عادة ما تستفيد البنوك من ارتفاع أسعار الفائدة، مع العوائد الأعلى التي تجنيها تبعاً لذلك، إلا أن سلسلة الأزمات المتصلة الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ربما تعكس واقعاً مغايراً لتلك الفرضية المعروفة والخاصة بالتناسب الطردي بين ارتفاع الفائدة وصافي دخل البنوك.

الأزمات على جانبي الأطلسي، في الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا، أظهرت جانباً من نقاط ضعف وهشاشة البنوك أمام ارتفاع أسعار الفائدة على ذلك النحو المتسارع خلال الفترات الماضية، ونبهت إلى جملة من الإشكاليات والمخاطر الجديدة التي تواجه المقرضين، في خطٍ متوازٍ أيضاً مع هروب المودعين نحو عوائد أعلى نسبياً مثل الاستثمار في العملات المشفرة.

تحليل نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، سلط الضوء على مجموعة من نقاط ضعف البنوك والتي كشفتها الأزمة الأخيرة، رغم ارتفاع الفائدة، ومن بين تلك النقاط:

أخبار ذات صلة

الادعاء العام السويسري يحقق في استحواذ UBS على كريدي سويس
النفط يقفز 8 بالمئة بعد الخفض الطوعي لـ أوبك+
  • تباين تأثيرات القروض ذات أسعار الفائدة "الثابتة" والقروض بفائدة "متغيرة".
  • تأثير انخفاض قيمة السندات الحكومية، لا سيما حال اضطرار البنوك لبيعها؛ تلبية لطلبات المودعين.
  • السلوك غير المتوقع للمودعين أثناء بحثهم عن منافذ أكثر ربحاً لإيداع أموالهم.

الفائدة الثابتة والمتغيرة

وفي التفاصيل، يشير التحليل إلى أن البنوك القادرة على تمرير زيادات أسعار الفائدة إلى العملاء عن طريق قروض بسعر فائدة مرن أو متغير تمتعوا بارتفاع كبير في الأرباح في العام 2022. (بينما تُواجه تلك البنوك مخاطرة أو تهديداً مرتبطاً بموجة من التخلف عن السداد من جانب المقترضين الذين لم يعد بإمكانهم تحمل خدمة ديونهم).

وفي الوقت نفسه، وبينما تشهد القروض ذات السعر الثابت فرصة أقل للتخلف عن السداد، لكنها أيضاً تمثل عبئاً على الربحية للبنوك التي ستزداد تكاليف تمويلها.

  • في الاتحاد الأوروبي، لا تزال القروض المتعثرة عند مستويات منخفضة، حيث تم تصنيف 1.5 بالمئة فقط من الرهون العقارية على أنها قروض متعثرة في سبتمبر، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة من الهيئة المصرفية الأوروبية.
  • القروض ذات الأسعار المتغيرة أكثر شيوعاً في منطقة اليورو، لكن القروض العقارية الثابتة لا تزال تمثل حوالي ثلاثة أرباع الإجمالي، وفقًا لبيانات البنك المركزي الأوروبي.

السندات الحكومية

أما فيما يتعلق بخسائر محافظ السندات، فتقوم البنوك بشكل روتيني بشراء ديون حكومية آمنة، كطريقة لتلبية المتطلبات التنظيمية للاحتفاظ بكمية كافية من الأصول السائلة عالية الجودة.

أخبار ذات صلة

خلال الركود الاقتصادي..هل الذهب وحده الملاذ الآمن للاستثمار؟
الشرق الأوسط "نقطة مضيئة" في سوق الاكتتابات العامة العالمية

وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض حاد في قيمة هذه السندات.

وعندما يجد البنك نفسه يعاني من نقص في السيولة لتلبية تدفقات الودائع الخارجة، كما حدث لبنك سيلكون فالي، فقد يضطر إلى بيع جزء من محفظته "المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق"، ما يؤدي إلى بلورة الخسائر وبما يثير قلق المستثمرين والمودعين.

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد كشف عن أن البنوك الأميركية لديها 620.4 مليار دولار من الخسائر غير المحققة في محافظ الأوراق المالية الخاصة بها في نهاية 2022، بما في ذلك 340.9 مليار دولار على السندات التي لم يخططوا لبيعها.

الفخ الذي سقطت فيه البنوك

المدير التنفيذي لمركز كوروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، يقول في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": عند انخفاض مستويات الفائدة نحو الصفر في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في وقت سابق، اضطر المستثمرون وحتى الصناديق السيادية إلى اللجوء للاستثمار في سندات طويلة الأجل -حتى ولو كانت تمنح عائداً بسيطاً من 1 إلى 2 بالمئة- وكثير من البنوك أيضاً -ومن بينها سيلكون فالي- اتجهت إلى ذلك الخيار مع الأخذ في اعتبارها أن الفائدة ستكون منخفضة لفترة طويلة، لا سيما بعد عودة فتح الأسواق بعد جائحة كورونا.

