تشهد الاستثمارات العالمية في صناعة الغاز الطبيعي المسال طفرة واسعة، في ضوء تبعات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ومع اتجاه أوروبا إلى فطام نفسها عن الغاز الروسي.
تقرير سابق لـ "ريستاد إنرجي" ذكر عدداً من البيانات المرتبطة بحاضر ومستقبل صناعة الغاز المسال حول العالم في ظل تلك التحولات التي تشهدها خارطة الطاقة العالمية، من بين أبرز تلك البيانات:
- 27 مليار دولار (في كل من عامي 2021 و2022) حجم الاستثمارات السنوية بالغاز الطبيعي المسال
- 32 مليار دولار حجم الاستثمارات المتوقع في 2023، و42 مليار دولار في 2024
وأورد تقرير نشرته وكالة "رويترز" قبيل أيام، مجموعة من البيانات أيضاً حول مشاريع الغاز المسال الجديدة في ضوء التغيرات التي تعرفها خارطة أسواق الغاز منذ الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022، ومما جاء في التقرير:
- محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة المقترحة والمعتمدة ستعمل على زيادة المعروض من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 67 بالمئة إلى 636 مليون طن سنوياً بحلول العام 2030 مقارنة بمستويات العام 2021، مما قد يؤدي إلى تشبع سوق الغاز.
- في قطر، سيضيف مشروع توسعة ضخم للغاز الطبيعي المسال 49 مليون طن سنوياً بحلول العام 2027.
- المشاريع الأميركية يمكن أن تضيف سعة 125 مليون طن سنوياً (16.4 مليار قدم مكعب يومياً) بحلول أواخر العام 2027، وفقًا للبيانات التي جمعتها شركة BTU Analytics.
فإلى أي مدى يمكن أن تؤثر تلك المشاريع الجديدة على أسعار الغاز؟ وما هي أبرز الفرص والتحديات التي تواجهها في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بحجم الطلب، وفي ضوء الاهتمام بمشاريع الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة؟
خفض أسعار الغاز العالمية
خبير الطاقة الفرنسي، تييري بروس، يقول في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن موجة المصانع والمشاريع الجديدة المرتبطة بتصدير الغاز الطبيعي المسال "ستؤدي بلا شك إلى خفض أسعار الغاز العالمية"، لكنه لا يعتقد بأن ذلك يمكن أن يحدث بشكل مباشر هذا العام، إذ ربما يكون الأثر الأكثر وضوحاً بحلول العام 2026 عندما يبدأ الإنتاج الجديد من تلك أغلب المشاريع مجتمعة.
وبينما ينطلق بروس في تقديراته من فرضية زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال في السنوات المقبلة، يوضح تقرير "رويترز" المشار إليه أن "أسعار الغاز الطبيعي المسال من المرجح أن تظل قوية حتى العام 2027، ولكن بعد ذلك قد تنخفض لأن توقعات الطلب غير واضحة".
ويرى الخبير الفرنسي المتخصص في شؤون الطاقة، أن مشاريع الغاز المسال في عددٍ من الدول من شأنها المساهمة في إحداث تغيرات ملموسة بخارطة أسواق الغاز العالمية، مشدداً على أن "من لديه القدرة على إحداث المزيد من النمو في صناعة الغاز المسال يمكنه تحسين مركزه على خارطة أسواق الغاز العالمية".
وفيما يتصل بالمنافسة مع مشروعات الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة، ومع الاتجاه نحو إحياء الطاقة النووية بشكل أوسع، وبما قد يعرض بعض المشاريع الخاصة بالغاز المسال إلى ضرر بالغ، يقلل بروس من تلك المخاوف، بالنظر إلى تزايد الطلب على الطاقة في السنوات المقبلة.
وتشهد مشاريع الطاقة المتجددة ارتفاعاً واسعاً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تعكسه أحدث البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة للعام 2022، والتي تشير إلى أن 83 بالمئة من إجمالي سعة الكهرباء المضافة في 2022 من مصادر الطاقة المتجددة.
كما ارتفعت سعة توليد الكهرباء المتجددة عالمياً بنسبة 9.6 بالمئة لتصل إلى 3.372 تيراواط. فيما سيطرت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على قدرة الكهرباء المتجددة المضافة عالمياً (بنسبة 90 بالمئة تقريباً من إجمالي السعة الجديدة العام الماضي).
وفي الوقت نفسه ، تنتعش الطاقة النووية، فتهدف اليابان على سبيل المثال أيضاً إلى زيادة حصة الطاقة النووية من احتياجاتها من الكهرباء إلى 20 بالمئة على الأقل بحلول 2030 مقارنة بمعدلات أقل من 7 بالمئة العام الماضي. فيما تقترح فرنسا بناء ستة مفاعلات نووية بحلول عام 2035، وغيرها من الشواهد.
فرضية تزايد الطلب على الغاز
من جانبه، يشير المحلل الاستراتيجي، بيتر هوسي، رئيس شركة GeoStrategic Analysis في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن مشروعات الغاز المسال المتزايدة تساعد بدورها على "اعتدال الأسعار"، مشيراً إلى أنه من المتوقع "تزايد الطلب على الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم".
لكنه يلفت في سياق متصل إلى عقبات تواجه بعض تلك المشاريع، فعلى سبيل المثال تضغط دول الاتحاد الأوروبي على الدول الأفريقية لعدم بناء منشآت الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، والدفع باتجاه تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا؛ لتعويض النقص في الغاز الذي كان يأتي من روسيا سابقاً.
ويوضح أن "نصف الأفارقة لا يتمتعون بإمكانية الحصول على الكهرباء بشكل منتظم، ويواجهون فقر الطاقة.. هذا ليس شيئاً يجب على العالم الصناعي الحفاظ عليه".
مضاعفة استثمارات الغاز المسال
وإلى ذلك، يلفت الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب والولايات المتحدة الأميركية دفعت إلى سعي الدول (وبخاصة دول القارة العجوز) إلى مضاعفة الاستثمارات المرتبطة بالغاز المسال، في ضوء تفاقم أزمة الطاقة العالمية، ومع التقديرات التي تشير إلى ارتفاع استهلاك الغاز عالمياً بنسبة 12.5 بالمئة بحلول 2030 بدعم من زيادة الطلب من آسيا والمحيط الهادئ.
ويشير الديب في السياق نفسه إلى حجم الارتفاع المتوقع في استثمارات البنية التحتية الجديدة للغاز الطبيعي المسال بحوالي 60 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2035، موضحاً أن كلاً من الولايات المتحدة وقطر تتصدران قائمة المشروعات الجديدة.
أما بالنسبة لأوروبا، فيلفت إلى أن هناك 24 مشروعاً للغاز المسال تم الإعلان عنهم من قبل دول الاتحاد الأوروبي منذ فبراير 2022 (بعد بدء الحرب في أوكرانيا) كما أعلنت بريطانيا عن مشروع آخر، وذلك في إطار سعي الدول الأوروبية من أجل زيادة سعة المحطات، وبتكلفة إجمالية للمشاريع الأوروبية مجتمعة تصل إلى حوالي 6.4 مليار دولار، وفق البيانات الصادرة عن غلوبال إنرجي مونيتور.