قبل عام تقريبا، حدث الأسوأ، فمع فجر يوم 24 من فبراير 2022، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بشن عملية عسكرية في أوكرانيا، لتبدأ معها بشكل أو بآخر، أزمة طاقة عالمية حقيقية.

الأزمة انتشرت في جميع أنحاء العالم، إذ تم إعادة توجيه التدفقات الضخمة للنفط والغاز والفحم، وتضررت العلاقات التجارية العالمية القائمة منذ فترة طويلة بشكل قد يصعب معه الإصلاح إذا ما انتهت الحرب، مما أدى إلى إعادة تشكيل خريطة الطاقة، التي من المحتمل أن تتفوق على أزمة الطاقة التي وقعت في السبعينيات.

بعد عقود من بناء سمعتها كمورد موثوق به للطاقة، تضرر اسم روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ تسبب قيام روسيا بوقف الصادرات إلى أوروبا في عواقب تمثلت في تغير أنماط الاستهلاك على الجهة المقابلة، كما عرقلت خطط الإنتاج المستقبلية، ودفعت العالم إلى تسريع عملية التحول نحو الطاقة الخضراء، الأمر الذي قد يجعل من الصعب استعادة موسكو لنفوذها السابق بالقطاع.

أخبار ذات صلة

بسبب العقوبات.. عملة روسيا تتراجع بعد انتهاء فترة سداد ضريبي
بعد مكاسب سابقة.. النفط يتحول للهبوط وسط وفرة في الإمدادات

التغييرات بقطاع الطاقة العالمي اليوم باتت مقياسا حاسمًا لجودة أداء الدول الغربية في جهودها لدفع الرئيس الروسي إلى خيار السلام.

يمول النفط والغاز آلة الحرب الروسية، وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من العقوبات الغربية طال قطاع النفط الروسي مؤخرًا، إلا أن النتائج الملموسة قد ظهرت بالفعل، فقد انخفضت عائدات روسيا من النفط والغاز لشهر يناير بنسبة 46 بالمئة على أساس سنوي، وهو تراجع حاد، حتى ولو كانت العقوبات مسببًا جزئيا له.

تاريخ تسليح الطاقة.. ونتائجه العكسية

للقصة جانب إيجابي، وهو أن قرار أحد المصدرين الرئيسيين للطاقة وقف صادراتها من الطاقة، من شأنه أن يخلص العالم من إدمان الكربون.

فبحسب تقرير شركة "ريستاد إينيرجي" النرويجية، فإن انبعاثات الوقود الأحفوري ستبلغ ذروتها بحلول عام 2025.

إلا أن هذه الحقيقة توضح مدى اعتماد العالم على النفط والغاز ومدى صعوبة التخلي عنهما، وحتى الان، لم تنته الحرب بعد، كما أن خريطة التحالفات العالمية مستمرة بالتغير.

الأمر الجيد، هو أن العالم قد شهد عمليات تسليح الطاقة من قبل في أزمات سابقة في سنوات 1951، و1967، و1973 وغيرها، بحسب تقرير نشرته "بلومبرغ"، والدروس الأساسية منها هو أن الأمد الطويل للعقوبات يجعل الدولة المعاقبة أكثر قدرة على التأقلم مع النتائج السلبية للعقوبات.

قد يكون بوتين مخطئًا في الاعتقاد بأنه قادر على الصمود أمام آثار العقوبات التي يصر عليها الغرب، إلا أن هذا لا يعني أن الوقت في صالح الدول الغربية أيضًا، ما يعني ضرورة التضييق على روسيا بشكل سريع.

أخبار ذات صلة

غازبروم نفط: خفض الإنتاج الروسي يهدف لتحقيق توازن السوق
إنتاج روسيا من الغاز الطبيعي يهبط 11 بالمئة في يناير

التاريخ يوضح أيضا أن الأزمات العالمية بقطاع الطاقة تأتي بعواقب غير متوقعة.

ومن ضمن هذه العواقب هو الغموض المتزايد حول التعاملات الروسية، حيث تتحرك صادرات الطاقة من روسيا، وتتدفق الأموال إليها بشكل يصعب معرفته، كما أن تعقب تحركات النفط الروسي واتجاهه بات صعبًا، وهي ظاهرة مسبوقة، لكنها لم تكن يومًا بهذا الحجم.

في نهاية المطاف، الأزمات المماثلة في السابق توضح أن تسليح الطاقة يأتي دوما بنتائج عكسية، إلا أن ذلك يستغرق وقتا، بسبب إعادة الاصطفاف الجيوسياسي، فرمبا ضحت روسيا بمكانتها كدولة قوية في تصدير الطاقة.

ورغم أن روسيا أثبتت مرونة لم يتوقعها الكثيرون، إلا أن ذلك لا يعني أنها أقوى، بل بسبب وجود قوى إقليمية غير غربية لديها احتياجات كبيرة من الطاقة، إلا أنها لا تنحاز إلى الغرب بشكل كبير، ما أعطى روسيا مساحة للخروج من العقوبات، وبالتالي يدفع العالم لإعادة التفكير في النهج السياسي المتبع في العادة.

تبعات أزمة الطاقة العالمية الراهنة تتضح يومًا بعد الآخر، والحرب مستمرة حتى الآن إلى أجل غير مسمى، والأزمات في الماضي قد تعطي احتمالات بشأن ما سيحدث مستقبلا، إلا أن المفاجئات قد تحدث في أي وقت، وتأثيرها لن يطول روسيا أو أوكرانيا أو دول الغرب فقط، بل العالم بأسره.