يتصاعد التوتر حول تايوان مُنذراً بسيناريوهات ربما تكون أكثر حدة خلال المراحل المقبلة، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيداً من جانب الصين التي قامت بمحاكاة غارات جوية على الجزيرة، بينما طوقت قواتها البحرية تايبيه، في رد وصف بأنه "تحذير شديد اللهجة" بعد زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة الأميركية أخيراً.
زيارة تساي إنغ ون، إلى واشنطن استفزت الجانب الصيني، الذي يعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من الصين، وبما أعاد للواجهة سيناريوهات التصعيد القصوى التي يُمكن أن تلجأ إليها بكين في مراحل تالية، وانعكاسات تلك السيناريوهات على العالم، لا سيما على الأوضاع الاقتصادية.
تمثل تايوان "ورقة ثمينة" في الحرب التكنولوجية والتجارية الراهنة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، لا سيما لجهة ريادتها في صناعة الرقائق الإلكترونية، والتي تدفع بمخاوف عالمية واسعة فيما يخص تداعيات أي تصعيد في تايوان على شركات التكنولوجيا حول العالم.
لا يتوقف الأمر عند حد قطاع التكنولوجيا، إذ تبزغ أهمية تايوان كذلك في كونها مُنتجاً ومصدراً لعديد من السلع والخدمات المُهمة. ويعتبر الاقتصاد التايواني سابع أكبر اقتصاد في آسيا، ويأتي في المرتبة الـ 22 عالمياً من ناحية تكافؤ القوة الشرائية. كما يُعد ضمن مجموعة الاقتصادات مرتفعة الدخل (بحسب البنك الدولي)، فيما يصنفه صندوق النقد الدولي ضمن مجموعة الاقتصادات المتطورة.
"الرقائق الإلكترونية".. مصدر قوة تايوان
الباحثة في الاقتصاد الدولي، سمر عادل، تشير لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى سيطرة تايوان على صناعة الرقائق الإلكترونية، من خلال شركة TSMC التايوانية (التي تقدر قيمتها بـ 430 مليار دولار) والتي تُعد مصدراً أساسياً لتوريد الرقائق للشركات التكنولوجية، وتساعد الشركات الأميركية لإنتاج تكنولوجيا أعلى.
وتعتقد بأن ملف تايوان في هذا السياق يأتي متصلاً بـ "الحرب التكنولوجية" بين الولايات المتحدة والصين، وإذا ما قررت بكين القيام بأي عمل عسكري في تايبيه فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على حركة توريد الرقائق، وبشكل خاص إلى الولايات المتحدة التي تبحث عن بدائل مختلفة للحصول على أشباه الموصلات.
كما تُبرز الباحثة في الاقتصاد الدولي في الوقت نفسه الأهمية التجارية لتايوان، والتي تُعد مُصدراً مهماً لعديد من المنتجات (الإلكترونيات وغيرها) حتى أن عديداً من دول منطقة الشرق الأوسط تستورد عدد من المنتجات من تايوان، والتي تحظى بأهمية اقتصادية.
- تُشكل الصادرات نحو 70 بالمئة من الناتج المحلي لتايوان (بحسب موقع تريدنغ إكونوميكس).
- من أبرز صادرات تايوان: الأجهزة والإلكترونيات، ومنتجات تقنية المعلومات والاتصالات والمعادن الأساسية والبلاستيكو المطاط والآلات.
- تعتبر تايوان مركزاً عالمياً للحوسبة والاتصالات وإدارة البيانات.
وتوضح عادل في الوقت نفسه أنه "من خلال ما تتمتع به من أهمية اقتصادية، شكلت تايوان حلقة في صراع الصين والولايات المتحدة، وقد انتقلت في إطار الحرب التجارية بين البلدين إلى ساحة للتنازع الاقتصادي بينهما"، مشيرة إلى أن أي تصعيد هناك من شأنه أن يصيب العالم بشلل جديد أخطر من تبعات الحرب في أوكرانيا.
- من المرجح أن ينمو الاقتصاد التايواني المعتمد على التجارة بشكل أبطأ هذا العام مما كان متوقعاً في السابق؛ متأثراً بهبوط الصادرات بفعل ضعف الطلب الخارجي بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
- سجلت تايوان نمواً بالناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي في 2022 بنسبة 2.43 بالمئة (وهو أقل من المعدل المتوقع عند 3.06 بالمئة، بسبب ضعف الطلب العالمي في الربع الرابع).
- كان نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2022 هو الأبطأ منذ العام 2016، عندما نما الاقتصاد التايواني بنسبة 2.17 بالمئة (بحسب بيانات المديرية العامة للموازنة والمحاسبة والإحصاء).
