يبدو أن أزمة السودان الحالية عصفت بضوء خافت كان منتظراً في نهاية نفق طويل مظلم، خاصة وأن البلاد كانت مؤهلة لانخفاض مرتقب في معدلات التضخم وفق تقديرات منظمات دولية.
ويضاعف الصراع المسلح خفوت أي فرص للتعافي على المدى القريب بحسب تقدير الخبراء، خاصة وأن السودان منخرط في أزمات متلاحقة على مدار عقود، وصلت بالبطالة إلى حدود العشرين بالمئة.
وكذلك وضعت نصف سكان البلاد في دائرة الفقر، رغم أن السودان ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، وتبلغ صادراته من المعدن الأصفر نحو ملياري دولار سنوياً، إلا أن عوامل منها الأزمات الاقتصادية والسياسية والظروف المناخية والصراعات أفقرت البلد الغني بالموارد.
التوقعات الإيجابية
رغم تنبؤ صندوق النقد الدولي بانخفاض معدل التضخم في المتوسط بالسودان عند حدود بالقرب من 77 بالمئة بنهاية العام، إلا أنّ على ما يبدو ستحول الأزمة الحالية دون ذلك.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي بدوي، إنّ توقعات المؤسسات الدولية في الغالب هدفها تسويق منتجاتها فقط، موضحاً أن هذا الاستنتاج بعد تراكم التجارب معهم، حيث تفترض هذه المؤسسات حدوث أمور تكاد تكون مثالية، لكنها لا تمت للواقع الديناميكي العملي.
ويضيف في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنّ افتراضات صندوق النقد الدولي لم تشمل توقع وقوع الحرب الحالية، في البلد الذي تتجاوز ديونه نحو 189 بالمئة من ناتجه المحلي.
ويستطرد: "لا يمكن للتضخم أن ينخفض خلال الفترة القادمة، بل سترتفع معدلاته، ولعدد من الشهور القادمة، وذلك في إطار معالجة الآثار السلبية للصراع المسلح الحالي على الحياة العامة".
ألمح بدوي إلى أن التضخم متغير انكماشي للنشاط الاقتصادي في حد ذاته، لأنه ضريبة غير مباشرة للدولة من ناحية، ويرفع تكاليف الإنتاج ومن ثم الأسعار التي تحدّ من الطلب على السلع بالأسواق.
ويعزو الخبير الاقتصادي السوداني تراجع أسعار صرف العملات الوطنية إلى زيادة العجز بميزان المدفوعات، مما يدفعها للاستعانة بكافة أنواع التمويل الدولي الممكنة لحل الأزمة.
ويشير إلى أنّ السودان دخل بالفعل أزمة انكماشية خانقة، تمثلت في أزمات ركود حادة جداً بكافة الأسواق، وانخفاض مستمر في مشتريات المواطنين بسبب تفاقم البطالة والفقر بالبلاد والناتجة عن توقف العديد من المشاريع الإنتاجية العاملة بكافة قطاعات الاقتصاد.
معدلات التضخم
أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان تشير إلى أنّ معدلات التضخم في البلاد آخذة في التراجع، على النحو التالي:
■ تراجع معدل التضخم السنوي في السودان إلى 63.3 بالمئة في شهر فبراير الماضي، بينما كانت النسبة في يناير 83 بالمئة.
■ بلغت معدلات التضخم في السودان 154.9 بالمئة العام الماضي، و359.1 بالمئة في العام 2021.
■ تشهد معدلات التضخم بالبلاد تراجعاً خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد أن تخطت في وقت سابق الـ 400 بالمئة منتصف العام 2021.
■ يستهدف السودان -طبقاً لتقديرات وزارة المالية- خفض مستوى التضخم إلى 25 بالمئة بنهاية العام الجاري 2023.
■ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى توقعات بانخفاض معدل التضخم في المتوسط عند حدود 76.9 بالمئة في 2023.
وفي السياق، تقول الباحثة الاقتصادية في جامعة الخرطوم، أسمهان إسماعيل، إنّ اندلاع الحرب في الوقت الحالي الذي يعرف بـ "زمن التحضير للموسم الزراعي القادم" سينعكس سلباً على توافر السلع المحلية.
وترصد إسماعيل، في معرض حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بعض الظواهر السلبية التي أضرت بالاقتصاد السوداني منذ عام 2019:
• انفصال الجنوب وغياب عائد النفط الذي كان موردًا أساسياً
• التحرير الاقتصادي أدى لانهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع.
• ارتفاع معدل التضخم في البلاد الذي بدأ بالفعل في التراجع بـ 2023.
• تراجع القوى الشرائية سبب تراجع التضخم.
• الركود التضخمي البالغ بدأ في الظهور.
• تدني المرتبات والضرائب والاتاوات.
وتشير إلى أنّ الاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة منذ أكتوبر 2021 أثرت سلباً على حركة البيع والشراء واستدامة الدخول للعمالة اليومية، مما أثقل كاهل المواطن السوداني وزاد معدل الفجوة الغذائية.
ودفعت الاضطرابات السياسية في أكتوبر من العام 2021 البنك الدولي نحو تعليق مساعدات بنحو 500 مليون دولار كانت مخصصة لدعم ميزانية السودان، كجزء من تعهد بمنح قدرها ملياري دولار.
كما أوقف صندوق النقد الدولي تمويلاً بنحو 150 مليون دولار، بعد أن وافق في يونيو 2021 على برنامج قروض بقيمة 2.5 مليار دولار، وعلقت واشنطن مساعدات بقرابة 700 مليون دولار.
ونتيجة لذلك كله فقد الجنيه توازنه وتعرض لانهيار غير مسبوق ليصل بذلك الدولار إلى 447 جنيها، في مقابل 48 جنيهاً في العام 2018.
القطاع الزراعي الخاسر الأكبر
تقول أسمهان إسماعيل إنّ نحو 80 في المئة من السودانيين يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على القطاع الزراعي، بشقيه النباتي والزراعي في دخلهم، والذي تأثر سلباً نتيجة لعدم الاستقرار الأمني بالبلاد.
موضحة أن الصراعات المتكررة بإقليم دارفور ومنطقة النيل الأزرق والتي تعد جميعها مناطق تعتمد على الزراعة وتحتاج إلى الاستقرار، جعلتها من أكثر المناطق الجغرافية جوعاً وحاجة للمساعدات.
كما أدت الظروف الاقتصادية العالمية المتمثلة في جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود؛ حيث يتم استيراد معظم احتياجات القمح من منطقة البحر الأسود.
وأظهرت بيانات البنك المركزي بالخرطوم أنّ السودان استورد 2.7 مليون طن من القمح والطحين العام الماضي بتكلفة 1.06 مليار دولار، وتصدرت روسيا وأستراليا ورومانيا قائمة البلدان المصدرة.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، في بيان قبل أيام من الأزمة تعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة، وهي غذاء أساسي في البلاد، ومن الذرة البيضاء بفضل الأمطار الغزيرة.
كما رجحت أن تشكل واردات البلاد من القمح كل متطلبات البلاد من الحبوب المستوردة البالغة 3.6 مليون طن.
ورغم التوقعات الإيجابية جميعها، كان للحرب المشتعلة كلمة أخرى، ولا أحد يعرف هل سيدوم أمدها، أم أنّ حسماً وشيكاً يلوح في الأفق، قد يسمح للاقتصاد السوداني أن يتعافى يوماً ما.