جاء القرار المفاجئ لعدة دول مصدرة للنفط ضمن تحالف "أوبك+"، بما في ذلك السعودية والإمارات، بخفض طوعي لإنتاج النفط، بواقع 1.657 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو المقبل وحتى نهاية 2023، كخطوة هادفة إلى إحداث التوازن بالأسعار، لا سيما في ضوء ما شهدته الأسعار من تراجع خلال الفترة الأخيرة، بعد الارتفاع الملحوظ إبان بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022.

تأتي تلك الخطوة أيضاً كتصرف استباقي، في وقت يرى فيه محللون أن منتجي النفط وحلفائهم يتطلعون إلى تجنب تكرار انهيار العام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية، لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة التي يشهدها العالم، والانعكاسات الاقتصادية للتطورات الجيوسياسية المتسارعة، مع ارتفاع معدلات التضخم ورفع الفائدة، وأثر تلك الأوضاع على نمو الطلب على النفط.

يرفع قرار الخفض الطوعي للإنتاج التوقعات الخاصة بأسعار النفط خلال العام الجاري، لتلامس الـ 100 دولار للبرميل، بعد أن عادت الأسعار لمستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا.

أوبك تتوقع ارتفاع طلب الصين على النفط

وكانت "أوبك+" قد قررت في أكتوبر الماضي خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، وكانت التوقعات تشير إلى أن التحالف سيحافظ على هذا المستوى، إلا أن جاء قرار الخفض الطوعي الجديد، على النحو التالي:

  • السعودية: 500 ألف برميل يومياً.
  • الإمارات: 144 ألف برميل يومياً.
  • روسيا: 500 ألف برميل يومياً.
  • العراق: 211 ألف برميل يومياً.
  • الكويت: 128 ألف برميل يومياً.
  • عمان: 40 ألف برميل يومياً.
  • الجزائر: 48 ألف برميل يومياً.
  • كازاخستان: 78 ألف برميل يومياً.

دلالات وأهداف القرار

من جانبه، يقول خبير أول في معهد دلتا للطاقة وعضو المجلس الاستشاري للغاز بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، تييري بروس، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه في ظل ارتفاع مستويات التضخم حول العالم وتأثيراتها الاقتصادية وانعكاساتها على نمو الطلب العالمي على النفط، فإن أوبك+ "ليست راضية عن معدلات أقل من 80 دولاراً للبرميل".

ويتابع: "هناك خطر فيما يتصل بتراجع الطلب العالمي على النفط، بينما تريد أوبك + إظهار أن الطلب يرتفع باستمرار، ولهذا السبب فإنهم سيديرون السوق بشكل دقيق"، موضحاً أن الأسعار المتوازنة التي ترضي المنتجون في نطاق من 80 إلى 100 دولار للبرميل، وإذا تجاوزت الأسعار حدود الـ 100 دولار فسوف تنتج أوبك المزيد.

ويصف بروس، وهو أستاذ في معهد Science Po Paris ومساهم في Natural Gas World، قرار المنتجين الرئيسيين للنفط في أوبك + بكونه "قرار ذكي" على اعتبار أنه "نظرًا لعدم وجود طاقة إنتاجية فائضة، يمكن لأوبك أن تحدد بسهولة سعر النفط فوق 80 دولاراً للبرميل".

كما يلفت إلى أن قرار خفض الإنتاج ضرب التوقعات "الخيالية" لوكالة الطاقة الدولية (التي كانت قد توقعت تحقيق التوازن في سوق النفط بحلول منتصف العام، وتسارع نمو الطلب في الربع الأخير من 2023).

أخبار ذات صلة

بعد خفض دول أوبك+ الطوعي.. غولدمان ساكس يرفع توقعاته للنفط
النفط يقفز 8 بالمئة بعد الخفض الطوعي لـ أوبك+
واشنطن تعلق على تخفيضات "أوبك+" الطوعية لإنتاج النفط
المنتجون الرئيسيون في أوبك+ يعلنون عن خفض طوعي لإنتاج النفط

تقديرات جديدة

رفع بنك غولدمان ساكس توقعاته لأسعار العقود الآجلة لخام برنت بعد الإعلان المفاجئ من أوبك+ بشأن تبني المزيد من الخفض في الإنتاج، ومما ورد في مذكرة للبنك (الأحد):

▪ الخفض المفاجئ يتفق مع نهج أوبك+ الجديد بـ "التصرف بشكل استباقي" لأنها تستطيع فعل ذلك دون تكبد خسائر كبيرة في حصتها السوقية.

  • التوقعات لسعر خام برنت لديسمبر 2023 زادت خمسة دولارات إلى 95 دولاراً للبرميل.
  • تم رفع التوقعات لديسمبر 2024 ثلاثة دولارات إلى 100 دولار للبرميل.
  • القرار يعكس اعتبارات اقتصادية مهمة وسياسية محتملة.

