهلهم مزيداً من الأعباء، وبما يفرض كذلك جملة من المتغيرات على الواقع المعيشي والعادات الاستهلاكية.
يؤثر ذلك بشكل أو بآخر على عادات الأردنيين في المواسم والمناسبات، ومن بينها عيد الفطر المبارك بمظاهره المعتادة في الدول العربية والإسلامية، والذي يأتي بُعيد أيام قليلة، في وقت ترتفع فيه فاتورة تلك المظاهر الاحتفالية بشكل غير مسبوق هذا العام، سواء فيما يتعلق بالملابس والحلوى والسلع الاستهلاكية ذات الصلة في مثل تلك المناسبات، وفي ضوء ارتفاع معدلات التضخم بالبلد.
على مدار العام الماضي، ارتفع معدل التضخم في الأردن بنسبة 4.23 بالمئة مقارنة بمعدلات العام 2021، وهو ما يعكس حجم التحديات الاقتصادية الراهنة.
الأسر ترفع شعار "الأولويات فقط"
الخبير الاقتصادي حسام عايش، يقول في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": لا شك أن الأوضاع الاقتصادية تؤثر على مجمل الحالة الاجتماعية في الأردن، ولعل من مظاهرها: شكوى الأسواق والقطاعات الاقتصادية من تراجع إنفاق الأسر والأفراد، إضافة إلى انخفاض معدل دخل الفرد كنصيب من الناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الماضية، وبما أثر على قدرة الأسر على الإنفاق على احتياجاتهم أو أدى من بين أمور أخرى إلى تغير سلم أولويات الإنفاق لديهم.
ويتابع: "كلما انخفض معدل الدخل كلما زاد الإنفاق على الحاجات الأساسية (على رأسها الطعام والشراب)"، موضحاً أن حوالي 34 بالمئة من إنفاق الأسرة الأردنية على الطعام والشراب.
▪ معظم الأسر يذهب دخلها إلى ما يتجاوز الـ 40 إلى 50 بالمئة في الظروف الحالية إلى الطعام والشراب.
▪ ما يتبقى بالكاد يسد الالتزامات المتعلقة بالإيجارات والسكن والنقل والمياه والكهرباء والغاز.. إلخ.
▪ 90 بالمئة من دخل الأسرة الأردنية يذهب على الاحتياجات الأساسية الإلزامية.
▪ بالكاد يتبقى 10 بالمئة لتغطية احتياجات خارج نطاق الاحتياجات الإلزامية على الأسرة.
ويشدد على أن "معدل دخل الأسرة السنوي حوالي 11512 ديناراً ومعدل إنفاقها 12519 ديناراً ما يعني أن هناك عجزاً بين الدخل والإنفاق (..) وهذا كله يؤثر على الإنفاق ويؤثر على المناسبات ومن ضمنها مناسبات الأعياد والمناسبات الأخرى، بما في ذلك رمضان وعيد الفطر، ذلك أن "الناس تخشى من تحمل التكاليف الإضافية".
ويوضح الخبير الاقتصادي أنه "في رمضان يرتفع الإنفاق بشكل كبير، ما يعني أن الأشهر التالية لرمضان تعاني فيها الأسر وأفراد المجتمع بغالبيتهم من عدم القدرة على التكيف مع نتائج هذا الإنفاق الزائد خلال الشهر، وبالتالي يصبح لديهم عسر مالي في مواجهة التكاليف الاعتيادية في الأشهر اللاحقة، ومنها الإنفاق على متطلبات الأعياد".
ترشيد الاستهلاك
ويشد على أن "الطلب ربما يرتفع قليلاً عنه في الأشهر العادية مع نهاية رمضان وزيادة الطلب على احتياجات العيد (..) الاحتياجات تتركز على مستلزمات الأطفال والملابس الجديدة لبعضهم وربما على زيارات خاطفة لبعض المطاعم هنا أو هناك، لكنها لا تذهب أبعد من هذا المدى بالنسبة لمعظم الأردنيين (..) القضية الأساسية بالنسبة للناس هي التوفير وتقليل الإنفاق بقدر ما يمكن أو محاولة تدوير زوايا الإنفاق الاعتيادية لصالح الإنفاق الأهم في الأعياد وهي مستلزمات العيد ولو بشكل بسيط وأولي".