ويتابع: على العكس من تلك التقديرات، بدأت عمليات زيادة الفائدة بوتيرة سريعة من جانب الفيدرالي الأميركي، وبالتالي فإن البنوك التي كانت ترى سندات الخزانة الأميركية أكثر أشكال الاستثمار آماناً لكونها مضمونة من الحكومة، سجلت خسائر غير محققة مع رفع الفائدة على مدار العام الماضي، والحال نفسه بالنسبة لكثير من المستثمرين والصناديق السيادية، وهو السبب الأساسي في خسائر عديد من البنوك أخيراً.

البيت الأبيض وأزمة البنوك.. تشديد أكثر صرامة

سلوك المودعين

من بين نقاط الضعف الأخرى التي أبرزها تحليل "فاينانشال تايمز" كذلك تركيز البنوك على "قروض العقارات التجارية"، علاوة زيادة تكلفة التمويل. كما يشير التحليل نفسه إلى التحديات التي تواجه المصارف أيضاً بشأن تدفقات الودائع الخارجة وسلوك المودعين الذين يسعون إلى إيجاد بدائل ذات عائد أعلى للفائدة.

  • في الولايات المتحدة انخفض إجمالي الودائع المصرفية بنسبة 3.3 بالمئة منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة العام الماضي، إذ سعى المدخرون إلى إيجاد بدائل ذات عائد أعلى للفائدة التي تقدمها عديد من البنوك الأميركية.
  • تسارع ذلك الاتجاه في وقت قريب من أزمة سيلكون فالي وسيغنتشر، لتنخفض الودائع في البنوك الأميركية بأكبر قدر في عام تقريباً بعد الأزمة وحتى 15 مارس.
  • تقول لكبيرة الاقتصاديين في نيشن وايد، كاثي بوستانسيك: "يمكننا أن نشهد أزمة ائتمانية كبيرة حيث ستحتاج البنوك إلى كبح جماح الإقراض بسبب هروب الودائع الكبيرة".
  • في منطقة اليورو، سحب المودعون 214 مليار يورو خلال الأشهر الخمسة الماضية (1.5 بالمئة من إجمالي الودائع)، وفقاً لبيانات البنك المركزي الأوروبي هذا الأسبوع.

ويضيف الرفاعي: المستثمر اليوم يبحث عن الملاذات الآمنة، وبالتالي نرى سحب بعض الودائع من كثير من البنوك، وفي الولايات المتحدة الأميركية بدأ المستثمرون في سحب ودائعهم من البنوك الصغيرة والمتوسطة واستثماراها في سندات الخزانة قصيرة الأجل؛ لكسب العوائد في ظل المخاطر المرتفعة بالنسبة للبنوك في ضوء أزمة الثقة الحالية.

ويتابع رئيس مركز كوروم للدراسات في لندن، قائلاً: لم ندخل أزمة ائتمان، ولكن دخلنا أزمة ثقة؛ سواء أزمة ثقة في البنوك وكذلك أزمة ثقة في البنوك المركزية.

ولا يرى الرفاعي بأن أزمة البنوك قد انتهت بالإجراءات الأخيرة في الولايات المتحدة وسويسرا، مستشهداً بالأزمة المالية العالمية في 2008 على اعتبار أن الأزمة بدأت من قبل انهيار بنك ليمان براذرز، وتحديداً في شهر مارس 2008 مع انهيار بنك بير ستيرنز والذي كانت أسهمه تُداول بأكثر من 140 دولاراً قبل أزمة إفلاسه ببضعة أشهر، وعند حدوث الأزمة تم التدخل لإتمام صفقة استحواذ جي بي مورغان عليه بسعر دولارين فقط للسهم.

هذا السيناريو الذي سبق الأزمة المالية العالمية في 2008 "مشابه لأزمة كريدي سويس وتدخل المركزي لاستحواذ يو بي إس، على البنك"، في تقدير الرفاعي، الذي يضيف: "قد نرى سيناريو مشابه، لكن من غير المعروف متى وكيف؟"، على حد تحليله للمشهد.

أثر سلبي

من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة بورتسموث بلندن، الدكتور أحمد عبود، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن رفع الفائدة سياسة يتبعها البنك المركزي؛ لمحاربة التضخم وارتفاع الأسعار، لكنها في الوقت نفسه تأتي بأثر سلبي على الاقتصاد؛ على اعتبار أنها تحفز على عملية الركود الاقتصادي، وبالتالي تقل الاستثمارات ويقل الاقتراض بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، وبما يؤثر تبعاً لذلك على أنشطة البنوك وعدم قدرتها على توفير إيرادات.

ويضيف أن "البنوك لديها التزامات في الوقت نفسه، من بينها دفع عوائد للمودعين، ومع صعوبة الإقراض وصعوبة الاستثمار تتأثر تلك البنوك".

وحول مدى تأثير ذلك على إمكانية حدوث "أزمة ائتمانية" لا سيما في ضوء أزمة البنوك في الولايات المتحدة وسويسرا، يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة بورتسموث بلندن، أن الفيدرالي الأميركي يرى أن المشكلة التي حدثت فيما يخص سيلكون فالي وسيغنتشر "مشكلة محدودة تتعلق بالبنوك التي تعمل بشكل مباشر مع شركات تكنولوجيا المعلومات" وبالتالي هو يرى أن عملية رفع الفائدة لن تؤثر بشكل كبير على استمرارية البنوك وصمودها".

.