تطال أزمة الأسعار المواطن البريطاني في مختلف احتياجاته اليومية، وهذه المرة لن تتركه ليهنأ بعيد الفصح القادم، بحيث يُتوقع أن تحرمه من القيام بتقاليده التي اعتادها كالحصول على الأشكال المختلفة من الشوكولاتة والكعك، وذلك في ظل ارتفاع أسعار السكر لمستويات غير مسبوقة منذ سنوات، تزامناً كذلك مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية الأخرى.
ويعد "بيض الشوكولاتة " طقساً تقليدياً يرافق الاحتفالات بعيد الفصح في بريطانيا، والذي يحل الشهر المقبل، إلا أن اتحاد التجزئة البريطاني، كان له تصريحات صادمة، نقلتها صحيفة الغارديان البريطانية، ومما جاء فيها:
- على البريطانيين أن يتوقعوا طعماً لاذعا لـ "بيض الشوكولاتة" إذا كانوا يريدونه متوفراً بأسعار منخفضة.
- ارتفاع تكاليف المواد الخام والطاقة بنسبة 12.4 بالمئة على أساس سنوي في مارس ضرب كل السلع الغذائية التي يحتاجها البريطانيون من المتاجر.
- هذا الارتفاع يشمل جميع أشكال الشوكولاتة، حيث إن تضخم أسعار الغذاء السنوي بلغ 15 بالمئة بشكل عام في مارس.
- قفزت أسعار المواد الغذائية الطازجة أكثر من العام الماضي بزيادة 17 بالمئة من بعد أن كانت 16.4 بالمئة في الشهر السابق.
- أسعار السكر عند أعلى مستوى منذ 2017.
ونقلت الغارديان عن الرئيس التنفيذي للاتحاد، هيلين ديكنسون، قولها إن أسعار السلع المعروضة في المتاجر من المرجح أن تستمر في الارتفاع لبضعة أشهر قبل أن تبلغ ذروتها.
وأضافت أنه مع اقتراب عيد الفصح يُسبب ارتفاع تكلفة السكر إلى جانب تكاليف التصنيع المرتفعة في جعل العملاء يتناولون الشوكولاتات ذات الطعم اللاذع (أي قليلة السكر)، مع ارتفاع أسعار الشوكولاتة والحلويات والمشروبات الغازية في مارس.
ولفتت إلى أنه على سبيل المثال، فإن أسعار السكر ارتفعت بنسبة 6.9 بالمئة في فبراير مقارنة بشهر يناير، مسجلة أعلى مستوى لها منذ ست سنوات.
قلة المواد وارتفاع الأسعار يضرب الأسواق البريطانية
في هذا السياق، يقول عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، إن السوق البريطانية تتأثر بشدة بشح المواد في الأسواق وارتفاع أسعارها، مشيراً إلى أن "خروج بريطانيا من السوق الأوروبية الداخلية كان له دور كبير في ذلك، والشركات البريطانية تشعر بهذا الأمر، والمواطن البريطاني بدأ يشعر بذلك أيضاً؛ لأن الشركات الكبيرة كي تعوض الخسارة تضطر إلى رفع أسعارها".
ويضيف في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه من المعروف أن عيد الفصح مشهور جداً بالشوكولاتة كطقس مهم، ويتم عادة تصنيع بعض الأشكال بالشوكولاتة مثل الأرانب والبيض، وهذا تقليد شهير جداً في البلاد، ويتم شراؤها وتبادلها كهدايا، وكان من المتعارف عليه كذلك أن الشركات تقدم عروضاً لتحقيق مزيد من المبيعات.
ويردف عضو حزب العمال البريطاني: "لكن في ظل الظروف التي تعيشها الشركات الآن، ومع ارتفاع الأسعار بنسب تصل إلى 16 و17 بالمئة، ليس بمقدورهم تقديم العروض التي كانت تقدم لجذب المستهلك كل عام، ولن يكون بمقدورهم أيضاً تقديم الحلوى بنفس الجودة وبنفس الكميات (..) إن ارتفاع أسعار السكر بشكل خاص سيكون له تأثير سلبي كبير على البريطانيين خلال عيد الفصح".
ويرى رجب أن هذا الأمر بالتأكيد "ينغص على البريطانيين احتفالاتهم"؛ لأن هذه الطقوس هي جزء راسخ ضمن تقاليدهم وأمر يعتزون به كل موسم.. الأمر يشبه في هذه الحالة كما لو أنك تقول إن المسلمين سيقضون عيد الأضحى دون تقديم أضاحي وتناول اللحوم.. الأمر نفسه في بريطانيا؛ عيد الفصح والشوكولاتة والأشكال المختلفة التي يتم تصميمها بها وتقديمها كهدايا طقس من الصعب الاستغناء عنه".
ويؤكد في ختام حديثه لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه مع قدوم عيد الفصح سيشعر المواطن البريطاني بهذا الأمر بشدة، إلى جانب معاناته أمام نقص بعض السلع وارتفاع أسعارها مثل الفواكه واللحوم، وبالتالي سيحرم المواطن البريطاني من كثير من هذه الأمور؛ لأن الأسعار في ارتفاع متواصل.
