كشف مكتب التدقيق الوطني البريطاني، عن القيمة الإجمالية لحجم الأموال المفقودة جراء "المطالبات الاحتيالية" على مخططات الدعم التي قدّمتها الحكومة إبان بداية جائحة كورونا، مع وجود فرصة ضئيلة لاستعادة غالبيتها.
أحدث تقديرات مكتب التدقيق الوطني تشير إلى أنه من بين 21 مليار جنيه إسترليني خسرتها الحكومة (وفق بيانات مكتب المراجعة الداخلية) هناك أكثر من 7 مليارات جنيه إسترليني مرتبطة بمخططات وبرامج تم تقديمها أثناء فترة الوباء، ومن غير المرجح إلى حد كبير أن يتم استرداد الجزء الأكبر من أموال دافعي الضرائب.. فما القصة؟
"أخطاء ووقائع احتيال"في برامج الدعم
تعود وقائع الأزمة إلى العام 2020، عندما بدأت الحكومة في تطبيق برامج وخطط الدعم الاقتصادي للأفراد والشركات، وهي البرامج التي كانت أهدافاً للاحتيال، مع محاولات البعض للحصول على الأموال من تلك المخططات (المطالبات الاحتيالية).
تقرير مُفصَّل بعنوان معالجة الخطأ والاحتيال في مخططات دعم Covid-19، نشره موقع الحكومة البريطانية، أفاد بأن خطط الدعم أثناء بداية جائحة كورونا COVID-19 ساعدت ملايين الأشخاص والشركات خلال الوباء.
كما أن كل من برنامج دعم الدخل لأصحاب الأعمال الحرة، وخطة الاحتفاظ بالوظائف، دعما 14.6 مليون وظيفة، وأفراد يعملون لحسابهم الخاص.
كما أشار التقرير إلى أن برنامج Eat Out to Help Out كان جزءاً رئيسياً من خطة الحكومة للوظائف، وصُمم لدعم حوالي 130 ألف شركة وللمساعدة في حماية ما يقرب من 1.8 مليون موظف. وذكر التقرير أن أولويات الحكومة تمثلت في "توفير الأموال الحيوية للناس بسرعة، لدعم الأفراد والشركات والاقتصاد"، كما تطرق إلى مسألة الاحتيال، على النحو التالي:
- كنا واضحين منذ البداية أن المخططات ستكون أهدافًا للاحتيال. وصممنا المخططات بطريقة تقلل من الاحتيال والخطأ مع عدم تأخير المدفوعات دون داع. كما قمنا بتقييم المخاطر لكل مطالبة قبل دفعها.
- بدأ نشاط الامتثال بعد الدفع في يوليو 2020 بمجرد منح هيئة الإيرادات والجمارك الملكية صلاحيات محددة.
- حتى نهاية مارس 2022، استعدنا أكثر من 762 مليون جنيه إسترليني فُقدت بسبب الخطأ والاحتيال في خطط الدعم المالي لـ COVID-19 من خلال نشاط الامتثال.
- لدينا حالياً (حتى أكتوبر 2022) 29 تحقيقاً جنائياً جارياً تغطي المطالبات الاحتيالية المشتبه بها المدفوعة لخطة الاحتفاظ بالوظائف في إطار فيروس كورونا، ونظام دعم الدخل لأصحاب الأعمال الحرة، وبرنامج Eat Out to Help Out بقيمة حوالي 15 مليون جنيه إسترليني.
- في ميزانية 2021 ، أعلنت الحكومة عن استثمار لمدة عامين بأكثر من 100 مليون جنيه إسترليني في فرقة عمل حماية دافعي الضرائب لمكافحة الاحتيال في خطط الدعم المالي التي تديرها هيئة الجمارك.
- حتى نهاية مارس 2022، بلغ إجمالي الأموال التي تم حظرها من الدفع، أو استردادها من خلال عمل الامتثال، حوالي 1.2 مليار جنيه إسترليني مع استمرار أعمال الامتثال.
ارتفاع مستويات الاحتيال بأربعة أضعاف
وبحسب أحدث التقارير الصادرة أخيراً عن المكتب الوطني البريطاني لمراجعة الحسابات NAO، فإن "مستويات الاحتيال ارتفعت أربعة أضعاف تقريباً من 5.5 مليار جنيه إسترليني قبل عامين إلى 21 مليار جنيه إسترليني".
