اتخذت الجزائر مجموعة من التدابير الحمائية في مواجهة موجات التضخم قبيل بدء شهر رمضان، وهو الشهر الذي يزداد فيه الطلب على السلع الأساسية، وبما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
تضمنت تلك التدابير جهود مراقبة وضبط الأسواق، والعمل على توفير السلع التي تعرف طلباً متزايداً على مدار شهر رمضان، فضلاً عن القرارات الاقتصادية ذات الصلة، والهادفة إلى التخفيف عن المواطنين ودعمهم في مواجهة غلاء المعيشة، من بينها قرارات رفع الأجور أخيراً.
وأمام تلك الإجراءات الحمائية والاستباقية يتطلع الجزائريون إلى موسمٍ هادئ نسبياً، مقارنة بأسواق أخرى تشهد ضغوطاً وإشكاليات متزايدة تحت وطأة شح السلع الأساسية والارتفاعات غير المسبوقة في أسعار مختلف السلع.
يأتي رمضان هذا العام في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم على أثر تبعات الحرب في أوكرانيا، والتي أثرت بشكل كبير على مختلف الاقتصادات، وخلقت أزمات واسعة المدى فيما يتصل بالطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد وغيرها من الأزمات.
والجزائر -كغيرها من دول العالم- تأثرت بتلك الأوضاع أيضا، بينما تسعى الحكومة للتعامل معها بمجموعة من الإجراءات المختلفة في خطٍ متوازٍ مع العمل على ضبط الأسواق والسيطرة عليها.
استقرار نسبي مقارنة بأسواق أخرى
يقول الخبير الاقتصادي الجزائري، عمر هارون، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه رغم الظروف الحالية خاصة بعد أزمة كوفيد-19 وفي ظل الأزمة في أوكرانيا، فإن "الوضعية في الجزائر تبدو مستقرة مقارنة بما عليه السوق العالمية، لا سيما في ظل وصول معدلات التضخم في كثيرٍ من دول العالم إلى مستويات قياسية، ففي تركيا على سبيل المثال وصل إلى 80 بالمئة، فضلاً عن المعدلات المرتفعة في أوروبا".
- تستهدف الجزائر معدل تضخم 5.1 بالمئة في 2023، و4.5 بالمئة في 2024 و4 بالمئة في العام 2025، طبقاً لمستهدفات الميزانية
- تستهدف الجزائر أيضاً تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.1 بالمئة في 2023 و4.4 بالمئة في2024 و4.6 بالمئة في 2025.
- بلغ متوسط التضخم السنوي في الجزائر 9.4 بالمئة في الشهور الأخيرة من 2022 (أكبر معدل منذ 25 عاماً كما يقول صندوق النقد الدولي)
ويشدد على أنه "على مستوى السلع الأكثر استهلاكاً، مثل الخضر والفاكهة، فإن ارتفاع أسعارها في عدد من بلدان العالم وصل في بعض الأحيان إلى 500 بالمئة".
ويتابع هارون: "لا نقول إن الوضعية في الجزائر جيدة، إنما هي مقبولة جداً مقارنة بما هو عليه الوضع في عدد من دول العالم، ولا سيما في ظل الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين، والقرارات ذات الصلة مثل زيادة الأجور".
يستفيد من الزيادة التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون، بالأجور والمعاشات، 2 مليون و985 ألف متقاعد، و2 مليون و800 ألف موظف (90 بالمئة منهم موظفين و10 بالمئة متعاقدين)، بحسب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة.
- يتراوح مستوى الزيادة سنوياً ما بين عامي 2023 و2024 ما بين 4500 دينار إلى 8500 دينار (حوالي من 30 إلى 60 دولاراً)
- بخلاف رفع الحد الأدنى لمنح التقاعد إلى 15 ألف دينار لمن كان يتقاضى أقل من 10 آلاف دينار، وإلى 20 ألف دينار لمن كان يتقاضى 15 ألف دينار
توافر السلع.. ودعوات لـ "الاقتصاد والترشيد"
وبخصوص مدى توافر السلع الأساسية التي يكثر عليها الطلب خلال شهر رمضان، يرى الخبير الاقتصادي أن "السلع ستكون متوفرة كما هي العادة، لكن بالنسبة للأسعار فقد تشهد ارتفاعاً ما بين 5 إلى 10 بالمئة، نظراً لارتفاع الطلب بشكل كبير خلال الشهر، ولهذا نطالب المواطنين بترشيد الاستهلاك ومحاولة التوازن في الاستهلاك".
