استحوذ بنك "يو بي إس" في صفقة تاريخية قيمتها ثلاثة مليارات فرنك سويسري (3.25 مليار دولار)، على منافسه "كريدي سويس"؛ لإنهاء أزمة الأخير، وحماية النظام المالي من موجات مد مماثلة تهدد النظام المصرفي العالمي.
جاءت الصفقة وأزمة "كريدي سويس" في وقت أيضاً يُواجه فيه القطاع المصرفي بالولايات المتحدة الأميركية جملة من الاضطرابات، بعد انهيار سيلكون فالي وسيغنتشر، وهو الأمر الذي عزز مخاوف واسعة بالأسواق مقرونة بحالة من عدم اليقين، خشية امتداد تأثير "قطع الدومينو" على بنوك أخرى حول العالم.
تُعيد تلك الأجواء إلى الواجهة المخاوف المرتبطة بالأزمة المالية العالمية في العام 2008، وسط تساؤلات حول مدى تأثير "أزمة البنوك العالمية" الراهنة على منطقة الشرق الأوسط؟
مع انهيار "سيلكون فالي" سارعت بنوك مركزية في المنطقة للتقليل من مدى تأثر البنوك الوطنية جراء هذا الانهيار، وذلك لاحتواء الأسواق المتخوفة من امتداد الأزمة والانعكاسات النفسية لها.
أما بالنسبة لأزمة مجموعة "كريدي سويس" بعد ذلك فإن وجود مستثمرين خليجيين (من السعودية وقطر بالأساس) قد عزز المخاوف بشأن التبعات المرتقبة، في وقت يُقلل فيه محللون من حجم تأثير الأزمة، وانحصارها بشكل كبير في التأثيرات النفسية الناجمة عن مخاوف المستثمرين، فضلاً عن التأثيرات على سوق الأسهم.
أبرز المتضررين نسبياً من أزمة كريدي سويس
يقول المحلل الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أزمة البنوك العالمية ممثلة في انهيار سيلكون فالي بأميركا وأزمة كريدي سويس، بالتأكيد سوف تؤثر على المنطقة بشكل أو بآخر، وسواء كان هنالك مساهمين من عدمه، وذلك بالإشارة إلى ما وصفه بـ "الارتدادات النفسية" الناجمة عن تلك الأزمة التي طالت عدداً من البنوك.
ويشير إلى أنه بالنسبة لحالة بنك سيلكون فالي الأميركي (المصنف في المرتبة الـ 16 ضمن أكبر البنوك في الولايات المتحدة ويمتلك أصولاً بنحو 200 مليار دولار)، فلا يوجد أي تداخل بينه وبين البنوك في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن "التأثير سيكون نفسياً ومحدوداً".
ويضيف: أما بالنسبة لبنك كريدي سويس فثمة متأثرين بشكل مباشر في منطقة الشرق الأوسط، يتقدمهم البنك الأهلي السعودي الذي يمتلك 9.9 بالمئة من أسهم البنك المذكور ويعد أكبر المساهمين (بعد زيادة رأس المال التي قام بها كريدي سويس قبل بضعة أشهر)، وبالتالي يتأثر بشكل ما وإن كان محدوداً (بالإشارة إلى الخسائر الدفترية غير المحققة مع تراجع سعر السهم)، لا سيما بعد صفقة استحواذ "يو بي إس" على "كريدي سويس".
وفيما تمتلك مجموعة العليان نسبة 3.2 بالمئة من البنك، يشير العساف كذلك إلى مساهمة جهاز قطر للاستثمار بنسبة 6.8 بالمئة، وهو بذلك يعد ثاني أكبر مساهم في البنك السويسري بعد البنك الأهلي السعودي.
ويتابع المحلل الاقتصادي السعودي: "الشيء المُطمئن في هذا المشهد أن استثمارات البنك السعودي (الذي يمتلك أصولاً تزيد على 945 مليار ريال، ويتمتع البنك برأس مال قوي وسيولة جيدة أعلى من المتطلبات النظامية) في نظيره السويسري تمثل نسبة أقل من نصف بالمئة من إجمالي أصول البنك الأهلي، و1.7 بالمئة من محفظة البنك الاستثمارية.. وبالتالي فإن التأثير سيكون محدوداً وليس بالحجم الكبير على البنك أو الاقتصاد الوطني، لا سيما أن الدولة لديها فوائض قوية كما أنها تقف إلى جانب البنوك، وبما يساعد على خفض تأثر البنوك الوطنية والمنطقة".
