يُواجه الاقتصاد الليبي تحديات مُضاعفة؛ فبخلاف انعكاسات الأزمات العالمية (بدءاً بجائحة كورونا ووصولاً للحرب في أوكرانيا وما أسفرت عنه من تبعات واسعة) ثمة تحديات خاصة من رحم الأزمة السياسية في البلاد، حيث حالة الجمود السياسي والصراعات التي تغلف المشهد، وبما ينعكس مباشرة على الوضع الاقتصادي.

وسط تلك الأجواء تستعد الأسواق لحلول شهر رمضان، وسط ارتفاع مُقلق في أسعار السلع الرمضانية خصوصاً، ومختلف السلع الأساسية، جنباً إلى جنب مع تأخر الرواتب لبعض القطاعات، بما يزيد حجم الضغوطات على كاهل المواطنين، وبما يعزز مخاوف من ارتفاعات أوسع خلال الشهر في ضوء تنامي الطلب على تلك السلع الغذائية، ذلك في وقت تسعى فيه الحكومة إلى ضبط الأسواق من خلال عددٍ من الأدوات الرقابية.

أخبار ذات صلة

ليبيا.. قفزة جديدة في أسعار الأغذية
ليبيا تتجه إلى تحقيق أعلى إيرادات نفطية منذ 9 أعوام

واحدة من تلك الأدوات التي تم الإعلان عنها أخيراً تتمثل في تشكيل "غرفة طوارئ"، تتمثل مهامها في عددٍ من النقاط الأساسية (استعداداً لشهر رمضان)، من بين أبرز تلك المهام كما ورد في بيان صادر عن الحكومة الليبية أخيراً:

  • متابعة توافر السلع الأساسية والخضروات خلال شهر رمضان المبارك، وضبط ومتابعة أسعار بيعها للمستهلك بما يتناسب مع أسعار توريدها.
  • التأكد من الاشتراطات الصحية لعمل محال اللحوم والمواد الغذائية وأسواق الخضروات، والتأكد من مطابقة السلع للمواصفات القياسية الليبية.
  • التأكد من سريان رخص مزاولة النشاط لمحلات بيع السلع الأساسية، والتزامها بالإعلان عن أسعار البيع في مكان واضح للمواطنين.
  • التأكد من الاحتفاظ بصورة ضوئية من مستندات توريد السلع وموافقات الإفراج من الرقابة على الأغذية والأدوية.
  • اعتماد الدول المسموح لها بتوريد اللحوم والدواجن، وفقاً للاشتراطات الصحية المعتمدة، ومتابعة انسياب ودخول السلع مع مصلحة الجمارك، وتذليل كافة الصعوبات بالتنسيق مع الجهات المعنية.
  • متابعة الإنتاج المحلي لمختلف السلع الغذائية وسلامة توزيعها، ووضع الحلول اللازمة في سبيل عرضها وتوزيعها.

الغرفة التي باشرت أعمالها بدءًا من الأسبوع الماضي، بعد قرار الحكومة الليبية، رقم 107 لسنة 2023 بتشكيلها، وتواصل اجتماعاتها هذا الأسبوع أيضاً، تأتي في سياق المساعي الرسمية لضبط الأسواق والرقابة عليها قبل وأثناء شهر رمضان، وسط شكاوى مُتجددة من غلاء الأسعار بشكل متفاوت بين منطقة وأخرى داخل ليبيا.

وأقرت الغرفة في أول اجتماعاتها، الأربعاء، تشكيل لجان فرعية تضم مديريات الحرس البلدي بالبلديات ومراقبات الاقتصاد والتجارة بالبلديات والإصحاح البيئي، من أجل تقديم بيان يومي حول السلع والأسعار.

تحديات الوفرة وسلامة السلع المستوردة

يأتي ذلك أيضاً فيما لا تتوقف التحديات الداخلية عند حد "ارتفاع الأسعار" إنما تمتد إلى عامل "الوفرة" أيضاً، لجهة مدى توافر المواد الأساسية المطابقة للمواصفات، في ظل تسلل عديد من البضائع غير المناسبة للأسواق خلال الفترات الماضية من موردين مختلفين.

