أثار مشروع قانون رفع الحد الأدنى لسن التقاعد في فرنسا من 62 إلى 64 عاماً، الكثير من الأسئلة حول تأثير رفع سن التقاعد على اقتصادات الدول، وما يشكله ذلك من تحد كبير للحكومات وللمؤسسات التأمينية وللأفراد على حد سواء.
ويتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن رفع سن التقاعد يمكن أن يؤدي إلى تخفيض التكاليف في النظام التأميني الاجتماعي وتقليل العجز في الميزانية، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يمكن أن يعطي المؤسسات والحكومات مرونة أكبر في الإدارة المالية، إلا أنه يمكن أيضاً أن يؤثر على الموظفين المتقاعدين والشباب الذين يسعون لدخول سوق العمل، بحسب خبراء اقتصاد وموارد بشرية أشاروا إلى أن الأمر في النهاية يتعلق بإيجاد التوازن المناسب بين احتياجات الاقتصاد واحتياجات الأفراد.
ويختلف سن الإحالة إلى التقاعد بين دولة وأخرى، إذ يتراوح حالياً بين 55 و70 عاماً، حيث يتجه الكثير من الدول نحو إعادة تقييم السن الأنسب للتقاعد، خصوصاً مع ارتفاع "متوسط العمر الصحي" أي عدد السنوات التي يعيش فيها الأفراد بصحة جيدة.
ويشرح الخبير الاقتصادي حسين القمزي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه لا يوجد نظرية عامة وثابتة لتأثير رفع سن التقاعد على اقتصادات الدول، لأن الأمر يعتمد على الدولة وعلى التركيبة الديمغرافية للأعمار داخلها، فعلى سبيل المثال، فإن الدولة التي تتميز بقلة المواليد وتكون فيها فئة الأعمال لكبار السن ممتدة فهذه الدول تقوم بتمديد سن التقاعد، وبهذه الطريقة توفر الدولة مصاريف نظام الضمان الاجتماعي وفي الوقت ذاته تعزز الإنتاجية باستمرار هؤلاء الأشخاص لسنة أو سنتين أو أكثر في العمل.
ويتابع القمزي: "أما إذا كان الوضع معاكساً، أي الدولة لديها مواليد أكثر من فئة الشباب فإن تأجيل سن التقاعد يؤثر على توفر فرص العمل ويزيد البطالة، وبالتالي فإنه من الأفضل أن تقوم هذه الدول بسن نظام تقاعدي مبكر بحيث يتيح المجال للشباب للدخول في سوق العمل بسرعة".
ويشير الخبير الاقتصادي القمزي إلى وجود أسباب أخرى لتمديد سن التقاعد تتعلق بإعطاء فرصة لنقل الخبرة من الجيل الأقدم إلى الجيل الجديد، كما تفعل اليابان مؤسساتها بحيث يحال المتقاعدون إلى جهة معينة وينحصر عملهم في تأهيل وتدريب الشبان الذين سيخلفونهم في الوظيفة وغالباً لا تتجاوز هذه المدة السنتين.
من جهته، أشار خبير الموارد البشرية المستشار عبد الرحمن عريف، إلى ارتباط موضوع سن التقاعد بالتمويل وعجز الموازنة بقوله "من أبسط مبادئ ومفاهيم إدارة الموارد البشرية أن تحافظ على مصالح العاملين، كون المورد البشري هو المورد الوحيد الذي لا ينضب، إلا أن البعض يعتبرونهم الحلقة الأضعف في معادلات أنظمة العمل والذين لا يجدون وسيلة لاسترداد حقوقهم سوى الاحتجاج، بينما يمكن لوزارات الموارد البشرية إيجاد حلول أخرى للتمويل بدلا من إجبار العاملين على العمل لفترات زمنية دون مقابل".
ويضيف المستشار عريف: "على الرغم من أن العديد من الموظفين يتمنون أن تجدد عقودهم بعد سن التقاعد، إلا أنهم ليسوا مستعدين للعمل دون مقابل، فقد سمعنا منذ أيام أن مجلس الشيوخ الفرنسي قد أقر رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، ورغم أن مواد هذا التعديل لا تزال قيد المناقشة إلا أن الفرنسيين ما كانوا ليحتجوا ويتظاهروا لو لم يلحقهم الضرر جراء هذا التعديل، إذ ينص المشروع على رفع سن التقاعد تدريجياً بمعدل 3 أشهر سنوياً، وهنا سيتفاوت الضرر من موظف لآخر وفق ما تبقى له من سنوات للوصول لا سن التقاعد السابق (62 سنة) ، إلا أنه في نهاية الأمر سيضطر الموظف للعمل ما يقارب سنتين كاملتين دون أجر قبل أن يتقاضى راتبه كاملا دون أي خصم".
ويرى عريف أن هذا التعديل يمكن أن يمرر دون احتجاجات في حال أضافت الحكومة بعض المزايا لمن بلغوا سن التقاعد السابق، كأن يقدموا مكافآت استثنائية ( OVER BASE ) كزيادة نسبة معينة على الراتب التقاعدي، ورغم أنها لن تدخل كنسبة في الراتب التقاعدي ولكنها ستشكل دخلاً إضافياً للموظفين شريطة أن تكون هذه المزايا مغرية أو حتى مجزية ويمكن أن تتوقف هذا المزايا بعد انقضاء الفترة التدريجية التي أقرتها الحكومة الفرنسية وتنتهي المدة التي تسبب ضرراً لمن اقترب من سن التقاعد السابق، وبالتالي تكون حققت التوازن بين احتياجات الاقتصاد واحتياجات الأفراد".
الخبير الاقتصادي وضاح الطه لا يعتبر سن التقاعد عند 64 عاماً غريباً أو استثنائياً، بل هو الطبيعي، بل أنه هذا المستوى من عمر التقاعد موجود لدى الكثير من دول العالم، حتى أن أدبيات القوى البشرية وإدارة الموارد البشرية تؤكد ذلك.
ويشير الطه إلى أن "رفع سن التقاعد يقلص تأثير التقاعد المبكر (إن صح التعبير) على موازنة الدولة، وبالنسبة للشباب فهذا يعني تقليل فرص التوظيف ولهذا نرى الشباب في فرنسا يعترضون على مشروع قانون رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وأيضاً لا ننسى أن هناك حساسية لدى المواطن الفرنسي من ارتفاع مستوى الأسعار بشكل عام بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطافة وبالتالي يكون حساساً من أي تغييرات تلجأ إليها الحكومة لتعديل موازنتها العامة".