شهد عام 2022 قفزة تكنولوجية هائلة لناحية تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد كانت شركة OpenAI الأميركية ومن خلال روبوت الدردشة النصية ChatGPT، نجمة هذا التطور الذي أذهل المستخدمين حول العالم.
ومع الرواج الذي حققه ChatGPT سارعت شركات أميركية أخرى أبرزها غوغل، للكشف عن منتجاتها الشبيهة التي تعتمد أيضا على أسلوب الدردشة النصية، بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث انتهى عام 2022 بسيطرة تامة للشركات الأميركية على هذا المشهد التقني الجديد، في ظل غياب مدوٍ للشركات الصينية.
وهذا التقدم الأميركي، شكل هاجسا للصين التي بدأت شركاتها ومع بداية عام 2023 بشنّ ما يشبه "الهجمة المرتدة"، عبر طرح نسخ مماثلة لـ ChatGPT ولكن تحت أسماء مختلفة، أبرزها برنامج Ernie التابع لشركة بايدو الصينية، وذلك بهدف عدم إخلاء الساحة للبرامج التي تم تطويرها في الولايات المتحدة، بسبب المخاطر التي قد تنتج عنها.
خطاب غير مقبول في الصين
وبالنسبة للصين، فإن برامج أو روبوتات الدردشة التي تعمل عبر الذكاء الاصطناعي، والتي تم تطويرها في الولايات المتحدة ستقدم خطاباً غير مقبول في العديد من الأمور، وهي ستعمد إلى نشر وتسويق النظرة الأميركية لمجريات الأحداث، وهو أمر لا يمكن أن تقف الصين أمامه مكتوفة الأيدي.
وما يجهله الكثيرون أن التناحر الصيني الأميركي الذي نراه اليوم في العديد من المواضيع، سينتقل إلى برامج الدردشة النصية العاملة عبر الذكاء الاصطناعي، فالانقسام العامودي في ما يتعلق بالكثير من الأفكار والتوجهات بين الصين وأميركا، سينعكس أيضاً انقساماً واختلافاً بالإجابات التي تقدمها الروبوتات الأميركية مثل ChatGPT والروبوتات الصينية مثل Ernie.
ومن المعروف أن ChatGPT محظور في الصين، حيث يمكن الوصول إليه فقط من خلال استخدام برامج VPN وفي حال أرادت شركة OpenAI الأميركية أن تجعل من روبوتها، يعمل بشكل شرعي على الأراضي الصينية فعليها طرح نسخة ChatGPT مخصصة للصين، تراعي الكثير من التواجهات في البلاد.
روبوتات الدردشة الأميركية منحازة ضد الصين
ويقول المستشار في أمن المعلومات رولان أبي نجم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الهجمة التي تقوم بها حالياً الشركات الصينية، من خلال طرح برامج شبيهة بـ ChatGPT مبررة، فالصين لا يناسبها بتاتا أن تكون المعلومات التي يتم منحها للمستخدمين عبر برامج الدردشة الذكية، مستقاة من مصادر أميركية، وهي تفضل أن تكون المعلومات صينية خصوصاً بالنسبة للمستخدمين على الأراضي الصينية.
ويضيف أبي نجم أن الصين تعتبر أن روبوتات الدردشة الذكية الأميركية أو حتى الأوروبية، ستكون منحازة ضدها وهي تريد منع حدوث هذا الأمر، مشيراً إلى أن البرامج الأميركية مثل ChatGPT وعند سؤالها عن تايوان، ستقول إنها دولة مستقلة أو كيان مستقل، يتعرض لمضايقات من الصين، في حين أن الروبوتات الصينية ستقول إن تايوان تابعة للصين.
الروبوتات تنشر أفكار صانعها
وشدد أبي نجم على أن برامج الدردشة النصية التي تعمل عبر الذكاء الاصطناعي، ستنقل رأي الطرف الذي طرحها بالنسبة للمواضيع الخلافية مثل الأمور السياسية، في حين أن أجوبتها ستكون موحدة بالنسبة للأمور المتفق عليها مثل العمليات الحسابية، لافتا إلى أن طريقة عمل ChatGPT وأمثاله، ترتكز على عاملين، الأول هو المعلومات الضخمة التي يتم تلقينها للروبوت، أما العامل الثاني فهو الخورازميات، لافتاً إلى أن هذين العاملين يتم التحكم بهما من قبل الإنسان، فيصبح الروبوت واجهة منحازة لأفكار الشخص الذي صنعه.
سباق على المركز الأول
من جهته يقول المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة eFlow.ai، باسل جلال الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن جميع دول العالم وليست الصين فقط، تريد إظهار أنها الأولى في مواكبة التطور التكنولوجي، ومن هنا يمكن فهم قيام الشركات الصينية بالإسراع بطرح برامجها المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث باتت هذه الروبوتات وسيلة لنشر فكر الجهة التي صنعتها.
اختلاف الأجوبة بين "تشات جي بي تي" و"إرني الصيني"
ويشرح جلال الدين أن برنامج مثل ChatGPT تم تصميمه بطريقة، تمنعه من تكرار الإجابة نفسها، في حال تم طرح السؤال ذاته عليه، وهو يقوم في كل مرة بإعادة إنتاج الأجوبة بطريقة مختلفة، ولكن ضمن المنظور الأميركي العام وفي هذه النقطة تحديداً، يبرز الاختلاف بينه وبين البرامج الصينية مثل Ernie، التي يجب أن تأتي إجاباتها، ضمن التوجه الذي تحدده القواعد الصينية الصارمة على المحتوى عبر الإنترنت، فمثلاً يرى ChatGPT وعند سؤاله عن الديمقراطية إنها أمر إيجابي يعزز من الحريات، في حين يرى Ernie أن الديمقراطية تنشر الفوضى.
برامج الذكاء الاصطناعي تلحق بصراع أميركا والصين
ويضيف جلال الدين أن برامج الدردشة عبر الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها في الولايات المتحدة، يمكن أن تقول للمستخدمين إن الصين بلد يقمع الحريات، ويقوم بالتجسس على أميركا، أما برنامج Ernie فإذا سألته عما إذا كانت الصين بلداً ديمقراطياً يكتفي بعدم الإجابة، وهذا ما يبرز مشكلة افتقار روبوتات الدردشة الصينية والأميركية، إلى اتساق الأفكار بشأن الموضوع نفسه، وسيؤدي إلى انضمامها إلى حلبة الصراع القائم أصلاً بين الطرفين بالنسبة للعديد من المواضيع التقنية.
تدريب برامج الـ AI على تبني خط معين
ويختم جلال الدين حديثه بالإشارة إلى أن برامج الذكاء الاصطناعي، يتم تدريبها على تبني خط معين، حيث سيسعى كل طرف لإيصال وجهة نظره، في ما يتعلق بالمواضيع المختلف عليها، وهي كثيرة مثل منشأ فيروس كوفيد-19 والحريات العامة، ودور الشركات الصينية التقنية في التجسس على المستخدمين، لتبقى هناك العديد من الأمور التي تجمع بين إجابات الروبوتات الأميركية والصينية.