تبعث أزمة انهيار بنك "سيلكون فالي" بالولايات المتحدة الأميركية بعددٍ من الدروس المستفادة بالنسبة للقطاع المصرفي في الصين بشكل خاص، ولاسيما فيما يتعلق بصغار ومتوسطي المقرضين، وآليات استقرار النظام المالي في بكين.
وفي وقت تشير تقارير صينية إلى عدم تأثر النظام المالي في البلاد بانهيار "سيلكون فالي"، وأنه من غير المرجح أن تشهد مصارف صينية مصيراً مماثلاً لـ SVB، إلا أن الأزمة الراهنة التي أثارت حالة من الذعر بالنسبة للمودعين والمستثمرين والشركات الناشئة داخل وخارج الولايات المتحدة، من شأنها تقديم مجموعة من الدروس للصناعة المصرفية في الصين.
واعتبرت تقارير صحافية صينية أن الدروس المستفادة من الأزمة الحالية ترتبط بتداعياتها على تنمية صغار ومتوسطي المقرضين واستقرار النظام المالي.
وحددت صحيفة سيكيوريتيز تايمز الرسمية، في تقرير لها أخيراً عدداً من تلك الدروس؛ أهمها:
- النظام المالي في الصين بحاجة إلى التعلم بجدية من درس انهيار سيلكون فالي
- ثمة ضرورة لإعطاء الأولوية بشكل مستمر لمنع المخاطر والسيطرة عليها.
وبحسب تقرير صادر عن مجموعة جي إف سيكيوريتيز، فإن البنوك الصينية الصغيرة، التي يُنظر إليها باعتبارها أكثر عرضة لمخاطر أسعار الفائدة، من المرجح أنها قد تعاني من تقلص هوامش الفائدة وخسائر الاستثمار خلال دورة رفع أسعار الفائدة.
لكن صحيفة "سيكيوريتيز تايمز" الرسمية، أشارت إلى أن الحكومة الصينية عملت على "إغلاق الثغرات التنظيمية".
وأعلنت بكين عن إنشاء هيئة تنظيمية مالية جديدة لتعزيز الرقابة على الصناعة المصرفية.
وذكر التقرير أن مجموعة من الإصلاحات التنظيمية السابقة في الصين خلال السنوات الماضية دفعت إلى حماية وتطهير تلك الصناعة من خلال كبح جماح نظام الظل المصرفي وخفض المخاطر المالية. بينما على الجانب الآخر تعكس أزمة سيلكون فالي الأخيرة بالولايات المتحدة إجراءات مخففة لمثل هذه المصارف.
يقول أستاذ الاقتصاد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، الدكتور ياسر جاد الله، إنّ بنك سيلكون فالي له عدد من الفروع، من ضمنها فرعه بالصين، وبطبيعة الحال تتأثر تلك المصارف في ضوء المخاوف المرتبطة بانهياره في الولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن تأثر الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا المتعاملة معه.
لكنه يضيف في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": النظام المصرفي الصيني لديه ميزة التنويع في المحافظ الاستثمارية الخاصة بالبنوك، وبما يسهم في تقليل المخاطر، فضلا عن استراتيجيات ونظام إدارة المخاطر المعروف حول العالم.
وتبعاً لذلك، لا يعتقد جاد الله بأن انهيار سيلكون فالي سيؤثر على الاقتصاد الصيني والنظام المصرفي في ظل إدارات التحوط وإدارة المخاطر المعمول بها، فضلا عن ضمان الحكومة أموال المودعين، مشددا على أن الأزمة الحالية تدفع إلى تعزيز تنوع المحافظ في إدارة ودائع المودعين والمستثمرين.
ويتحدث أستاذ الاقتصاد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، في السياق نفسه، عن جانب آخر، يمكن للاقتصاد الصيني عموما الاستفادة منه بعد أزمة انهيار سيلكون فالي بالولايات المتحدة، وهو مرتبط باتجاه الفيدرالي الأميركي لتخفيض وتيرة رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، ولاسيما أن رفع الفائدة كانت له آثار سلبية على تلك المصارف، وبما كان يؤثر على اقتصادات دول العالم ومعدلات التضخم المستورد، ومن بينها الصين.