سيناريو 2008

يعتقد محللون بأن القرار جاء لـ "تجنب تكرار سيناريو الانهيار الذي حدث خلال العام 2008"، وهو الأمر الذي تحدث بشأنه رئيس شركة رابيدان إنرجي لاستشارات الطاقة، بوب ماكنالي، في تصريحات إعلامية له أخيراً.

ذكَّرَ ماكنالي خلال تصريحاته بسيناريو عام الأزمة المالية العالمية في 2008، مشيراً إلى انهيار أسعار النفط حينها من 140 دولاراً للبرميل إلى قرابة الـ 35 دولاراً في ستة أشهر فقط.

وفي توضيح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول رئيس شركة رابيدان إنرجي لاستشارات الطاقة، إنه "في حين أن الظروف الاقتصادية والمالية ليست مشابهة تماماً للعام 2008، فإن الخطر الأوسع الذي قصدته (في التصريحات المشار إليها) هو أن ضعف النمو الاقتصادي من شأنه أن يتسبب في انخفاض أسعار النفط بشكل حاد قبل أن ترصد التوقعات ذلك".

وشارك ماكنالي رسماً بيانياً، مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يوضح الطلب المتوقع في الربع الرابع من العام 2008 حينها مقارنة بالطلب في الربع الرابع من العام 2007 حسب توافق الآراء في وكالة الطاقة الدولية فيما يخص أسعار النفط الخام.

وبتحليل هذا الرسم البياني "يُلاحظ أن أسعار النفط الخام قد انهارت بمقدار النصف قبل أن تتغير التوقعات الأساسية لوكالة الطاقة الدولية". وقد أجرت أوبك تخفيضات كبيرة في نوفمبر وديسمبر من ذلك العام (2008)، بالقرب من قاع حركة الأسعار.

ويضيف رئيس شركة رابيدان إنرجي لاستشارات الطاقة: "أعتقد بأن هذه نقطة جديرة بالملاحظة؛ لأن أحد أسباب اندهاش الجميع هو أن وكالة الطاقة الدولية تظهر تضييقاً في السوق في وقت لاحق من هذا العام".

وبحسب ماكنالي "يمكن أن تقلل التخفيضات الاستباقية، إن لم يكن بالضرورة تمنع تماماً، فوائض العرض في سيناريو التباطؤ، وبالتالي تضع حداً أدنى لأسعار النفط الخام". ويشدد على أنه "يمكن لإدارة العرض الفعالة أن تعمل على استقرار الأسعار على المديين القصير والمتوسط".

القرار لم يكن مفاجئاً!

لكنّ المحلل الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، يستبعد فرضية سيناريو الانهيار على غرار العام 2008، لا سيما وأن الظروف والعوامل مختلفة، موضحاً أن قرار أوبك + الأخير جاء مدفوعاً بالمخاوف المرتبطة بالركود وليس الكساد الاقتصادي أو خوفاً من أزمة عالمية كبرى.

ويشير الرمضان في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن قرار أوبك + كان متوقعاً؛ على اعتبار أن أسعار النفط انخفضت بشكل كبير، وبالتالي يمكن للخفض الطوعي للإنتاج أن يرفع الأسعار إذا حرصت أوبك + على تثبيت السعر في الحدود المقبولة عالمياً فوق الـ 85 دولاراً للبرميل.

أخبار ذات صلة

تفاصيل الخلاف بين العراق وتركيا بشأن تصدير نفط كردستان
مندوبون في أوبك+ يستبعدون تعديل سياسة إنتاج النفط

ويشير إلى أن "أسعار النفط تفاعلت بشكل سريع مع هذا القرار، لا سيما وأن حجم الخفض ليس بالقليل من جانب المنتجين الرئيسيين"، مشدداً على أن الهدف هو أن يكون هناك توازن في الأسعار.

  • في مارس الماضي، تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ ديسمبر 2021.
  • دعّمت ذلك التراجع مخاوف المتداولين من أن يؤدي انهيار البنوك إلى إضعاف النمو الاقتصادي العالمي.

الضغوط التضخمية

ويشير مدير مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، لاندون ديرينتس، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الخفض المفاجئ في أوبك + "دليل واضح على تدهور خطوط الاتصال بين واشنطن والرياض"، موضحاً أن السوق قد تثبت في النهاية أن موقف أوبك التحوطي له ما يبرره.

لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن الجهود الطوعية للتكيف مع التوقعات الاقتصادية الراكدة تخاطر بإغضاب المحاولات الغربية لكبح جماح التضخم المستمر، موضحاً أنه إذا أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة الضغوط التضخمية، فقد تضطر البنوك المركزية إلى تسريع رفع أسعار الفائدة وتهدئة التوقعات الاقتصادية بشكل أكبر.

إعادة التوازن لأسعار النفط

من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي السعودي سليمان العساف، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن قرار خفض الإنتاج الطوعي بمقدار 1.16 مليون برميل يومياً، حتى نهاية العام الجاري 2023 "جاء بعد الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط عند حدود السبعينات (دون الـ 80 دولاراً)، لا سيما مع انتهاء موسم الشتاء عملياً".

