تشهد الأسواق المصرية حالة من عدم الاستقرار بالنسبة لأسعار عديد من المواد الأساسية والمنتجات الغذائية، وذلك قبيل أسابيع قليلة من حلول شهر رمضان، وسط توقعات بارتفاع مُعتاد لمعدلات التضخم خلال الشهر، في وقتٍ تعمل فيه الحكومة المصرية على تحقيق التوازن بالأسواق من خلال عديد من المبادرات المختلفة.
وبعد أن قفزت معدلات التضخم في مصر خلال شهر يناير الماضي لأعلى مستوى لها منذ أكثر من خمس سنوات، تسود توقعات متباينة بشأن اتجاهات معدلات التضخم في المرحلة المقبلة، في ضوء السياسات المتبعة من قبل البنك المركزي المصري لكبح جماح التضخم، وفي ظل التحديات الراهنة.
وكان الجنيه المصري قد فقد نحو 57 بالمئة من قيمته أمام الدولار الأميركي خلال العام 2022. وتقول الحكومة المصرية إن هدفها يتمثل في كبح جماح معدلات التضخم وليس سعر العملة المحلية، بعد اعتماد سعر صرف مرن، وفي ظل سلسلة من قرارات رفع الفائدة بمعدل 800 نقطة أساس خلال العام الماضي، بينما ثبت المركزي المصري سعر الفائدة في اول اجتماع له في 2023، مخالفاً التوقعات.
ذروة معدلات التضخم
الخبيرة المصرفية المصرية، سحر الدماطي، تقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن معدلات التضخم بلغت حدود الذروة في شهر يناير الماضي، مُتوقعة انخفاضاً تدريجياً في المعدلات بعد شهر رمضان المقبل.
تُظهر أحدث البيانات الرسمية ارتفاع معدلات التضخم السنوية في المدن المصرية خلال الشهر الأول من العام الجاري عند أعلى مستوى له في أكثر من خمس سنوات، على وقع زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية وأغلب السلع والخدمات الأخرى، متأثرة بانخفاض العملة المحلية.
- ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في مصر إلى 25.8 بالمئة في يناير، مقابل 21.3 بالمئة في ديسمبر، والذي كان الأعلى منذ ديسمبر 2017.
- على أساس شهري ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 4.7 بالمئة في يناير مقابل 2.1 بالمئة في ديسمبر، طبقاً للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- التضخم السنوي في المدن المصرية خلال يناير أعلى بكثير من متوسط التوقعات السابقة التي كانت تدور حول مستوى 23.75 بالمئة، بحسب استطلاع أجرته وكالة رويترز.
- البنك المركزي المصري ذكر أن معدل التضخم الأساسي في البلاد ارتفع إلى 31.24 بالمئة على أساس سنوي في يناير من 24.4 بالمئة في ديسمبر
وتُرجع الدماطي الارتفاع المُسجل بمعدلات التضخم إلى عاملين رئيسيين؛ العامل الأول مرتبط بسعر الصرف، والعامل الثاني يتعلق بسلوك الجشع لبعض التجار الذي أدى لارتفاعات مبالغ فيها بالأسعار، مشددة في الوقت نفسه على أن العوامل الخارجية مثل (ارتفاع أسعار النفط والغذاء ومدخلات الإنتاج وسعر الشحن، وتوقف سلاسل الإمداد ثم عودتها ببطء.. إلخ) جميعها عوامل متعلقة بـ "التضخم المستورد".
وترى الخبيرة المصرفية أن الإجراءات التي وصفتها بـ "القوية" التي اتخذها المركزي المصري خلال الأشهر الماضية كان هدفها كبح جماح التضخم، لا سيما فيما يتعلق بسحب السيولة من البنوك عبر الشهادات غير المسبوقة التي تم إصدارها بنسبة 25 بالمئة، والتي أسهمت في دخول 75 ألف عميل من خارج القطاع طبقاً لما أعلنه البنك الأهلي.
كما تشير إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبلاد (للشهر الخامس على التوالي). وطبقاً لبيانات المركزي المصري فإن الاحتياطي ارتفع إلى 34.224 مليار دولار في يناير الماضي، مقابل 34.003 مليار دولار في ديسمبر، وذلك بزيادة 221 مليون دولار.