- تسعى الجزائر لتقليص فاتورة وارداتها من الخارج، مع تعزيز الصادرات، وتحقيق فائض في الميزان التجاري بقيمة 9.4 مليار دولار في 2023 و11.3 مليار دولار في 2024، و11.6 مليار دولار في 2025.
- تشير المستهدفات الرسمية إلى سعي الجزائر لتحقيق عائدات قيمتها 46.3 مليار دولار في 2023 من صادرات السلع، وتزيد إلى 46.4 مليار في 2024، و45.8 مليار دولار في 2025.
- كما تستهدف أيضاً خفض فاتورة واردات السلع بنسبة 4.2 بالمئة، لتصل إلى 36.9 مليار دولار في 2023
- ومن بين المستهدفات الرسمية للاقتصاد الجزائري، زيادة الاحتياطي النقدي للبلاد من العملة الأجنبية 59.7 مليار دولار في 2023 وإلى 69 مليار دولار في 2025.
إشكاليات معتادة تواجهها الأسواق خلال شهر رمضان
من جانبه، يوضح الأكاديمي الجزائري الخبير الاقتصادي الدكتور مختار علالي، أنه من المرجح أن تتخذ الحكومة الجزائرية في اجتماعها المقبل قبيل شهر رمضان عدداً من الإجراءات الصارمة لضبط الأسواق خلال الشهر الكريم.
ويتحدث الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن عددٍ من الإشكاليات الاقتصادية التي تواجهها الأسواق في الجزائر خلال شهر رمضان، على النحو التالي:
- يرتفع الطلب بشكل كبير على السلع في رمضان، وغالبيتها سلع تدعمها الدولة بأكثر من 20 مليار دولار، وقد يذهب الدعم إلى غير مستحقيه
- يرتفع الطلب على اللحوم بشكل خاص خلال الشهر، بينما تشهد حالياً ارتفاعاً قياسياً في الأسعار، وبالتالي يُتوقع أن ترتفع فاتورة استيراد اللحوم من الخارج لدعم الأسواق خلال الشهر
- معدلات التضخم في ضوء جشع التجار ورفع الأسعار لمستويات كبيرة، وبالتالي التأثير على القدرة الشرائية لكثير من الفئات
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن رفع الأجور والمعاشات له أثر إيجابي وآخر سلبي؛ أما الأثر الإيجابي فيرتبط برفع القدرة الشرائية للموظفين (نظرياً)، والأثر السلبي مرتبط باستغلال التجار تلك الزيادة ليقوموا برفع الأسعار استناداً لرفع الأجور وهو ما يؤثر على القدرة الشرائية سلباً من ناحية أخرى، ولا سيما على الفئات التي لم تستفد من رفع الأجور.
كما يوضح أن منحة البطالة كذلك وبينما لها آثار إيجابية لجهة تحسين الوضع المعيشي للفئات المشمولة بها، إلا أنها تسهم في وجود أموال بدون إنتاج، وهو ما يرفع التضخم.
إجراءات ضبط الأسواق
ويُبرز الأكاديمي الجزائري في الوقت نفسه عدداً من المؤشرات الإيجابية ضمن التحركات الحكومية الفاعلة للتصدي إلى العقبات التي تواجه الأسواق خلال الشهر، ومن بين تلك المؤشرات:
- نشاط جمعيات حماية المستهلك، التي تلعب دوراً كبيراً إلى جانب جهات التفتيش التابعة للتجارة وجهات التفتيش المختلطة الأخرى، فضلاً عن دور قانون منع المضاربة، وهو ما يساعد على ضبط الأسواق.
- إقرار حصرية استيراد البقول الجافة للديوان الوطني الجزائري المهني للحبوب، وبما سيكون له تأثير إيجابي على الأسعار بالسوق المحلية.
- التوجه نحو فتح باب الاستيراد لإغراق الأسواق بالسلع والبضائع المستوردة التي تحتاجها الأسواق في رمضان وتشهد ارتفاعاً بالطلب.
- بيع جميع السلع الأساسية في "أسواق جوارية" تحت رقابة الدولة وبأسعار مخفضة، لا سيما السلع التي يتم ضبطها في مجال المضاربة
- الإجراءات والأحكام المشددة على كل المتهمين في المضاربة وتهريب السلع المدعمة