وبالتالي، وفق جاد الله، فإن خفض وتيرة رفع الفائدة سواء بالتثبيت أو برفعها بوتيرة أقل يمكن أن تكون له انعكاسات إيجابية على اقتصادات الدول، بما في ذلك الصين، علاوة على أن تلك الأزمة سوف تجعل الولايات المتحدة تبدو في صورة أضعف.
وكان بنك سيلكون فالي في الصين، المملوك للبنك الأميركي وبنك شنغهاي بودونغ ديفلوبمنت، والذي تأسس في العام 2012، قد أكد قبيل أيام على استقلالية عملياته، في سياق محاولات لتهدئة العملاء بعد أزمة البنك في الولايات المتحدة.
وأفاد البنك بأن:
- العمليات الخاصة به مستقرة، وتُجرى وفق القوانين واللوائح الصينية المتبعة.
- البنك يتمتع بمركز مالي مستقل ويطبق أعلى معايير الحوكمة.
- البنك ملتزم بتمويل الشركات الناشئة والشركات التكنولوجية.
وخلال الأسبوع الماضي، وتفاعلاً مع أزمة انهيار "سيلكون فالي"، كان أداء أسهم البنوك الصينية الصغيرة، بما فيها Bank of Lanzhou و Xi An Bankو Xiamen Bank أقل بكثير من أداء البنوك الكبرى، في ضوء المخاوف المرتبطة بمدى قدرتها على إدارة المخاطر، وفي سياق تصاعد حالة الذعر في أوساط المستثمرين جراء أزمة البنوك الأميركية.
مكاسب صينية
من جهتها، تشير الخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، الدكتورة نادية حلمي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنّ تداعيات أزمة إفلاس وانهيار بنك سليكون فالي كبيرة على بعض القطاعات المصرفية حول العالم، بالنظر لامتلاك البنك عدة وحدات وأسهم في كندا وأوروبا، فضلاً عن وجود مشروع مشترك داخل الصين نفسها.
وتضيف: "في مقابل الأضرار التي ضربت بعض الدول، أعتقد أنّ الصين لم تتأثر كثيراً بذلك، وهو ما أكدته تقديرات هيئات المصارف والقطاعات المصرفية والبنكية الحكومية في بكين، والتي أشارت إلى أن تداعيات إفلاس بنك "سليكون فالي" على المؤسسات المالية الصينية "محدودة للغاية" حتى الآن".
وشددت الحكومة الصينية على أن "البنوك الصينية قوية ومستقرة للغاية ولديها مرونة مقارنةً بنظيرتها الأميركية".
ويشار هنا إلى أن قطاع التكنولوجيا في الصين، يعدّ المحرك الرئيسي للنمو في البلاد، فيما يتمتع بعلاقات قوية بالكيانات الاقتصادية في "وادي السيليكون الأميركي" فضلاً عن أن العديد من الشركات الناشئة التي تتخذ من الصين مقراً لها تمتلك حسابات في بنك "سيليكون فالي" الأميركي ذاته.
وترى حلمي أنّ الصين ستجني فوائد عديدة من وراء تلك الأزمة، وجذب المزيد من المستثمرين في قطاعات التكنولوجيا الرقمية حول العالم، وذلك بسبب:
- نجاح بكين في تنمية قطاعات التكنولوجيا الجديدة والتحول الرقمي الحديث لتطوير إنتاجها وتحويل مدنها إلى مراكز ابتكار تنافس "وادي السيليكون الأميركي" عالمياً.
- لم يعد الابتكار التكنولوجي حكراً فقط على وادي السيليكون، بعد نجاح عدد من المدن الصينية في إقامة مراكز أبحاث وتنمية تكنولوجية ورقمية عملاقة خاصةً بعد أزمة جائحة كورونا (كوفيد-١٩) وما نتج عنها من ضرورة التحول الرقمي السريع وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والسيبراني في كافة القطاعات في الدولة الصينية.
- فضلاً عن تجربة التحول الرقمي في المدن والقرى الريفية في الصين، بعد أن أقامت الصين عدة شركات تكنولوجية ورقمية عملاقة لضخ رؤوس أموال ولجلب أفضل المواهب الصينية والعالمية لتوطين ونقل التكنولوجيا الأميركية والعالمية داخل الصين.