ويتابع: "القرار الهدف منه إعادة التوازن لأسعار النفط وامتصاص الفوائض الحالية أو المتوقعة من بعض المصافي، وفي ظل عودة إيران للأسواق وكذلك فنزويلا وبعض الدول الأخرى التي بدأت تزيد الإنتاج".

ويشير إلى أن الأسواق تفاعلت سريعاً من القرار وارتفعت أسعار النفط (بنحو 8 بالمئة) ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع في الأيام المقبلة لتستقر في بحر ما فوق الـ 80 دولاراً خلال الفترة المقبلة "وهي أسعار مريحة ومرضية بالنسبة للمنتجين".

  • قفزت أسعار النفط في التعاملات المبكرة الاثنين بنحو 8 بالمئة.
  • بحلول 0547 بتوقيت غرينتش، قفزت العقود الآجلة لخام برنت 4.7 بالمئة إلى 83.65 دولاراً للبرميل بعد أن لامست 86.44 في وقت سابق من الجلسة.
  • وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأميركي بنسبة 4.6 بالمئة إلى 79.14 دولاراً للبرميل.

بدوره، يلفت مدير مركز الأمصار للدراسات والأبحاث، المحلل العراقي الدكتور رائد العزاوي، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن خفض الإنتاج الطوعي يشكل "خطوة مهمة للحفاظ على مستويات معينة من الأسعار والمعروض بالأسواق، خاصة أنه خلال الفترة الماضية كانت هناك حالة من الركود بالأسواق، وبما أدى لتراجع الأسعار دون الـ 80 دولاراً للبرميل".

ويتابع: "بالتالي فإن الدفع باتجاه الخفض الطوعي من جانب دول أوبك + (التي تنتج أكثر من 40 بالمئة من نفط العالم) سوف يسهم على الأقل في ثبات أسعار النفط فوق الـ 80 دولاراً"، موضحاً أن كثيراً من هذه الدول تعتمد على عائدات النفط بشكل أساسي لأغراض التنمية والموازنة العامة، وبالتالي فإن الانخفاض في الأسعار دون الـ 80 دولاراً يمكن أن يؤثر على خططها التنموية، ولذلك فإن سعي هذه الدول خطوة مهمة بالنسبة لها.

ويستطرد: "هذه الخطوة جاءت بعد خطوات كثيرة قامت بها دول مُنتجة للنفط، بما في ذلك دول خارج أوبك (..) من بينها دول يمكن أن تستفيد من العملية لأغراض سياسية فيما يتعلق بإبعاد النفط كسلاح سياسي يستخدم ضد الدول الأخرى".

تأثير القرار على التضخم ومعدلات الفائدة

من ناحية أخرى، حدد رئيس مؤسسة GeoStrategic Analysis، بيتر هوسي، مجموعة من التأثيرات الأساسية لقرار "أوبك+" المفاجئ بخفض الإنتاج، سواء على أسعار النفط، وكذلك على معدلات التضخم واتجاهات أسعار الفائدة بالولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص.

وأشار المحلل الاستراتيجي الأميركي، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن قرار "أوبك" بخفض الإنتاج من شأنه "المساعدة على التحكم في أسعار النفط".

وذلك في إشارة إلى مساهمة القرار في خلق حالة من التوازن بأسواق النفط، بعد تراجع الأسعار دون الـ 80 دولاراً للبرميل خلال الفترة الأخيرة، رغم ارتفاع الأسعار في أعقاب الحرب في أوكرانيا منذ فبراير من العام الماضي.

ويشير هوسي إلى أن "قرار خفض الإنتاج من شأنه دفع الأسعار للارتفاع (..)". ويأتي ذلك في وقت تشير فيه التقديرات إلى وصول البرميل إلى 100 دولار بحلول أبريل من العام المقبل.

ويلفت هوسي في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه "سيؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار في الولايات المتحدة الأميركية"، مشدداً على تأثير قرار خفض الإنتاج بشكل سلبي على واشنطن، فيما يتصل بمعدلات التضخم المتوقعة وأسعار الفائدة.

ويتابع: "يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم.. وربما تبقى أسعار الفائدة مرتفعة (رغم الاتجاه لخفض وتيرة رفع معدلات الفائدة) وهذا سيضر بالاقتصاد الأميركي بشكل عام".

ويتناول رئيس مؤسسة GeoStrategic Analysis في السياق نفسه جانباً من التأثيرات المحتملة "على المدى الطويل" لمثل تلك القرارات، يرتبط أساساً بـ "مستقبل هيمنة الدولار الأميركي"، ويقول: "سيساعد ذلك في دفع العالم نحو احتمال إسقاط الدولار كعملة احتياطية".

أمين عام أوبك: استقرار سوق النفط على رأس أولويات المنظمة