أخبار ذات صلة

دراسة دولية تكشف حجم الغلاء في ليبيا.. الجنوب الأكثر تأثرًا
ليبيا.. مطالبة برلمانية برفع قيمة الدينار

يقول الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "الاسواق في معظم الدول العربية خلال شهر رمضان المبارك تشهد نمواً كبيراً، خاصةً فيما يتعلق بالمواد الغذائية ومستلزمات المطابخ وغيرها.. والأمر لا يتعلق فقط بأزمة ارتفاع الأسعار بشكل عام وتأثيرها المباشر على سلة السلع الغذائية، لكن أيضاً يتعلق بعوامل الوفرة في السلع والخدمات في شهر رمضان".

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي الليبي بأنه "من المتوقع استقرار الأسعار في بعض السلع الأساسية، مع ارتفاع الأسعار فيما يخص اللحوم والدواجن والأسماك في ضوء زيادة الطلب عليها وارتفاع تكاليف إنتاجها".

  • تشهد اللحوم بشكل خاص ارتفاعاً واسعاً بالأسعار في السوق الليبية، ليصل متوسط الكيلو الواحد إلى حوالي 10 دولارات (فيما كان المتوسط في وقت سابق بالأسواق حوالي ما يعادل 5 دولارات).
  • نشطت دعوات بالأوساط الليبية وعبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي لمقاطعة اللحوم الوطنية لارتفاع أسعارها على نحو كبير.
  • ارتفاع أسعار الأعلاف أسهم في زيادة الأسعار
  • تحل ليبيا سادساً على المستوى العربي من حيث الاستهلاك السنوي للحوم الحمراء.
  • ستة ملايين رأس (مختلفة الأنواع) حجم الثروة الحيوانية بالبلاد، فيما يتم استيراد 800 ألف رأس من الخارج.
  • بالنسبة للدواجن، تدرس الحكومة فرض تسعيرة إجبارية، بعد ارتفاع الأسعار من 13 ديناراً للكيلو إلى 16 ديناراً (طبقاً لوزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج).

توافر السلع الأساسية بشكل كامل

وكان الحويج قد أكد في تصريحات نقلتها تقارير محلية، توافر السلع الأساسية التي تحتاجها الأسر الليبية في شهر رمضان بشكل كامل، مشيراً إلى أن هناك متابعة للاعتمادات المستندية المفتوحة خلال الأشهر الماضية التي ستساعد في تخفيض الأسعار وتوفر السلع. كما أكد العمل على استيراد الحيوانات الحية بالاتفاق مع وزراة الزراعة للمحافظة على استقرار السوق، فضلاً عن تعويض الأسر المحتاجة خلال الشهر.

وبالعودة لحديث الخبير الاقتصادي الليبي، فإنه يلفت إلى أن "ارتفاع معدلات استيراد السلع من شأنه التقليل من فجوة الطلب عليها". لكنه يشير في الوقت نفسه إلى واحدة من المعضلات المرتبطة بانخفاض الدخول.

أخبار ذات صلة

ليبيا.. عجز في معرفة أوجه صرف أموال الدولة
ليبيا ما قبل وبعد 2011.. انهيار دخل المواطن لأقل من النصف

ويشدد على أن تحديات استقرار السوق متمثلة في قدرة المستهلك على شراء سلة السلع المطلوبة، أو ما يعرف بـ "القوة الشرائية" للمواطنين ومع تفاقم أزمة السيولة". لكنه يشدد بالتزامن مع ذلك على أن "هذا الشهر يتميز بعطاء مميز من قبل رجال الأعمال والقادرين على الإطعام، وبالتالي المساهمة في استقرار السوق".

  • تستورد ليبيا نحو 85 بالمئة من احتياجاتها الأساسية من الخارج.
  • ارتفعت واردات ليبيا من الحبوب خلال العام 2022 بنسبة 24 بالمئة (بما يعادل 316 ألف طن) بحسب بيانات الشركة الليبية للموانئ.
  • 14 بالمئة تراجعاً بعدد الحاويات المفرغة والمشحونة في ليبيا في 2022.
  • يتمتع الاقتصاد الليبي باحتياطيات تُمكنه من تغطية الواردات السلعية المطلوبة، طبقاً لما ورد بتقرير تنافسية الاقتصادات العربية للعام 2022 الصادر أخيراً عن صندوق النقد العربي.
  • التقرير المشار إليه، ذكر أن الاحتياطيات الليبية تكفي لتغطية الواردات السلعية لمدة 41.3 شهراً (كانت الاحتياطيات قبل 2013 تكفي لتغطية الواردات لمدة 65 شهراً)

ارتفاع صاروخي للأسعار

على الجانب الآخر، يشير الكاتب الصحافي الليبي، رضوان الفيتوري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الأسعار عادة ما ترتفع ارتفاعاً وصفه بـ "الصاروخي" قبيل شهر رمضان في السوق الليبية بشكل خاص، لا سيما في ضوء ضعف الرقابة، موضحاً أن الشهر يعتبر فرصة للتُجار من أجل زيادة الأسعار قبل وأثناء الشهر مع ارتفاع الطلب على السلع.

