بعد أشهر قليلة من تصعيده إلى المرتبة الثانية في الحزب الشيوعي، بدأ لي كيانغ (صاحب الـ 63 عاماً والمقرب من الرئيس شي جينبينغ) مهامه كرئيس للحكومة الصينية الجديدة، في مرحلة تواجه فيها بكين تحديات مفصلية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

استلم لي مهاماً شاقة، آخذاً على عاتقه مسؤولية دعم التعافي الاقتصادي بالبلاد بعد صدمات جائحة كورونا وآثار سياسة "صفر كوفيد" السابقة، في وقت تستهدف فيه الصين تحقيق معدل نمو نسبته 5 بالمئة خلال العام الجاري 2023 ارتفاعاً من 3 بالمئة في 2022.

أخبار ذات صلة

الصين ترفع سن التقاعد بعد زيادة أعداد كبار السن
صفقة الغواصات.. الصين تعارض بحزم وأستراليا تبرر

وإلى جانب التعافي الاقتصادي يواجه لي مجموعة من الملفات الخارجية المتخمة بالتوترات في ضوء تصاعد حدة الخلافات مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية، وتحركات واشنطن في سياق منع الصين (المنافس الأكبر) من الحصول على التقنيات الأساسية، وبشكل خاص الرقائق الإلكترونية.

فإلى أي مدى يمكن لرئيس الحكومة الصينية الجديد التعامل مع تلك الملفات؟ وهل تشهد التوترات التجارية بين بلاده والولايات المتحدة انعطافة جديدة أو سياسات مغايرة عن المرحلة السابقة؟

سياسات ثابتة

رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، الباحث المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور عماد الأزرق، يستبعد حدوث تغيرات لافتة في السياسات الاقتصادية الصينية خلال المرحلة المقبلة في ظل وجود حكومة جديدة.

ويوضح الأزرق في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:

الخط الصيني هو خط واحد لا يتأثر عادة بتغير المسؤولين.

* السياسات الصينية عموماً تسير في اتجاه واحد بعيداً عن التصادم والتصعيد بشكل عام.

* السياسة الاقتصادية تجاه الولايات المتحدة ثابتة في ضوء المعطيات الراهنة. 

* تقوم العلاقات الاقتصادية الصينية على تبادل المصالح والمنفعة المتبادلة مع الجميع، وبما في ذلك الخصوم السياسيين ومنهم الولايات المتحدة واليابان.

أخبار ذات صلة

بعد 63 عامًا.. وثائق تكشف هزيمة أميركية سرية أمام الصين
الصين تعيد فتح حدودها أمام السياح الأجانب لأول مرة منذ 2020

ويتحدث الباحث المتخصص في الشؤون الصينية في الوقت نفسه عن الأولويات الاقتصادية الخارجية للحكومة الجديدة، والممثلة في الحفاظ على حرية التجارة العالمية وانسيابها، وتدفق رؤوس الأموال، وبما يخدم مستهدفات النمو.

كما يُبرز في الوقت نفسه مسألة زيادة الإنفاق الصيني على الدفاع، في مواجهة التهديدات الاستراتيجية التي تحيط ببكين، وعلى رأسها التصعيد الأميركي والتواجد المتزايد في المحيط الهادئ والهندي، فضلاً عن تغيير اليابان والهند سياساتهما الدفاعية، وغيرها من العوامل ذات الصلة.

ويذكر أنه في 6 يوليو 2018 طبقت الولايات المتحدة أول تعريفات جمركية خاصة بالصين، وتتابعت بعد ذلك الإجراءات المتبادلة بين البلدين في سياق التصعيد والتوترات التجارية بينهما.

وتسيطر أربعة ملفات خلافية أساسية على العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، حددتها الكاتبة والمحللة السياسية الصينية المقيمة في بكين، فيحاء وانغ تشين، في تصريحات سابقة لموقع "سكاي نيوز عربية"، وهي:

* التدخل الأميركي في تايوان، وهونغ كونغ، والتبت، وشينجيانغ (ملف الأيغور).

* الاتهامات المتبادلة بالتجسس.

* الهيمنة في مجال التكنولوجيا.

* العلاقات التجارية.

الصين.. الانتقال من سياسة الحياد إلى التدخل الإيجابي

تنافس استراتيجي وحرب تجارية

خبير الشؤون الصينية، الدكتور جلال رحيم، يقول في تصريحات خاصة لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "الحرب بين البلدين هي في ظاهرها حرب تجارية، إنما هي بشكل عام حرب استراتيجية عميقة، لا سيما في ضوء تخوف الولايات المتحدة من صعود الصين ومن فقدان مركزها أو تضييق المجال على نفوذها العالمي، ذلك أن واشنطن لا تقبل بإجبارها على قبول عالم متعدد الأقطاب".

وبالتالي فإن "الحرب التجارية بين البلدين ليست معزولة عن التنافس الاستراتيجي بينهما"، طبقاً لرحيم الذي يشدد في الوقت نفسه على أن "الحكومة الصينية الجديدة تستهدف تحقيق نمو ذو جودة عالية، وبالضرورة المسألة ترتبط ارتباطاً ملحوظاً بالرقائق الإلكترونية، وذلك من خلال دعم البحوث العلمية والتكنولوجية".

ويضيف رحيم: "الرقائق هي عصب الاقتصاد الصيني ومستقبله، وهي من أسباب التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة (..) ولن تستطيع الحكومة الصينية الحالية ولا الرئيس الصيني أو أية حكومة قادمة في المستقبل أن تقنع الولايات المتحدة بأن الصين ليست منافساً وأن العلاقات الاقتصادية ستعود إلى سالف نشاطها (..) الولايات المتحدة تنظر للصين بخشية كبيرة وشكوك واسعة، وتسعى جاهدة لمنع الصين أو حتى تعطيلها وتعطيل نموها، وذلك من خلال خنق عصب ذلك التطور والنمو في الخمسين سنة القادمة".

وفي السياق نفسه، يشدد خبير الشؤون الصينية على أن أشد ما تخشاه الصين هو فك الارتباط (الصناعي والتجاري والمالي والتكنولوجي بصفة خاصة) مع الولايات المتحدة، موضحاً أن رئيس الوزراء الصيني في مؤتمره الأخيرة اعتبر أن "فك الارتباط" سياسة غير واقعية وستضر بمصالح البلدين.

ويستدل رحيم بما عانت منه شركة "هواوي" الصينية في هذا السياق، بعد خسارتها عديد من الأسواق العالمية والحلفاء بعد العقوبات الكبيرة المطبقة عليها بإيعاز أميركي وبسبب التضييق عليها فيما يخص التزود بالرقائق.

وبرغم خطاب "فك الارتباط" الذي يتبناه البعض، فإن البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الأميركية تكشف عن نمو التجارة بين البلدين، على النحو التالي:

* سجلت تجارة السلع مستوى قياسياً بلغ 690.6 مليار دولار في 2022

* ارتفع حجم صادرات السلع إلى الصين بواقع 2.4 مليار دولار (لتصل إلى 153.8 مليار دولار)

* ارتفع حجم الواردات الأميركية من الصين بواقع 31.8 مليار دولار (لتصل إلى 536.8 مليار دولار)

* ارتفع إجمالى حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنحو 23 بالمئة مقارنة بالعام 2021 (ليصل إلى حوالي 912.6 مليار دولار)، بحسب يوروستات.