أكد خبراء اقتصاد أن زيادة حجم الإنفاق العسكري للعديد من الدول وخصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022، تركت آثاراً سلبية على شبكات الضمان الاجتماعي للفئات الأضعف اجتماعياً وإن كانت بنسب متفاوتة بين دولة وأخرى.
توقع معهد الأبحاث "ماكنزي" في دراسة أجراها حول تأثير حرب الحرب الروسية الأوكرانية على الإنفاق العسكري لدول حلف الناتو إضافة للسويد وفنلندا وأستراليا، ارتفاع النفقات العسكرية خلال الفترة بين 2021 و2026 بنسبة 53 بالمئة، لتصل الزيادة إلى 453 مليار دولار سنوياً على أقل تقدير، ليرتفع مجموع ما ستنفقه هذه الدول على الدفاع إلى أكثر من 2 تريليون دولار بحلول عام 2026.
وفيما أعلنت ألمانيا تخصيص 100 مليار دولار للنفقات العسكرية بُعيد الحرب، وسير فرنسا على ذات النهج بإعلانها إنفاق 400 مليار دولار بين عامي 2024 و2030، وكذلك تخصيص بريطانيا 3 بالمئة من الناتج المحلي للإنفاق العسكري بحلول عام 2030، اتجهت اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية بميزانية ضخمة للإنفاق على الجيش عندما كشفت النقاب عن ميزانية قياسية للسنة المالية المقبلة اعتبارا من أبريل تبلغ 863 مليار دولار، مدفوعة بزيادة الإنفاق العسكري.
3 أهداف لزيادة موازنات التسليح
الخبير الاقتصادي، وضاح الطه، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "هناك ثلاثة أهداف تلجأ من أجلها الدول لزيادة إنفاقها على التسليح منها ما يعود إلى محاولة بعض الدول الحفاظ على تفوقها العسكري وهو ما ينطبق على الولايات المتحدة على سبيل المثال حيث يصل الإنفاق العسكري في موازناتها إلى 800 مليار دولار، ومنها ما يعود إلى محاولة بعض الدول توسيع مناطق نفوذها كما يحصل في الصين التي توسع مناطق نفوذها في آسيا والمحيط الهادي، وهناك نوع ثالث يتجلى في الدول التي تزيد ترسانتها العسكرية لمواجهة تهديدات عدوانية محتملة كإجراء وقائي ورادع".
وقال الطه إن الحرب الروسية الأوكرانية أعطت مبررات إضافية للدول من أجل تعزيز إنفاقها العسكري، إذ تعتقد دولاً أوروبية أن هناك روسيا قد توسع عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا بشكل أكبر، وهو ما رفع الموازنات العسكرية في ألمانيا وفرنسا على سبيل المثال وبالمقابل رفعت روسيا موازنتها العسكرية وأعادت تشكيل بعض القطاعات الصناعية كما حصل في تقليص صناعة السيارات نظراً للحاجة إلى المعادن في صناعة الصواريخ والمعدات العسكرية ما أدى إلى انخفاض حجم مساهمة قطاع السيارات في الناتج المحلي الإجمالي الروسي، بحسب الطه.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الحرب دفعت الكثير من الدول للتخلي عن سياسة خفض الإنفاق العسكري ما أرهق ميزانياتها وشكل ضغطاً على أفرادها واقتصاداتها لا سيما البلدان الأوروبية، ليضاف هذا الضغط إلى التداعيات التي أحدثتها الحرب ومنها ارتفاعات التضخم والزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة.
وأوضح أن انعكاسات مضاعفة حجم الإنفاق العسكري بعد مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية ستبدو واضحة من خلال التقارير التي ستظهر في المستقبل القريب من قبل المؤسسات الدولية، ودعا السياسيين إلى التحلي بالحكمة والحد من سباق التسلح وأن يكونوا أكثر قدرة على مواجهة التداعيات الاقتصادية التي تواجهها بلدانهم.
وقال: "لو كان هناك تفكير بشكل عقلاني أكثر لتوجه إنفاق هذه الموازنات على التطوير الاجتماعي وتحسين شبكات الضمان الاجتماعي كما توصف من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بهدف الحفاظ على الفئات الأضعف اجتماعياً، وأن يكون هناك نوع من العزم والدفع نحو نمو الاقتصادات الوطنية في العالم وأن يكون الإنفاق أكثر رصانة وقدرة على مواجهة التداعيات الاقتصادية، لكن يبدو أن هذا الموضوع بات خارج عن السيطرة طالما هو بيد سياسيين لا يتمتعون بما يكفي ربما من الحكمة التي تستطيع الحد من سباق التسلح".