يذكر أنه رغم تلك الزيادة لا يزال الاحتياطي النقدي لمصر منخفضاً بنسبة 16.5 بالمئة على أساس سنوي، إذ سجل الاحتياطي نحو 41 مليار دولار في يناير 2022.
- خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف مصر السيادي درجة واحدة إلى B3 من B2،في فبراير الماضي، مشيرة إلى تراجع حجم الاحتياطي والقدرة على امتصاص الصدمات الخارجية. بينما غيرت الوكالة نظرتها لمصر إلى مستقرة بدلاً من سلبية.
- ولا تتوقع الوكالة انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعاً.
تراجع تدريجي
وعن قرب حلول شهر رمضان -الذي عادة ما ترتفع فيه معدلات التضخم لتزايد الاستهلاك والطلب- توضح الدماطي في معرض حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن القوة الشرائية للمواطنين انخفضت بشكل ملحوظ، وبينما كان من المعتاد مع دخول شهر رمضان ارتفاع المعدلات الاستهلاكية، إلا أنه يُتوقع أن العام الجاري ستكون معدلات الطلب أقل مع انخفاض القدرة الشرائية.
وترى الخبيرة المصرفية أن نسبة الـ 31.24 بالمئة (معدلات التضخم لشهر يناير) تشكل الذروة المحتملة، بينما مع احتمال زيادة أسعار الوقود في الاجتماع القادم للجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، فإن ذلك الأمر من شأنه أن ينعكس على ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، بينما بعد رمضان وبين شهري مايو ويونيو يُتوقع أن تتراجع معدلات التضخم تدريجياً.
يأتي ذلك فيما يستبعد فيه صندوق النقد الدولي انحسار موجة ارتفاع معدلات التضخم في مصر قبل نهاية العام 2024 ليسجل نحو 7 بالمئة في 2024-2025، طبقاً للبيانات التي أفصحت عنها رئيس بعثة مصر في الصندوق، إيڤانا هولر.
وكان الصندوق قد خفض توقعاته السابقة لنمو الاقتصاد المصري إلى 4 بالمئة في العام الجاري، بعد أن كانت بحدود 4.4 بالمئة.
فجوة بين السياسات والتطبيق العملي
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي المصري الدكتور السيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن ثمة فجوة واضحة بين التوجيهات العليا من الحكومة والتنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، في إشارة إلى عدم السيطرة الكاملة على الأسواق في سياق تطبيق الحدود السعرية الملائمة لأسعار السلع دون مغالاة من قبل التُجار، وبما يتطلب مزيداً من الرقابة ورفع الأعباء عن المواطنين.
ويتابع: "مع دخول شهر رمضان ترتفع معدلات الاستهلاك، وبما يتطلب تحقيق التوازن في السوق بشكل عاجل، حتى يشعر المواطنون بالدعم والمساندة الحكومية في ظل تلك الأوضاع.. في وقت تسعى فيه الدولة المصرية لتطبيق ذلك من خلال المبادرات الهادفة لتوفير السلع بأسعار مناسبة من خلال المنافذ الرسمية، وهي المبادرات التي يتعين التوسع فيها لتصل إلى كل مكان".
كما يلفت إلى مبادرات أخرى هادفة لتحقيق التوازن المنشود للتخفيف من وطأة ارتفاع الأسعار، من بينها فتح باب الاستيراد أمام بعض السلع الغذائية المُهمة مثل "الدجاج البرازيلي" بأسعار أقل من أسعار السوق، وبما يسهم في ضبط الأسعار وتوفير بدائل للمواطنين.
ومع ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي المصري بأنه حال عدم التوصل لحالة من الاستقرار الداخلي في الأسعار، فإن معدلات التضخم مرشحة للزيادة في المرحلة المقبلة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنه خلال الشهر الجاري يحل موعد استحقاق شهادات الـ 18 بالمئة التي سبق وتم طرحها قبل عام، وبما يعني خروج سيولة ضخمة تقدر بنحو 750 مليار جنيه، مما سيؤثر بالتالي على معدلات التضخم، وسط توقعات بإصدار شهادات جديدة لجذب تلك السيولة.