يواجه سكان المغرب ضغوطات معيشية واسعة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة لتكسر حاجز الـ 10 بالمئة في فبراير الماضي، وتلقي بظلال وخيمة على الوضع الاقتصادي للأسر التي عاشت رمضاناً استثنائياً هذا العام في ضوء ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع الغذائية الأساسية، وهو الوضع الذي يمتد إلى العادات في عيد الفطر المبارك، ويدفع الكثيرين إلى الإحجام عن بعض العادات في ظل الأوضاع الصعبة الحالية.
- بلغ معدل التضخم في المغرب 9.4 بالمئة في الربع الأول من 2023 مقابل 4 بالمئة في الفترة نفسها من العام الماضي (حسب المندوبية السامية للتخطيط).
- ازداد التضخم مع الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الغذائية ليصل إلى 18.2 بالمئة في شهر رمضان الذي عادة ما يرتفع فيه مستوى الاستهلاك.
- قفز تضخم أسعار الغذاء إلى 16.1 بالمئة في مارس، ليصل التضخم العام إلى 8.2 بالمئة، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي.
- كان معدل التضخم بالمغرب قد سجل قفزة كبيرة في نهاية فبراير عند 10.1 بالمئة وفي يناير كان عند 8.9 بالمئة.
مرحلة استثنائية "صعبة"
يقول الخبير الاقتصادي المغربي، رشيد الساري، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "معدلات التضخم التي عشناها أخيراً أثرت بشكل كبير ليس على المواطن الفقير فقط، ولكن حتى على المواطنين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة".
ويشدد على أن "شهر رمضان هذا العام كان استثنائياً؛ إذ لم نشهد من قبل ارتفاع مجموعة من أسعار المنتجات الفلاحية مثل الطماطم والبطاطس والبصل على سبيل المثال بهذا الشكل كما رأينا هذه السنة.. متوسط سعر كيلو الطماطم على سبيل المثال خلال العامين الماضيين لم يكن يتعدى تقريباً ثلاثة دراهم، وهذه السنة وصل لأكثر من ثمانية دراهم، والبصل من خمسة أو ستة دراهم إلى أكثر من 15 درهماً".
ويستطرد: "هذا التضخم بالتأكيد سوف يكون له تأثير على المغاربة في عيد الفطر (..) ولكن رغم هذه المعاناة فإن العادات لا تتغير، ربما في بعض الأحيان يضطر المواطن البسيط للاقتراض؛ من أجل تلبية حاجيات الأسرة، خاصة إذا كان لديه أطفال يجب أن يشتري لهم ملابس العيد (..) العادات مجملاً لا تتغير"، موضحاً أن القدر الشرائية انخفضت بشكل كبير في حدود من 24 إلى 30 بالمئة.
- رفع المركزي المغربي توقعاته للتضخم إلى 5.5 بالمئة (مقارنة بتوقعات سابقة في حدود 3.9 بالمئة) كمتوسط للعام الجاري 2023.
- رفع المركزي المغربي سعر الفائدة الرئيسي، الشهر الماضي، 50 نقطة أساس إلى 3 بالمئة، للمرة الثالثة على التوالي. لتصل الأسعار إلى مستوى غير مسبوق منذ 2014.
- أوضح المركزي أنه اتخذ هذا القرار "لتعزيز تثبيت توقعات التضخم، بغية تيسير عودته إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار".
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
ويختتم الساري تصريحاته لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً: هذه السنة كانت استثنائية؛ لأنه لم نعاني فقط من تضخم مستورد بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ومواد أخرى، ولكن حتى التضخم الداخلي من خلال التضخم الفلاحي وارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية، وبما أثر بشكل كبير جداً على القدرة الشرائية للمواطنين (..) ربما هذا يمكن اعتباره كتمرين جديد من أجل عقلنة الاستهلاك"، مستشهداً بحجم الهدر السنوي في المواد الغذائية ومن بينها الخبز.
وشهد المغرب في وقت سابق الأسبوع الماضي، تظاهرات في عدد من المدن؛ احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدعوة من ائتلاف أحزاب يسارية.
وأعلنت الحكومة المغربية، الخميس، عن أنها اعتمدت مرسوما بإلغاء ضريبة القيمة المضافة على المدخلات الزراعية للمساعدة في خفض أسعار المنتجات الطازجة وغيرها من المنتجات الزراعية.
وقال رئيس الوزراء عزيز أخنوش في بيان عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء إن الإجراء يتماشى مع جهود لكبح مصادر التضخم وارتفاع الأسعار لكل من المنتجات الزراعية والمنتجات الغذائية الزراعية.
أزمة تضخم غير مسبوقة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الاقتصاد الوطني المغربي يمر بأزمة تضخمية غير مسبوقة، بحيث أن معدل التضخم في نهاية السنة الماضية وصل إلى 6.6 بالمئة كمعدل سنوي، واليوم خلال الربع الأول وصل إلى رقمين بحدود الـ 10 بالمئة.
- هذا الأمر أثر بشكل كبير على القدرات الشرائية للمواطنين المغاربة، خاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط.
- هذا التضخم الذي وصل لمستويات قياسية أثر على العادات الاستهلاكية للمغاربة.
- المندوب السامي للتخطيط في المغرب يقول إن ثلاثة ملايين مغربي نزولوا عن عتبة الفقر، وأغلب الطبقة المتوسطة استنفدت مدخراتها.
ويلفت الخبير الاقتصادي المغربي في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه "خلال شهر رمضان نلاحظ أنه لم يكن هناك إقبال كبير على شراء مجموعة من المنتجات الغذائية والسلع، وكذلك بينما نحن مقبلون على عيد الفطر نرى أنه ليس هناك إقبال كبير على اقتناء ملابس العيد والزينة ومجموعة من الأمور من هذا القبييل؛ لأن المغاربة بصفة عامة استنفدوا مدخراتهم (..).
ويتابع: "واليوم مجموعة من المغاربة يحاولون أن يُكملوا شهرهم بالأساسيات بعيداً كل البعد عن الكماليات (..) بالإضافة إلى أننا اليوم نرى قطاعات تدهورت بشكل كبير، مثل كل ما يتعلق بالعقار واقتناء السيارات (..) هذه الاستثمارات مؤجلة بالنسبة للأسر إلى حين تحسن الوضعية الاقتصادية وعودة معدلات التضخم لمستويات مقبولة ما بين 2 و 3 بالمئة، وهو أمر لا يمكن أن يعود للمغرب قبل 2024 أو 2025 على أقل تقدير.
وتراجعت معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المغرب من 7.9 بالمئة في 2021 إلى ما يقدر بنحو 1.2 بالمئة في 2022، وفي الوقت نفسه ارتفع عجز الحساب الجاري من 2.3 بالمئة إلى 4.1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
بينما من المتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي في المغرب إلى 3.1 بالمئة خلال العام 2023، طبقاً للبنك الدولي، الذي أفاد بأنه لا تزال مخاطر التطورات السلبية قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية (لا سيما المرتبطة بالحرب في أوكرانيا) والصدمات المناخية المحتملة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، وافق صندوق النقد الدولي على خط ائتمان مرن للمغرب قيمته نحو خمسة مليارات دولار على مدى عامين. وذكر الصندوق في بيان له أن "الاتفاق سيعزز الاحتياطيات الوقائية الخارجية للمغرب ويقدم ضمانات ضد أي مخاطر متطرفة محتملة على أساس مؤقت".