▪ سجل التضخم في الأردن 3.91 بالمئة على أساس سنوي خلال مارس (بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية).
▪ الوقود والإنارة والنقل والإيجارات من أبرز المجموعات السلعية التيأسهمت في ارتفاع التضخم.
▪ تباطأ معدل التضخم خلال مارس من مستوياته السابقة خلال فبراير والتي بلغت حينها 4.25 بالمئة، مدفوعة أيضا بزيادة أسعار الوقود.
ويلفت الخبير الاقتصادي الأردني، إلى أن "معدلات التضخم المعلنة هي أقل بكثير من المعدلات الحقيقية، وذلك بالنظر إلى سلة الاستهلاك التي يفترض أن يكون هناك تحديث وتطوير فيها، بالنظر إلى تغير كثير مما يحتسب ضمنها وأيضاً الأوزان النسبية لها".
▪ تشير تقديرات البنك الدولي، في تقريره الأخير،إلى أن اقتصاد الأردن من المرجح أن تباطؤاً في معدلات النمو خلال العام الجاري إلى 2.4 بالمئة من 2.6 بالمئة خلال 2022.
▪ تسارع نمو اقتصاد المملكة الأردنية في 2022 رغم الاضطرابات الاقتصادية العالمية، مدفوعاً بتقدم قوي في الإصلاحات الهيكلية المدعومة من صندوق النقد الدولي، والتي خففت التداعيات على الاقتصاد وعززت استقرار الاقتصاد الكلي، طبقاً للصندوق.
▪ يتوقع الصندوق ثبات نمو إجمالي الناتج المحلي للأردن عند 2.7 بالمئة، مع نجاح البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.
الإحجام عن "الرفاهيات"
من جانبه، يوضح المستشار الإعلامي للجمعية الوطنية لحماية المستهلك، الدكتور حسين العموش، أن الأوضاع الاقتصادية تؤثر على المستهلك الأردني بشكل كبير، خاصة في عيد الفطر، بما في ذلك فيما يخص شراء الملابس الجديدة، ففي كثير من الأحيان ما تُحجم الأسر على شراء ملابس العيد بسبب تدني الدخول وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
ويرى أن عادات الناس تختلف من موسم إلى آخر، ومن سنة لأخرى حسب الوضع المالي، مفسراً ذلك بقوله: "السنة الماضية كان هناك تأجيل لسداد القروض، وبالتالي تحركت الأسواق في مثل هذا الموسم وفي رمضان، لكن هذه السنة ليس هناك تأجيل، ومع وجود نسبة مرتفعة من الأردنيين مدانين للبنوك، وهو ما يعني تدني القدرة الشرائية، وبما يسهم في الإحجام عن مستلزمات العيد، سواء الملابس والحلوى وغير ذلك.
ويتابع: "القدرة الشرائية للمستهلك الأردني تدنت بحكم الغلاء من جهة، وبحكم عدم تأجيل سداد القروض، ومع الارتفاع المستمر الذي تشهده أسعار السلع الغذائية تحديداً في رمضان والعيد (..) لقد رصدت الجمعية ارتفاع أسعار 28 سلعة بنسبة 23 بالمئة".
ويتحدث المستشار الإعلامي للجمعية الوطنية لحماية المستهلك، في السياق نفسه، عن اختلاف أولويات الإنفاق من أسرة لأخرى على حسب شريحة الدخل، لكنه يقول: "بشكل عام، فإن شريحة كبيرة من المستهلكين ابتعدوا عن الرفاهيات لتأمين الأولويات الأساسية كالطعام والشراب والمسكن والمياه والكهرباء والتنقل.. كما ابتعدوا عن التركيز على الجانب الصحي إلا بالحدود الضيقة، وكذلك تراجع الإقبال على الملابس وغيرها من الأمور الأخرى".