فيما تواجه بريطانيا أكبر هبوط في مستويات المعيشة وارتفاع أعداد الفقراء بشكل غير مسبوق في العقود الأخيرة جراء الكساد الذي تشهده البلاد وانكماش الاقتصاد، يتساءل مراقبون عن دور شبكات الأمان الاجتماعي في حماية المواطنين من الفقر؟
بحسب مؤسسة (Resolution Foundation)، فإن أعداد الفقراء في بريطانيا مرشحة للزيادة بمقدار 3 ملايين شخص ليصل العدد إلى 14 مليونأً بين عامي 2023 و2024، كما ارتفعت مستويات الطلب على بنوك الطعام بنسبة 50 بالمئة بعد لجوء نحو 320 ألف شخص إليها لأول مرة، بينما ارتفعت فواتير الطاقة ثلاثة أضعاف.
ويواجه نصف البالغين في بريطانيا صعوبة في دفع أثمان فواتير الطاقة والدفعات الشهرية الأخرى بما في ذلك الإيجارات وأقساط قروض العقارات، طبقاً لمكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون بريطانيا "الدولة الوحيدة" بمجموعة السبع التي تشهد ركوداً في 2023، مقدّراً ذلك الركود بنسبة 0.6 بالمئة، اعتماداً على ارتفاع أسعار الفائدة والضريبة على الدخل.
وبالمقابل، فإن هناك عدد من المزايا في نظام الضمان الاجتماعي ببريطانيا والتي تستند إلى نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق، فضلاً عن النفقات الحكومية التي تذهب إلى الخدمات الاجتماعية وبرامج معاشات التقاعد التي يدفعها المواطنون ثم يستردونها عند بلوغهم عمراً متقدماً، وبرنامج مزايا حكومية يقدم إعانات مالية مباشرة للأفراد المستحقين يشمل ذلك العاطلين عن العمل بشكل مؤقت، بمعنى أن نظام الحماية الاجتماعية وُجد لتوفير "الأمان" بمفهومه الاجتماعي، الأمان من الجوع والتشرد والمرض والبطالة والفقر عموماً، وفقاً لخبراء اقتصاد.
الحكومة الداعم الرئيسي للمواطنين
الدكتور ممدوح سلامة خبير النفط والاقتصاد العالمي المقيم في لندن يعتبر الأرقام التي تتحدث عن الفقر في بريطانيا وأن الوضع المعيشي أصبح ضاغطاً جداً على حياة الكثيرين هي ادعاءات مبالغ فيها لأن مستوى المعيشة في بريطانيا يعد من أعلى المستويات في العالم فضلاً عن وجود شبكات حماية اجتماعية لمساعدة المواطنين المحتاجين للتغلب على مشاكلهم من قبل مؤسسات "إحسانية"، إلى جانب الدعم الرئيسي الذي يأتي الحكومة، مؤكداً أن الحكومية البريطانية تبذل أقصى جهودها لمساعدة المحتاجين، إذ أنفقت ما يقرب من 100 مليار جنيه إسترليني حتى الآن لدعم فواتير الطاقة والمساهمة بتخفيف عبئ تكلفة الطاقة لدى الشركات واقتصاد البلاد.
"البريكست" أضعف الاقتصاد البريطاني
ويقول الدكتور سلامة في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "مما لا شك فيه أن أزمة الطاقة العالمية أثرت على اقتصاد بريطانيا وأدت إلى انكماش في نموه، هذه حقيقة لا يمكن نكرانها، ثم أن هناك حقيقة أخرى وهي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي أو ما يعرف بـ " البريكست" قد أدى كذلك إلى ضعف في الاقتصاد البريطاني وكذلك إلى الانكماش في سرعة نموه".
وأقر بأن أزمة الطاقة الحالية خلقت مصاعب كثيرة لعدد كبير من الشعب البريطاني ولكن في الوقت ذاته أكد أن مستوى الفقر في البلاد محدود جداً.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تماماً مثل العديد من البلدان حول العالم، تعاني المملكة المتحدة من أزمات انعكست على تكاليف المعيشة، فهناك حوالي 13.4 مليون شخص يعيشون في الفقر بحسب إحصاءات عامي (2020-2021 ) ويعيش حوالي 7.2 مليون شخص دون أساسيات مثل الوجبات والاستحمام والتدفئة، و4.7 مليون شخص تخلفوا عن سداد فواتيرهم.