وشدد الطه على أهمية عدم الاقتراب من المخصصات المرصودة للضمان الاجتماعي ودعم الفئات الأضعف في المجتمع.
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي علي حمودي أن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ نحو عام أعادت الدول الأوروبية وخصوصاً ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لإجراء تقييم للدفاع والأمن، وجعلتهم يراجعون الفرضيات التي كانت قائمة أساساً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بأن "الصراع على نطاق واسع في القارة الأوروبية غير مرجح في القرن الحادي والعشرين".
وأضاف أنه "نتيجة الحرب التي اندلعت ونشهد تداعياتها الآن.. كانت أهم الإجراءات التي اتخذتها الدول هي زيادة الإنفاق العسكري وتطوير النظم الدفاعية ناهيك عن مساعدة أوكرانيا دفاعياً، لكن السؤال هل يؤثر ذلك على ميزانيات الدول وخاصة الأوروبية لجهة شبكات الحماية الاجتماعية".
تداعيات اقتصادية للحرب
ويجب حمودي نفسه على التساؤل قائلاً: "لن يؤثر ذلك بشكل مباشر على الخدمات والحماية الاجتماعية، إذا أنه مهما رفعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة من نسب إنفاقها على الدفاع لا يضر ذلك بشكل كبير بالمنظومة الاجتماعية، أما الذي ترك الأثر الواضح على المجتمع وعلى اقتصاد الأفراد بشكل أكبر من موضوع الإنفاق على الحماية الاجتماعية، هو تداعيات الحرب ومنها ارتفاعات التضخم والارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة منذ بدء الحرب على الرغم من استقرارها الآن بعض الشيء، وخصوصاً أن زيادة الإنفاق العسكري يساعد عادة على إيجاد وظائف جديدة، إذ هناك من يرى أن الإنفاق على التسليح بشكل كبير يحول المواهب والمهارات نحو البحث والتطوير العسكري إلى جانب التطوير المدني".
"ويختلف تأثير الإنفاق العسكري يختلف من دولة إلى أخرى، فإذا تحدثنا عن أوكرانيا بالتحديد فإن حزم الحماية الاجتماعية لديها تضررت بشكل كبير، حتى أن المواطن الأوكراني ناله الضرر أيضاً جراء نقل الدولة للكثير من مواردها وحتى مصانعها إلى الأعمال العسكرية جراء الحرب"، بحسب ما قاله حمودي.
من جهته يشير الخبير الاقتصادي، حسين القمزي، إلى أن العديد من البلدان ولا سيما الأوروبية زادت من إنفاقها العسكري في عام 2014 بعد اقتحام القوات الروسية لجزيرة القرم وضمها للدولة الروسية.
وأوضح أن الإنفاق العسكري العالمي ارتفع بنسبة 4 بالمئة في عام، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) ، وهي أول زيادة بعد خمس سنوات من انخفاض النفقات العسكرية، كما استمر الإنفاق العسكري العالمي في الزيادة في العام 2016 بنسبة 0.4 بالمئة، وفي العام 2017 بنسبة 1.1 بالمئة.
وفي أوروبا على سبيل المثال زاد العديد من الدول من إنفاقها الدفاعي بشكل كبير منذ عام 2014، حيث وصلت نسبة الزيادة في بولندا 36 بالمئة بين عامي 2014 و2019، بينما زادت ليتوانيا إنفاقها بنسبة 55 بالمئة خلال نفس الفترة، وكذلك فعلت دول أخرى مثل لاتفيا وإستونيا ورومانيا لنشهد الآن في الكثير من الدول الأوروبية وخصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت قبل عام مضاعفة حجم الإنفاق العسكري سعياً لتحسين القدرات الدافعية والرد على "التهديد المتصور للمواجهة العسكرية مع روسيا".
لكن القمزي يوضح أن تأثير هذا الإنفاق على موازنات الدول وشبكات الحمية الاجتماعية يختلف من دولة إلى أخرى، حيث أن دولاً قريبة مثل بولندا و استونيا تتأثر بنسب كبيرة، بينما الدول الأبعد تأثرت بنسب قليلة وخاصة بريطانيا التي تمر بفترة اقتصادية عصيبة.