تعرضت أسواق العمل حول العالم إلى صدمات متتالية خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا ومروراً بالحرب في أوكرانيا والضغوط الهائلة التي فرضتها على اقتصادات العالم، وفي ظل أزمات الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد وغير ذلك.
وفي ظل تلك الصدمات عادة ما تواجه فئات بعينها تعاني بالأساس من تحديات خاصة، ضغوطات مُضاعفة في سوق العمل، مثل المرأة التي تجابه اتساع الفجوة في التوظيف والأجور ومختلف الحقوق ذات الصلة، ثم جاءت الجائحة ومن بعدها الحرب لتعمق المعاناة التي يتعرضن إليها بسوق العمل في سياق التمييز الجندري أو التحيز وعدم المساواة.
وفي هذا الإطار، وبينما يحتفل العالم اليوم بيوم المرأة العالمي، رصد تقرير نشرته Moody's Analytics أخيراً حجم الفجوة بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة والإدارة، والمدة (الطويلة) التي يُمكن أن يستغرقها العمل من أجل سد تلك الفجوة، وحجم العوائد الاقتصادية المنتظرة تبعاً لذلك، على النحو التالي:
- 7 تريليونات دولار هي إجمالي الكلفة التي يتكبدها الاقتصاد العالمي جراء الفجوة في الأجور بين الجنسين
- سد الفجوة بين الجنسين في سوق العمل بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يمكن أن يرفع النشاط الاقتصادي العالمي بنسبة 7 بالمئة
- 132 عاماً قد يستغرقها العالم من أجل سد الفجوة
- تضييق فجوة الأجور في الأسواق الناشئة، مثل الهند، من شأنه أن يسرع من سد الفجوة.
تداعيات جائحة كورونا وفقدان الوظائف
من جانبها، تشير الكاتبة الصحافية الكندية المتخصصة بالقضايا الإنسانية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، جاكي حبيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن ثمة فجوة وصفتها بـ "الهائلة" بين الجنسين فيما يتعلق بتمثيل المرأة والقيادة والأجور، لافتة إلى بيانات تقدر الفترة التي يُمكن أن يستغرقها تحقيق هدف المساواة بين الجنسين بأكثر من قرن من الزمن.
وتشدد الناشطة الحقوقية في مجال المرأة، على أن وباء فيروس كورونا كان له آثار وصفتها بـ "المُدمرة" على النساء من نواحٍ كثيرة، بما في ذلك على المستوى المهني؛ ذلك أن المرأة كانت مثقلة بأدوار تقديم الرعاية، وتترك سوق العمل بأرقام قياسية (في إشارة لارتفاع معدلات بطالة الإناث في عدد من المجتمعات خلال جائحة كورونا وما بعدها).
وتلفت جاكي في الوقت نفسه إلى أن هناك تكلفة اقتصادية لذلك، مستدلة بما أوردته تقارير منظمة العمل الدولية، والتي ذهبت إلى أن سد الفجوة بين الجنسين بنسبة 25 بالمئة بحلول العام 2025 يمكن أن يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 5.3 تريليون دولار أميركي.
وتتابع: لذلك من أجل تحقيق اقتصادات مزدهرة وإدماج حقيقي حيث يمكن للمرأة المشاركة في القوى العاملة دون عوائق، نحتاج إلى إجراء تغييرات منهجية مثل فرض إجازة أبوية كافية وتقديم الدعم، وإعطاء الأولوية لخدمات رعاية الأطفال التي يمكن الوصول إليها، وتطبيق إطار وسياسات المساواة بين الجنسين على التوظيف والترقية.
وفي السياق، فإن تقرير موديز المشار إليه تحدث عن عددٍ من التحديات التي تواجه جهود سد الفجوة، على رأسها صعوبة تغيير الأعراف الاجتماعية، والتي وصفها التقرير بكونها "عملية طويلة ومعقدة".
لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن ثمة مجموعة من السياسات يمكنها الدفع باتجاه الطريق الصحيح لسد الفجوة، من بينها توفير ظروف عمل مرنة وتوفير رعاية أطفال ميسورة التكلفة وإجازة أبوة مدفوعة الأجر.
تحديات عامة.. وفجوة متفاوتة
تقول عضو لجنة الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، السفيرة نائلة جبر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه على المستوى الدولي ثمة فجوة بين الجنسين في أسواق العمل، لكن تلك الفجوة تتفاوت من بلدٍ لآخر، ذلك أن هناك بلدان لها تجارب مهمة في العمل على سد تلك الفجوة وإدماج المرأة بسوق العمل بشكل مناسب ومنحها حقوقها كافة.
وتلفت جبر في السياق نفسه إلى عددٍ من التحديات التي واجهتها المرأة في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع تأثيرات جائحة كورونا الاقتصادية التي انعكست عليها بشكل واضح، ومن بعدها الحرب في أوكرانيا بشكل أساسي والتي أثرت على جميع اقتصادات العالم، وبما انعكس على وضع المرأة في سوق العمل وفقدان الوظائف.
وتردف: "لكن لدينا أمل كبير في أن المرأة تستطيع تجاوز ذلك بإرادتها ودعم الدولة.. وثمة تجارب مُهمة لتحدي تلك الظروف في المنطقة بشكل خاص، مثل عمل المرأة على النهوض بمنزلها وإدارة مشروعات خاصة تحقق عوائد جيدة، في مجالات مختلفة، بما في ذلك الملابس والديكور والصناعات التراثية والحرفية، وجميعها أمور نشجع عليها المرأة العربية"، مشيرة إلى وضع المرأة المصرية التي تجابه التحديات بمشاريع خاصة ومختلفة.