تأثير العامل النفسي واتجاهات المستثمرين
ويختتم العساف حديثه بقوله: "ستكون هناك ارتدادات نفسية بشكل أكيد كما رأينا في أسواق الأسهم وما حدث من حالة عدم يقين.. لكن الحديث عن مشاكل حقيقية مؤكدة أمر مستبعد، إلا جراء الارتدادات النفسية وتصرفات المستثمرين".
- استثمر "الأهلي السعودي" في نوفمبر الماضي 5.5 مليار ريال، أي ما يعادل 9.88 بالمئة، في كريدي سويس، كجزء من مشاركته في عملية زيادة رأس المال.
- وفقاً للقوائم المالية للعام 2022 والتوقعات المالية لسنة 2023 المعلنة مسبقاً، فإن الاستثمار في مجموعة كريدي سويس أقل من 0.5 بالمئة من إجمالي أصول البنك الأهلي السعودي، و1.7% من محفظة البنك الاستثمارية كما في ديسمبر 2022 (بحسب بيان للبنك)
- فيما يتعلق بكفاية رأس المال، فإن التأثير على نسبة كفاية رأس المال للبنك الأهلي السعودي من تراجع القيمة السوقية نحو 15 نقطة أساس كما في ديسمبر 2022.
- وبشأن آخر التطورات المعلنة، يتوقع أن يكون التأثير المحتمل على هذه النسبة نحو 35 نقطة أساس، بحسب البنك الذي أشار إلى أنه لا يوجد أي تأثير على أرباحه.
- أي تغيير في القيمة العادلة للاستثمار في مجموعة كريدي سويس "لن يؤثر على توقعات وخطط البنك المالية لسنة 2023".
مخاوف مستحقة من "تأثير الدومينو"
من جانبه، يشير الكاتب والمحلل الاقتصادي محمد الرمضان، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن المخاوف التي تشهدها الأسواق حالياً تحت وطأة الأزمات التي تُواجهها بنوك عالمية، إنما هي "مخاوف مستحقة" أي لها ما يُبررها، وقد تقود إلى التأثير على أسعار الأسهم فقط، كما تخلق فرصة من ناحية أخرى لمستثمرين آخرين (تبعاً لمبدأ البعض بشأن الشراء عند الأزمة؛ للاستفادة من أسعار الأسهم المتراجعة).
ويتابع: "ما يُبرر تلك المخاوف أن هناك بنوكاً كبيرة تُفلس -على غرار سيلكون فالي بالولايات المتحدة الأميركية- والبعض يتخوف من إمكانية أن تكون الأزمة مجرد بداية لموجة من الإفلاسات والأزمات (طبقاً لتأثير الدومينو في الأزمات الاقتصادية) على الرغم من أنه لا يوجد ثمة دليل على تلك المخاوف".
ويعتقد بأن الآثار السلبية سوف تنعكس مباشرة على أسعار الأسهم في الأسواق، وعندما تصدر نتائج أعمال المؤسسات فإنها ستعكس عدم التأثر ومن ثم تنتهي تلك المخاوف.
- صفقة استحواذ "يو بي إس" على "كريدي سويس" جاءت بسعر أقل من نصف قيمة الأخير البالغة 7.4 مليار فرنك عند إغلاق تداولات الجمعة.
- بموجب شروط الصفقة سيحصل مساهمو كريدي سويس على سهم واحد من "يو بي إس" مقابل كل 22.48 سهم من أسهم كريدي سويس.
- الصفقة تضمنت تقديم "البنك الوطني السويسري" 100 مليار فرنك سيولة مساعدة لـ "يو بي إس" علاوة على ضمان حكومي بقيمة 9 مليارات فرنك للخسائر المحتملة من الأصول
- طبقاً للهيئة التنظيمية السويسرية فإن نحو 16 مليار فرنك من سندات كريدي سويس، ستصبح عديمة القيمة، وذلك من أجل ضمان تحمل مستثمرو القطاع الخاص التكاليف.
وكان "كريدي سويس" قد تعرض خلال السنوات الأخيرة لسلسلة من الإشكاليات وتغييرات القيادة والقضايا القانونية. وكان العملاء قد سحبوا أكثر من 100 مليار دولار من الأصول في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي مع تصاعد المخاوف بشأن صحة البنك المالية، واستمرت التدفقات الخارجة حتى بعد أن قام البنك بدفع المساهمين لزيادة رأس المال بمقدار 4 مليارات فرنك.