ما الذي يسبب الضائقة الاقتصادية والفقر؟
يجيب حمودي على هذا التساؤل بقوله: "أحداث الحياة، مثل المرض أو فقدان الوظيفة، يمكن أن تسبب الفقر، لكن السبب الجوهري في تشديد الضائقة المعيشية القضايا الهيكلية في الاقتصاد، والتي وتتفاقم بسبب زيادة تكاليف المعيشة ما يخلق حلقة تجعل الناس محاصرين في المصاعب الاقتصادية، ويمكن أن يشمل ذلك البطالة والعمل منخفض الأجر وغير الآمن، كما سيجد الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الوصول بسهولة إلى التدريب أو التعليم صعوبة في العثور على وظيفة آمنة، ما يجعل هروبهم من الفقر والمشقة أمراً صعباً".
ويجزم حمودي بأن الفقر أصبح متجذراً بعمق في المملكة المتحدة ما يعني أن ملايين العائلات في جميع أنحاء البلاد تكافح من خلال الضائقة المالية، إذ أن أزمة تكلفة المعيشة تؤثر على الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل أكبر، كما ستؤدي الأزمة إلى تفاقم معدلات الفقر، مع توقع وقوع أكثر من مليون شخص في براثن الفقر هذا الشتاء في المملكة المتحدة، على جانب مكافحة الكثيرين لتحمل الأساسيات للعيش والاعتماد على بنوك الطعام والبنوك الدافئة لتغطية نفقاتهم.
سياسات الحكومة لمساعدة ذوي الدخل المنخفض
ويشرح حمودي "أن الحكومة البريطانية أعلنت عن ضمان أسعار الطاقة (EPG) والذي حدد وحدة تكلفة الطاقة، إذ ستستمر فاتورة الأسرة في التأثر بكمية الطاقة التي يستخدمونها، لكن الأسرة النموذجية ستوفر 900 جنيه إسترليني هذا الشتاء، وفقًا للحكومة، وقد يكلّف دليل البرنامج الإلكتروني الحكومي حوالي 25 مليار جنيه إسترليني في 2022-2023 ، في حين أن مخططًا مشابهًا للمستخدمين غير المحليين للطاقة (الشركات والجمعيات الخيرية والقطاع العام ، إلخ) قد يكلّف 18 مليار جنيه إسترليني إضافية.
وشملت أشكال الدعم الحكومي الأخرى المعلن عنها خلال عام 2022:
• خصم 400 جنيه إسترليني على فواتير الطاقة لجميع الأسر
• دفع 650 جنيهاً إسترلينياً للأسر التي تتلقى مزايا تم اختبارها.
• حصول أسر المتقاعدين على 300 جنيه إسترليني إضافي والأشخاص الذين يتلقون مدفوعات إعاقة 150 جنيهاً إسترلينياً إضافيًا
• 150 جنيهاً إسترلينياً خصماً ضريبياً للأسر في ضريبة المنازل
• زيادة في المبلغ الذي يمكن أن يكسبه شخص ما قبل تحصيل اشتراكات التأمين الوطني.
لكن الخبير الاقتصادي حمودي يشير إلى أن كل هذا الدعم لم يمنع من أن تصبح المملكة المتحدة الآن درساً موضوعياً للبلدان الأخرى التي تتعامل مع "ثالوث مظلم" من تراجع التصنيع وتراجع النمو وتشويه سمعة الأجانب، بعد أن تم نقل الصناعة إلى الخارج لصالح الخدمات المالية، "ما أدى إلى التآكل الواضح في مستويات المعيشة، مشيراً إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أوقف نمو الاقتصاد ومهد الطريق لـ "سيرك سياسي لا ينتهي"، حيث سيثبت التاريخ أن "البريكست" يعد أكبر ضرر اقتصادي في تاريخ البلاد.