وفي السياق، أشار تقرير Women, Business and the Law الصادر عن البنك الدولي للعام الجاري 2023، إلى عدد من المؤشرات المرتبطة بالتحيز وعدم المساواة بين الجنسين، ومما ذكره التقرير:
- (توظيف النساء بمهن منخفضة الأجر، والاختلاف في نظام الوظائف والرواتب وحتى ساعات العمل، وآليات تقديم الرعاية غير المناسبة للمرأة)، جميعها أمور من شأنها المساهمة في فجوة الأجور.
- استمرار هذا التفاوت على النحو المذكور من شأنه التأثير سلباً على النمو الاقتصادي في أي بلد
- نحو نصف اقتصادات العالم لا تفرض المساواة في الأجور بين الجنسين بموجب تشريعات خاصة
- 119 بلداً حول العالم يمكنها تحسين الأطر التشريعية من أجل تقليص فجوة الأجور
قوانين العمل
وتُعلق مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة، الدكتورة مشيرة أبو غالي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على غياب التشريعات الملزمة بالمساواة في الأجور بين الرجل والمرأة في عديد من البلدان، بقولها إن "قوانين العمل هي قوانين عامة لا تتعلق بالنوع، وبالتالي الجميع واحد أمام القانون في الحقوق والواجبات".
وتقول أبو غالي إنه "في القطاع الحكومي يتم الالتزام بشكل كامل بتلك القوانين، لكن في عديد من مؤسسات القطاع الخاص غالبا ما يتم إجحاف حق الأنثى في الأجر مقارنة بعدد ساعات العمل ونوع العمل والإجازات".
وتلفت في الوقت نفسه إلى أنه في المنطقة عربية هناك تطور قانوني وتشريعي وجهود كبيرة تُبذل من جانب الحكومات بما يسهم في تقليص الفجوة، حتى أنه في بعض المؤسسات وببعض الدول صارت نسبة المرأة أكبر من الذكور، ومع حرص الحكومات على منح المرأة فرصة أكبر.
وتشير إلى تجارب عربية خليجية مُهمة في هذا السياق، من بينها ما تشهده المرأة الإماراتية من تقدم، إضافة إلى المرأة ومكانتها في المملكة العربية السعودية أيضاً، فضلاً عن المرأة في جمهورية مصر العربية، فقد استطعن دخول مختلف المجالات في سياق تمكين المرأة، بما في ذلك مجالات ومناصب لم تكن تتقلدها المرأة من قبل، مثل البحث العلمي والمجالات الرياضية وعلوم الفضاء وغير ذلك.
اختلالات اقتصادية واسعة
وإلى ذلك، تقول المحللة والكاتبة الكويتية، سلوى السعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفجوة بين الجنسين في سوق العمل هي ظاهرة ترصدها كثير من المنظمات الدولية ومنظمات التنمية وحقوق الإنسان حول العالم، وهي ظاهرة لها تداعيات واسعة وتسفر عن اختلالات كبيرة بالاقتصاد على المستوى العالمي، وتنعكس بشكل مباشر على المجتمعات وتطورها، وعلى مختلف القطاعات بما في ذلك مجالات أساسية مثل التعليم.
وتُبرز السعيد أبرز شواهد تلك الفجوة في عديد من البلدان حول العالم، بحيث تجد المرأة جملة من الصعوبات في سوق العمل، من بينها:
- عندما تتساوى شروط التوظيف بين الرجل والمرأة عادة ما يتم اختيار الرجل في المناصب القيادية
- طرق الترشح التقليدية للمناصب تخضع للشبكات الاجتماعية التي تخدم الرجل في أغلب الأحيان
- المرأة عندما تخرج من سوق العمل من الصعب عودتها إليه مرة أخرى
- هناك تفاوت ملحوظ في الأجور بين الجنسين، فضلاً عن التفاوت في الفرص بمجال الاقتصاد والأعمال بشكل خاص
وتعتقد الكاتبة الكويتية بأن "تمكين المرأة عملية متشابكة، بينما لا تستطيع المجتمعات التقدم وهي تقف على قدم واحدة، ولن تستطيع السير قدماً باتجاه التقدم والتطور الذي تطمح إليه دون إشراك المرأة (..) مع الأسف لايزال الطريق طويلاً.. التقارير تشير إلى 132 عاماً من العمل الجدي والحقيقي حتى نستطيع ردم تلك الفجوة".
وتشير السعيد إلى أن الفجوة تتخذ في كثير من الأحيان منحى مرتبطاً بثقافة العمل ذاتها في المنطقة العربية على سبيل المثال، بينما تعمل الحكومات على ردم تلك الهوة (..)". وتشير إلى تفاقم الأزمة بشكل خاص "في الدول المضطربة التي تشهد كثيراً من الإشكاليات السياسية والاقتصادية وتعد بعيدة عن العملية الديمقراطية والتمثيل السياسي والحريات وما إلى ذلك".
وترى السعيد أنه "بينما الحاجة ملحة لوضع خارطة طريق لإشراك المرأة في المناصب القيادية وتمكين المرأة ووضع تشريعات تحفز المرأة بسوق العمل، يحدث العكس بحيث تخرج القوانين في بعض البلدان بعيدة عن تلك الأهداف؛ مع وجود البرلمانات المشكلة من غالبية من الرجال، وبالتالي تخرج التشريعات دون إدراك لضرورة إشراك المرأة والتعامل مع قضاياها".