أثارت أزمة البنوك التي ضربت الأسواق في وقت سابق من هذا الشهر، ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى اللحظة، تحذيرات واسعة في كلٍ من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بشأن "أزمة ائتمانية واسعة" جديدة، وفي ضوء الاضطرابات التي تشهدها الأسواق حول العالم تبعاً للتطورات الأخيرة.
خلقت أزمة انهيار سيلكون فالي وسيغنتشر بالولايات المتحدة الأميركية، وكذلك أزمة كريدي سويس في سويسرا، حالة من عدم اليقين في الأسواق، وأعادت للواجهة شبح الأزمة المالية العالمية الكبرى في العام 2008، وجميعها عوامل ترفع معها السلطات المالية والنقدية حالياً حالة التأهب القصوى والإعداد لإجراءات جديدة تُحصن القطاعات المصرفية ضمن سلسلة من الإجراءات الاستباقية لمعالجة الأزمات.
وفي الأثناء دق عدد من صانعي السياسات المالية خلال الأسابيع القليلة الماضية، ناقوس الخطر، بشأن أزمة ائتمانية أكبر تلوح في الأفق في أوروبا وأميركا، على النحو التالي:
- رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في منيابوليس، نيل كاشكاري، قال إن "الشيء غير الواضح بالنسبة لنا هو إلى أي مدى ستؤدي هذه الضغوط المصرفية إلى أزمة ائتمانية واسعة النطاق".
- هذه الأزمة الائتمانية -وفق كاشكاري- ستؤدي بعد ذلك إلى إبطاء النشاط الاقتصادي "وهذا شيء نراقبه عن كثب"، طبقاً لما نقلته عنه يوم الأحد شبكة (سي.بي.إس).
- نائب رئيسة البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غويندوس، ذكر أن الاضطرابات الأخيرة بالقطاع المصرفي تؤدي إلى الاستمرار في تشديد معايير الائتمان في منطقة اليورو "وربما سيؤثر ذلك على الاقتصاد من حيث انخفاض معدلات النمو والتضخم".
وأمام تلك المعطيات، كيف تبدو احتماليات حدوث "أزمة ائتمانية أوسع" حول العالم؟ وما مدى ارتباط سيناريوهات الحرب في أوكرانيا الدائرة منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام الماضي وحتى الآن، بتلك الأزمة وعوامل تداعياتها؟ وما مدى نجاعة السياسات المالية والنقدية المتبعة في التصدي للأزمة مبكراً؟
والأهم من ذلك بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط، هو ما مدى تأثر تلك الدول بهذه الأزمة في ضوء الأوضاع الراهنة؟ وكيف يُمكن النجاة من جملة الاضطرابات الاقتصادية التي يشهدها العالم؟
حالة من عدم اليقين
في تقدير الخبير الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، فإن "ما مر به العالم في الفترة الماضية يصنع حالة من عدم اليقين، لا سيما بعد أزمة انهيار بنك سيلكون فالي الأميركي وبنك كريدي سويس السويسري، ورغم أنهما بنكان مختلفان في السياسة والطريقة والأهداف والعملاء، لكنهما يتفقان في شيء واحد هو أنهما فقدا ثقة العملاء".
ويتحدث العساف، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن المخاطر التي تلف مصير القطاع المصرفي خصوصاً والاقتصاد العالمي بشكل عام:
- ما حدث في البنكين يعتبر شرخاً خطيراً خصوصاً أن العالم لا يزال قريباً من ذكرى الأزمة المالية العالمية 2008 التي لا زالت في الأذهان.
- حالة الرعب التي ضربت ضفتي الأطلسي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، أثرت بشكل كبير في النظام الاقتصادي وأحدثت خللاً في سوق الأسهم العالمية.
- كل ذلك أدى لوجود حالة "عدم يقين" وضبابية بالنسبة للمستقبل الاقتصادي.