وفق المكتب الوطني للمراجعة وتدقيق الحسابات فإن هيئة الإيرادات والجمارك الملكية، تتوقع استرداد 1.1 مليار جنيه استرليني من 4.5 مليار جنيه استرليني.
وأفاد التقرير بأن وزارة العمل والمعاشات من خلال مراجعتها بأثر رجعي لمطالبات الائتمان الشامل (معونة حكومية مالية تدفع شهرياً لعدد من المستفيدين التي تنطبق عليهم شروط الدعم) المقدمة خلال ذروة وباء كورونا، حصلت 500 مليون جنيه استرليني، وتخطط لمراجعة الحالات المستهدفة واكتشاف واستعادة أكبر قدر ممكن من الباقي.
وطبقاً لرئيس مكتب التدقيق الوطني، غاريث ديفيز، فإنه "كانت هناك زيادة كبيرة في مستوى الاحتيال المبلغ عنه في التقارير السنوية والحسابات التي نراجعها (..) بالإضافة إلى خسارة أموال دافعي الضرائب، فإنها تشكل خطراً يتمثل في أن الناس يعتبرون الاحتيال والفساد في جميع أنحاء الحكومة أمراً طبيعياً ويمكن التسامح معه. إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر فقد يؤثر ذلك على ثقة الجمهور في نزاهة الخدمات العامة".
وقال إن إنشاء هيئة مكافحة الاحتيال في القطاع العام العام الماضي رداً على الاحتيال بشأن الوباء يمثل "فرصة حقيقية" للتصدي للاحتيال بفعالية.
وبحسب التقرير، فقد استعادت الحكومة أكثر من 3.1 مليار جنيه استرليني من خسائر الاحتيال في العامين الماضيين ، بما في ذلك ضمن برامج ومخططات COVID-19.
أزمة تكلفة المعيشة
وكان نواب بريطانيون قد حذروا في وقت سابق من أن "الأموال التي تم تسليمها للمحتالين سوف تضيف في نهاية المطاف إلى تكلفة المعيشة أزمة تجتاح بريطانيا".
واتهمت مجموعة مؤثرة من أعضاء البرلمان هيئة الإيرادات والجمارك بـ "الجهل والتقاعس" وأن خطط استرداد المدفوعات الاحتيالية "غير طموحة"، وبما يجازف بـ "بمكافأة عديمي الضمير".
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي في جريدة فايننشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن ثمة تحقيقات واسعة جارية تقوم بها الجهات المعنية، وتبعاً لذلك فإن فرص استعادة تلك الأموال تظل كبيرة، خاصة بالنظر إلى نجاح السلطات في أن تتحصل على ملايين الجنيهات من المطالبات الاحتيالية التي تمت بين عامي 2020 و 2021 (..).
ويضيف: "كما أن الآلية التي تقوم بها الحكومة وجامعو الضرائب في بريطانيا، هي آلية قوية ومرنة وصارمة، من أجل الحصول على هذه الأموال (..)"، موضحاً أن ثمة إجراءات مختلفة تُتخذ في هذا السياق ما بين التحقيقات والملاحقات القانونية وصولاً إلى تجميد الأموال أو حتى ربما السجن.
لكنه لا يعتقد بأن أزمة "المطالبات الاحتيالية" التي واجهتها بريطانيا سوف تضيف أزمة جديدة اقتصادية جديدة للحكومة، مشيراً إلى أن "الحكومة غارقة في الأزمات، ونسبة التضخم تجاوزت الـ 10 بالمئة، مع نسبة نمو تكاد تكون معدومة، علاوة على أن لندن قد أفلتت بمعجزة من انكماش وكساد اقتصادي مزدوج رغم أن الأسعار وصلت إلى أعلى مستوياتها في التاريخ؛ نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا".
ويختتم تصريحاته بقوله: "الحكومة في وضع اقتصادي صعب بالفعل، ومركز بريطانيا المالي تراجع من الدولة الخامسة إلى السادسة، لتحل محلها الهند، المستعمرة السابقة لها".