ويُضيء الكاتب الليبي على إشكالية أخرى تواجه الأسواق في خطٍ متوازٍ مع مشكلة ارتفاع الأسعار وضعف الرقابة، وهي مرتبطة بانتشار المواد غير الصالحة، ويقول: "يتم استيراد بعض البضائع من عدد من البلدان لا تتوافر فيها أدنى شروط السلامة والصلاحية.. ورأينا كيف امتلأت السوق الليبية بمواد غذائية فاسدة، دون وجود حسيب أو رقيب، ناهيك عن ارتفاع الأسعار".

وفيما يصف الفيتوري بالتعبير الدارج وضعية الأسواق الليبية بكونها "وكالة بدون بوّاب (حارس)"، فإنه يلفت أيضاً إلى مؤشرات إيجابية وإن كانت متواضعة، تتعلق بجهود الحرس البلدي لضبط المشهد والتأكد من سلامة السلع وغيرها من الأمور الرقابية. كما يتحدث المحلل الليبي في الوقت نفسه عن التفاوت في أسعار وجودة المنتجات من منطقة لأخرى في ليبيا بشكل لافت.

أسعار مُضاعفة

من جانبه، يشير مدير مركز الأمة الليبي، الدكتور محمد الأسمر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الوضع المعيشي في ليبيا يعاني من كثير من التباينات"، مشدداً على أن الأسعار عادة ما تكون مضاعفة عن ما يجب أن تكون عليه بالفعل، لا سيما في ظل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بعد تضخمه لأكثر من خمسة أضعاف ما كان عليه سعر الدولار في 2011، وبما يشكل فارقاً كبيراً في الأسعار.

ويتابع: "حتى محاولات الحكومات -على اختلافها وتعددها وتزامنها أيضاً في ليبيا- لم تُجدي نفعاً على مدى السنوات الماضية في ضبط الأسعار"، متحدثاً في الوقت نفسه عن غرفة الطوارئ المشكلة أخيراً، بقوله إن اللجنة المماثلة في العام الماضي وضعت تسعيرة لأسعار السلع الأساسية فاقت بكثير الأسعار بالسوق السوداء نفسها، نتيجة عدم دراسة كافية للسوق ولعدم تمكن المؤسسات من المتابعة الحقيقية والدقيقية والتقييم العادل.

ويشير بالتزامن مع ذلك إلى عددٍ من الصعوبات التي تواجهها أطياف مختلفة من الشعب الليبي قبيل شهر رمضان الكريم، من بينها:

  • تأخر مرتبات عموم موظفي ليبيا لمدة شهرين (يناير وفبراير)، بل إن هناك تأخر مستمر لأربعة أشهر في بعض القطاعات نتيجة عدم توحيد جدول المرتبات.
  • احتجاجات وتظاهرات عدد من الفئات، مثل الخريجين من ذوي المؤهلات العليا في قطاع النفط والقطاعات الفنية الذين لم يتم تعيينهم في الوظائف الشاغرة.
  • حالة ضنك (لجهة ضعف القدرة الشرائية) متزايدة مع قرب شهر رمضان ومع ارتفاع المصروفات والمتطلبات في مثل هذا الشهر.
  • ثمة عدد من التقاليد المجتمعية في رمضان تثقل كاهل الليبيين، مثل تعدد أصناف الطعام وكثرة المشتريات واقتناء الأواني والصحون والأكواب وأدوات التقديم والضيافة سنوياً.
  • ضائقة اقتصادية يعاني منها أهلنا في الجنوب ممن لديهم مصاريف مضاعفة، لا سيما فيما يتعلق بالإمدادات الطبية، التي تصلهم بأربعة أضعاف الأسعار، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود.