أضافت الأحداث الأخيرة التي شهدها السودان مزيداً من التعقيد على مشهدٍ مضطرب بالأساس في ظل التطورات السياسية العاصفة بالبلد، وبما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين الذين يواجهون ضغوطات مضاعفة وسط تداعيات الأزمة المحلية والأزمات الدولية على الاقتصاد السوداني الذي يرزح تحت وطأة تلك الضغوطات.
فيما يقود ذلك الوضع الذي تشهده البلاد إلى سيناريوهات ربما أكثر خطورة مستقبلاً، تثقل كاهل المواطنين بمزيدٍ من الأزمات؛ بداية من إمكانية الوصول للحاجات اليومية الأساسية، ولا سيما الغذائية، في ضوء هذه الاضطرابات الواسعة التي تعصف بالبلد، وغيرها من التبعات التي يدخل معها السودان مرحلة جديدة من التأزيم وحالة عدم الاستقرار السياسي.
الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي بدوي، يرصد في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" جانباً من المشهد الحالي في الأسواق السودانية من واقع تجربة مباشرة خلال الثلاثة أيام الماضية في الخرطوم، ويشير إلى أنه:
- تحت ضغط البيانات المنادية بالتزام الناس بمنازلهم فإن غالبية المحال مغلقة، باستثناء بعض "الكانيتنات" الصغيرة.
- طوابير وازدحام طويل على الأفران والطواحين المختلفة بالعاصمة.
- اضطرابات في الأسواق المركزية وتعطل شبه كامل للأعمال.
- يتزامن ذلك ومعاناة الكثير من المواطنين من عدم امتلاكهم ما يكفي من أموال لشراء احتياجاتهم بالأساس. وهذا المشهد قد يقود إلى انفلات أمني تبعاته خطيرة كانتشار السرقات والجرائم وغير ذلك.
- حالة الأسواق تشبه إلى حد كبير الوضع إبان بداية جائحة كورونا، عندما أصيبت بالشلل.
ويوضح أن ثمة صعوبات واسعة تتعلق بحصول الناس على احتياجاتهم الاستهلاكية اليومية على الأقل، علاوة على صعوبة حصول البعض من المدخرين في البنوك على أموالهم في ظل إشكاليات مختلفة تعيق عمليات السحب، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي الذي يشل الحياة ويفسد مخزونات المواطنين من الطعام أيضاً، وبالتالي "هناك مشكلة تتفاقم بخصوص تأمين الغذاء اليومي للمواطنين".
ويرصد الخبير الاقتصادي السوداني في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" ثلاثة سيناريوهات أساسية للمشهد في بلاده، على النحو التالي:
- السيناريو الأول: انفلات أمني كامل في عموم السودان.
- السيناريو الثاني: تدخل إقليمي ودولي لحسم الأزمة.
- السيناريو الثالث: تغليب صوت العقل من قبل الحكماء في الجيش والدعم السريع.
ولا يعتقد بأن السيناريوهين (الثاني والثالث) يمكنهما أن يتحققا سريعاً، بينما السيناريو الأول تبدو فرصه أقوى في ضوء تفاقم الأوضاع الحالية ومع معاناة الناس، مردفاً: "كل زول عاوز (يريد) يعيش.. البقاء لمن يستطيع أن يوفر ويدبر معيشته"، ملمحاً بذلك إلى حجم المخاطر التي قد تسفر عنها تلك الحالة الأمنية المتردية المتوقعة، وبما يشمل كذلك تفشي الأمراض مع تضرر القطاع الطبي وكذلك ارتباكات اجتماعية واسعة، والدمار الواسع بالبلد.
معدلات التضخم في السودان
ويواجه الاقتصاد السوداني صدمات متتالية؛ سواء مرتبطة بالتطورات الداخلية العاصفة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وكذلك المرتبطة بتداعيات التطورات الخارجية، لا سيما تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا وتبعاتها.
وتعبر معدلات التضخم التي تضرب البلاد عن ذلك الواقع، ورغم كونها تشهد تباطؤاً أخيراً إلا أن المحللين لا يعتقدون بأن ذلك التباطؤ معبراً عن الصورة الحقيقية للأسواق، في ظل اللغط الدائر حول طريقة حساب معدلات التضخم وسلة السلع والأوزان النسبية لكل سلعة.
أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان تشير إلى أن معدلات التضخم بالبلاد آخذة في التراجع، على النحو التالي:
- تراجع معدل التضخم السنوي في السودان إلى 63.3 بالمئة في شهر فبراير الماضي، بينما كانت النسبة في يناير 83 بالمئة.
- بلغت معدلات التضخم في السودان154.9 بالمئة العام الماضي، و359.1 بالمئة في العام 2021.
- تشهد معدلات التضخم بالبلاد تراجعاً خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد أن تخطت في وقت سابق الـ 400 بالمئة منتصف العام 2021.
- يستهدف السودان -طبقاً لتقديرات وزارة المالية- خفض مستوى التضخم إلى 25 بالمئة بنهاية العام الجاري 2023.
- تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى توقعات بانخفاض معدل التضخم في المتوسط عند حدود76.9 بالمئة في 2023.
تعقيدات المشهد السوداني
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "الاقتصاد السوداني أساساً يعاني من تعقيدات كثيرة في المشهد، وقد بدأت الحرب الحالية لتزيد المشهد تعقيداً، ونتمنى ألا يطول أمدها وأن تُحسم في فترة زمنية قصيرة حتى تعود الحياة الطبيعية للمواطنين".
ويشير إلى أنه "منذ بداية هذه العمليات العسكرية السبت الماضي وحتى الآن لم تكن حركة المواطنين طبيعية بالنسبة للذين لم يتمكنوا من الذهاب لمواقع عملهم، سواء بالنسبة للعاملين بالدولة والمؤسسات الخاصة، وكذلك صعوبة حصول المواطنين على احتياجاتهم الأساسية من الأسواق".
ويشير كذلك إلى "انقطاع التيار الكهربائي المستمر ونقص في إمدادات المياه، وجميعها صعوبات تتطلب من القائمين على أمر هذه الخدمات الضرورية بذل قصارى جهدهم لتكون الخدمات الأساسية للمواطنين مستمرة دون انقطاع، وأن تعود الحياة لطبيعتها قريباً حتى تستطيع البلاد أن تحقق استقراراً قتصادياً".
ويرى أن الاستقرار الاقتصادي المنشود في السودان "لا يتحقق إلا باستقرار سياسي واستقرار أمني.. وللأسف الشديد حدث انسداد في الأفق السياسي السوداني قاد البلاد إلى ما يحدث الآن"، مشيراً إلى أن الأزمة في المقام الأول هي أزمة سياسية بامتياز أدت لإشكاليات أمنية، وإذا لم يتحقق الاستقرار السياسي لن يتحقق أي استقرار بالأسواق والاقتصاد السوداني.
الوضع الإنساني
وطبقاً لأحدث التقاير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء السودان وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهناك حاجة لتقديم أكثر من1.7 مليار دولار لتقديم المساعد الإنسانية والحماية إلى12.5 مليون شخص من الأكثر ضعفاً بالبلاد.
كما يشير التقرير إلى أن ثمة مخاطر أربعة رئيسية تهدد السودان، هي الأكثر أهمية في 2023 وهي:
- الصراع.
- الكوارث الطبيعية.
- تفشي الأمراض.
- التدهور الاقتصادي.