توقعات بمعدلات قياسية لأسعار السكر
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، كانت قد أشارت في وقت سابق هذا الشهر، إلى أن أسعار السكر آخذة في الارتفاع عالمياً؛ بسبب المخاوف بشأن انخفاض الصادرات من الهند وسط طلب عالمي قوي عليها.
هذا الأمر سبب رئيسي في ارتفاع أسعار السكر في بريطانيا، وفق الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية بلندن الدكتور طارق الرفاعي، والذي يقول في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الارتفاع الحاد في أسعار السكر بدأ منذ العام 2016، وتفاقم مع أزمة جائحة كورونا، وصولاً إلى معدلات التضخم التي وصل إليها العالم في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا.
ويضيف: السكر بشكل خاص ترتفع أسعاره نتيجة الضغط عليه، وسط توقعات بأن يكون إنتاج الهند والبرازيل أقل خلال من العام الماضي خلال الفترة المقبلة، وهما المنتجين الرئيسيين لقصب السكر، وكذلك إنتاج سكر البنغر في أوروبا سيكون أقل مما كان عليه العام الماضي.
ويؤكد الرفاعي أنه حسب حجم الخفض في إنتاج السكر المتوقع وإذا استمر فربما نرى رقماً قياسياً مرتفعاً في أسعار السكر.
أزمة عالمية ليست مقتصرة على بريطانيا
وقبيل أسابيع كان الحديث كذلك في بريطانيا عن ارتفاع كبير في أسعار الطماطم، للدرجة التي دفعت بعض المحال إلى التأكيد بأن البريطانيين عليهم الاستعداد لتناول البيتزا بدون الطماطم، وهو أمر يشبه كثيراً التوقعات الآن بتناول شوكولاتة قليلة السكر.
وسط ذلك، واصل بنك إنجلترا رفع معدلات سعر الفائدة متجاهلاً الاضطرابات التي تضرب القطاع المصرفي العالمي؛ أملاً في كبح جماح التضخم.
- قال مكتب الإحصاءات الوطنية إن مؤشر أسعار المستهلكين على أساس سنوي قد ارتفع إلى 10.4 بالمئة في فبراير 2023 ، ارتفاعًا من 10.1 بالمئة في يناير الماضي.
- رفع بنك انجلترا الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى 4.25 بالمئة، قبل أسبوع.
- بعد هذه الزيادة الجديدة في الفائدة (إلى 4.25 بالمئة)، وهي الأدنى منذ يونيو الماضي، وصلت أسعار الفائدة في بريطانيا لأعلى مستوياتها منذ عام 2008.
من جهته، يرى مدير مؤسسة جونسس للأبحاث في لندن، الدكتور عمار وقاف، أن "الأمر بشكل عام عبارة عن أزمة أسعار عالمية"، موضحاً، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن هذا الارتفاع يعود إلى شح المواد وارتفاع تكلفة خطوط الإمداد بشكل عام بسبب أزمة الطاقة.
ويضيف: هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على دولة مستوردة للمواد الغذائية بشكل كبير مثل بريطانيا، فلا توجد زراعات كبيرة هنا وأغلب المواد مستوردة سواء من أوروبا أو شمال أفريقيا أو أميركا اللاتينية، ومع ارتفاع أسعار الطاقة ارتفعت أسعار المواد التي تأتي إلى بريطانيا.
ويتابع وقاف: "لكن توجد ميزة في بريطانيا وهي تنافسية تجار البقالة إن صح التعبير، ذلك أن هناك مرونة كبيرة وتنافساً بين شركات كبيرة، ومن الشائع جداً أن ترى على أرفف بعضها سلعاً ذات أسعار مخفضة في إطار التنافس، وهذا يمكن أن يخفف قليلاً من وطأة ارتفاع الأسعار على المواطنين".
ويؤكد مدير مؤسسة جونسس أنه "من الواضح كذلك أن الخضروات والسلع الغذائية بشكل عام ارتفعت أسعارها بنسبة من 10 إلى 15 بالمئة بعد بداية الحرب الأوكرانية".
مخاوف متواصلة في بريطانيا من ارتفاع معدلات الفقر
ووسط أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التاريخية، تزداد المخاوف في بريطانيا بصفة عامة من ارتفاع معدلات الفقر. وبحسب مؤسسة (Resolution Foundation)، فإن:
- أعداد الفقراء في بريطانيا مرشحة للزيادة بمقدار 3 ملايين شخص ليصل العدد إلى 14 مليونأً بين عامي 2023 و2024.
- ارتفعت مستويات الطلب على بنوك الطعام بنسبة 50 بالمئة بعد لجوء نحو 320 ألف شخص إليها لأول مرة، بينما ارتفعت فواتير الطاقة ثلاثة أضعاف.
- يواجه نصف البالغين في بريطانيا صعوبة في سداد فواتير الطاقة والدفعات الشهرية الأخرى بما في ذلك الإيجارات وأقساط قروض العقارات، طبقاً لمكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون بريطانيا "الدولة الوحيدة" بمجموعة السبع التي تشهد ركوداً في 2023، مقدّراً ذلك الركود بنسبة 0.6 بالمئة، اعتماداً على ارتفاع أسعار الفائدة والضريبة على الدخل.