أهمية تايوان للعالم اقتصادياً
تحت عنوان "لماذا تايوان مهمة للعالم؟"، كتب جدعون راشمان، في صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن تايوان تنتج أكثر من 60 بالمئة من أشباه الموصلات في العالم وحوالي 90 بالمئة من أكثرها تطوراً، والتي من خلالها يتم تشغيل الأجهزة التي تجعل الحياة الحديثة تعمل، من الهواتف إلى السيارات والآلات الصناعية.
ويضع سيناريوهين رئيسيين (بخصوص صناعة الرقائق في تايوان) حال ما إن أقدمت الصين على خطوة عسكرية بالجزيرة، على النحو التالي:
- السيناريو الأول: المصانع التي تنتج الرقائق يمكن أن تُدَمر بسبب الحرب.
- السيناريو الثاني: إذا نجت مصانع الرقائق في تايوان لكنها سقطت تحت السيطرة الصينية، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون هائلة.
- إن التحكم في أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم من شأنه أن يمنح بكين قوة تحكم في الاقتصاد العالمي.
ورصد الكاتب مجموعة من الاعتبارات الاستراتيجية والسياسة، إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية الخاصة بأهمية تايوان، معتبراً أن كل تلك العوامل مجتمعة "تقدم حجة مقنعة للولايات المتحدة وحلفائها لحماية تايوان". وفيما يوضح أنه لا أحد يريد حرباً بين أميركا والصين، لكن من الضروري أحياناً الاستعداد للحرب؛ للحفاظ على السلام.
كما رصد "ثلاثة أسباب رئيسية" تسوقها الولايات المتحدة الأميركية من أجل الدفاع عن تايوان، وهي:
- السبب الأول يتعلق بمستقبل الحرية السياسية في العالم.
- السبب الثاني يتعلق بتوازن القوى العالمي.
- السبب الثالث يتعلق بالاقتصاد العالمي.
ويلفت المقال المنشور عبر "فاينانشال تايمز" إلى أنه "إذا سحقت الصين الحكم الذاتي لتايوان (..) فإن القوة الأميركية في المنطقة سوف تتعرض لضربة كبيرة، في مواجهة احتمال وجود قوة مهيمنة جديدة في المحيطين الهندي والهادئ، وسوف تستجيب دول المنطقة، وسيختار معظمهم استيعاب بكين من خلال تغيير سياساتهم الخارجية والداخلية".
إن تداعيات الهيمنة الصينية على منطقة المحيطين الهندي والهادئ ستكون عالمية أيضاً، حيث تمثل المنطقة حوالي ثلثي سكان العالم والناتج المحلي الإجمالي. وإذا هيمنت الصين على المنطقة، فستكون في طريقها لإزاحة الولايات المتحدة باعتبارها أقوى دولة في العالم.
رمانة ميزان الاقتصاد العالمي
مستشار المركز العربي للدراسات والخبير فى الشؤون الاقتصادية، أبوبكر الديب، يقول لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "الحرب في أوكرانيا لن تتسبب في حرب عالمية جديدة مثلما قد تتسبب فيها الأزمة في تايوان؛ على أساس أن ديناميكية القوى الجيوسياسية بين الصين وتايوان أكثر تعقيداً مما يمكن أن تفسره فقط المقاييس الاقتصادية". ويعدد في هذا السياق بعضاً من النقاط الأساسية التي تعزز أهمية تايوان بالنسبة للعالم، على النحو التالي:
- تايوان هي جزيرة تبعد عن السواحل الجنوبية الشرقية للصين 100 ميل ومساحتها حوالي 36 ألف كيلومتر مربع ، ويبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة.
- تتمتع بأهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة لكل من الصين والولايات المتحدة بشكل خاص (الصين أكبر شريك تجاري بالنسبة لتايوان، والولايات المتحدة في مرتبة تالية).
- تُعد تايوان أكبر مصنع للرقائق الإلكترونية التي تدخل في الصناعات الإلكترونية وصناعة السيارات، وتستحوذ شركة TSMC على 65 بالمئة من إنتاج الرقائق عالمياً.
- تمتاز تايوان باقتصاد السوق الحر، وتتمتع فيه الشركات الأجنبية بحرية أكثر في ظل بيئة استثمارية مماثلة للاقتصادات الكبرى. وتشكل مجتمع أعمال يتميز بالشفافية والديمقراطية.
- دخل الفرد في تايوان يصل إلى ثلاثة أضعاف دخل الفرد في الصين. وتستحوذ الصين على 42 بالمئة من صادرات تايوان، مقابل 22 بالمئة من الواردات التايوانية من بكين، رغم التوترات الجيوسياسية. وتعتبر تايوان مركزاً مهماً للاستثمار في الصين.
ومن هذا المنطلق، يصف الديب تايوان بأنها "رمانة الميزان بالنسبة للاقتصاد العالمي إلى حد كبير"، لا سيما وأن كلاً من الصين والولايات المتحدة (أكبر اقتصادين في العالم) يحتاجان إليها بشكل واسع، مشدداً على أن "الصراع في تايوان ربما يكون أكثر تعقيداً من الصراع في أوكرانيا".