- أدى ذلك أيضاً إلى الخوف من إقراض الشركات والأفراد، وبما جعل تكلفة التأمين على مخاطر عدم القدرة على السداد مرتفعة جدا، ما يرفع بدوره تكلفة الإقراض.
- يؤدي ذلك إلى سياسات إقراض أكثر تشدداً، وهذا بالتبعية سيضر الشركات التي تسعى للتوسع أو القيام بأعمال جديدة أو التوجه نحو التصدير.
- كما سيلحق ضرراً كبيراً جداً بالاقتصاد العالمي؛ خصوصاً في ضوء ارتفاع معدلات الفائدة (..) علاوة على التشديد الكمي الحاصل الآن.
دول الشرق الأوسط.. تأثيرات متباينة
يتطرق العساف بالحديث عن منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثرها بأية أزمة مصرفية عالمية، موضحاً في معرض تصريحاته لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "حجم التأثيرات تختلف من دولة لأخرى (..) ثمة دول تعاني أساساً من مشاكل مالية وانخفاض قيمة العملة وتراجع احتياطي العملة الأجنبية ومعدلات تضخم مرتفعة جداً مع ارتفاع تكلفة الإقراض.. إلخ".
ويتابع: "بالنسبة لدول الخليج لا تزال الحالة إيجابية، باستثناء تأثر البنك الأهلي السعودي بشكل محدود (...)"، مشيراً إلى أن مدى تأثر اقتصادات دول المنطقة يعتمد على عوامل مختلفة؛ أهمها: الوفورات المالية وقوة النظام المصرفي وحجم الاحتياطي.
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قد ذكر في وقت سابق أن انهيار بنك وادي السيليكون وفي ظل اضطراب النظام المصرفي الذي أحدثه ذلك الانهيار "من المرجح أن يؤدي إلى شروط ائتمانية أكثر صرامة للأسر والشركات، وهو ما سيؤثر بدوره على الاقتصاد".
مشاكل ائتمانية
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "لا نستطيع القول بأن الاقتصاد العالمي ككل يواجه أزمة ائتمانية.. هناك مشاكل ائتمانية حقيقية في دول عدة فقط، والأمر يرتبط بشكل وثيق بالديون السيادية والديون لدى بعض البنوك والشركات، وبسبب رفع معدلات الفائدة على هذا النحو السريع".
ويتابع: "هذا الضغوطات أمر طبيعي على أساس أن الفائدة ارتفعت بشكل كبير وفي وقت قصير، وبالتالي تسبب ذلك في تأثيرات سلبية واسعة"، موضحاً أن "التوقعات تشير إلى حد كبير بأن هذه هي نهاية سلسلة رفع الفائدة، والتي ستبدأ في النزول حول العالم بحلول العام 2024 بعد أن تبلغ ذروتها، والتضخم بطبيعة الحال سيبدأ في النزول للعودة للمستويات الطبيعية".
ويُبرز الخبير الاقتصادي في السياق نفسه عدداً من الإجراءات التي يُمكن معها التسريع بمواجهة استباقية لأزمة قادمة تعيد شبح الأزمة المالية العالمية في 2008 من جديد، وأهم تلك الإجراءات العاجلة:
▪ تخفيف وتيرة رفع الفائدة (الرفع بمعدلات أقل).
▪ إنهاء الحرب في أوكرانيا.
▪ عودة اعتماد أوروبا على واردات الطاقة من روسيا للحد من معدلات التضخم بالقارة العجوز.
▪ عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل كامل في الصين.
▪ عودة سلاسل الإمداد لطبيعتها، وبما يؤثر في مستويات التضخم.
كما يتحدث عن دول منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثرها، بالإشارة إلى حجم التباينات بين تلك الدول، ما بين دول نفطية وغير نفطية، وكذلك ما بين دول تعاني أزمات اقتصادية داخلية صعبة وأخرى لا تواجه تلك الأزمات، علاوة على دول مرتبطة بالاقتصاد العالمي بشكل كبير وأخرى ارتباطها أقل.