كيف يتم تحديد سعر العملة في دولة ما؟ وما الذي يتحكم في قوتها أو يتسبب في ضعفها؟ ولماذا هناك عملات قوية مثل الين الياباني، قيمتها أقل من عملات دول أخرى اقتصادها ليس بقوة الاقتصاد الياباني كالدينار الكويتي على سبيل المثال؟
بالإجابة على هذه الأسئلة، التي غالباً ما تدور في أذهان الناس بمختلف شرائحهم واهتماماتهم وتخصصاتهم، يؤكد خبراء اقتصاد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تحديد أسعار العملات يتم بطريقتين رئيسيتين هما السعر العائم والسعر الثابت، وأن هناك العديد من العوامل المحلية والدولية التي تتحكم بقوة العملة مثل الطلب والعرض وأسعار الفائدة والتضخم والنمو في الاقتصاد المحلي، والميزان التجاري وغيرها.
ويشير الخبراء إلى أن الدولار الأميركي يعد أقوى عملة في العالم، بل إنه لا يزال حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي منذ منتصف القرن العشرين خاصة بعد اتفاقية بريتون وودز عام 1944.
كيف يتم تحديد أسعار العملات؟
الدكتورة نيفين حسين شمت المختصة بالشؤون الاقتصادية الدولية تشرح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه يمكن تحديد أسعار العملات بطريقتين هما السعر العائم والسعر الثابت، مشيرة إلى أن "تحديد السعر العائم يتم من خلال العرض والطلب في أسواق العملات العالمية، فإذا كان الطلب على العملة مرتفعاً ترتفع قيمتها، وإذا كان منخفضاً فسوف يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملة، ويتم تحديد السعر الثابت من قبل الحكومة من خلال بنكها المركزي، حيث يتم تحديد السعر مقابل عملة عالمية رئيسية أخرى مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو الين، وللحفاظ على سعر الصرف، تقوم الحكومات بشراء وبيع عملتها مقابل العملة المربوطة بها".
معظم العملات العالمية عائمة
ويتم تحديد الأسعار المتغيرة من خلال قوى العرض والطلب في السوق، ويمكن أن تؤدي التحركات الشديدة على المدى القصير إلى تدخل البنوك المركزية، طبقاً للدكتورة شمت، التي نوهت إلى وجود عدة عوامل تؤثر على أسعار الصرف مثل سعر الفائدة ومعدل البطالة ومعدل التضخم والناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الشائعات والكوارث التي تؤثر على العرض والطلب اليومي على العملة، وتعتبر معظم العملات العالمية الرئيسية عائمة، فقد تتدخل البنوك المركزية والحكومات إذا أصبحت عملة الدولة مرتفعة جدا أو منخفضة جداً.
مخاطر ارتفاع قيمة العملة أو انخفاضها
وبحسب المختصة بالشؤون الاقتصادية الدولية الدكتورة شمت، فإن العملة المرتفعة جداً أو المنخفضة جداً تؤثر على اقتصاد الدولة بشكل سلبي وخصوصاً على التجارة الخارجية والقدرة على سداد الديون وعلى الموقف الائتماني للدولة، لافتة إلى أن انخفاض قيمة العملة جداً مقابل الدولار مثلاً يؤدي إلى رفع فاتورة الاستيراد كما يضعف القدرة على سداد الديون الأمر الذي سيؤثر على الموقف الائتماني للدولة في التقارير العالمية، أما في حال كانت قيمة العملة مرتفعة جداً فهذا سيؤدي إلى فقدان الميزة التنافسية للتصدير ما سيترك أثراً سلبياً على التجارة الخارجية للدولة.
أهم العوامل المتحكمة بقوة العملة
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي علي حمودي أن تحديد قوة العملة يتم من خلال تفاعل مجموعة متنوعة من العوامل المحلية والدولية في مقدمتها:
- أسعار الفائدة: تساعد أسعار الفائدة المرتفعة على تعزيز قوة العملة لأن المستثمرين الأجانب يمكنهم الحصول على عائد أعلى من خلال الاستثمار في هذا البلد.
- السياسات الاقتصادية: يساعد الانضباط المالي الصارم والسياسات النقدية المناهضة للتضخم على تعزيز قوة العملة.
- الاستقرار: إن وجود حكومة قوية ومستقرة مع سيادة راسخة للقانون وتاريخ من السياسات الاقتصادية البناءة يعد من العوامل التي تجذب الاستثمار وبالتالي تعزز قوة العملة، وفي حالة الدولار الأميركي، فإن قوته تتعزز بشكل أكبر من خلال حقيقة أن السلع الأساسية يتم تداولها بشكل عام بالدولار مثل النفط والقمح والسكر وما إلى ذلك، وتستخدم العديد من البلدان الدولار كعملة احتياطية لها.
استقرار العملة أهم من قوتها
وبالحديث عن الاستقرار، فإن الحكومات وصناع السياسة النقدية غالباً ما يسعون إلى استقرار عملاتهم أكثر من جعلها قوية، لأن العملة القوية تجعل صادرات الدولة أكثر تكلفة مما يضر بالقدرة التنافسية التجارية لتلك الدولة، ومن ناحية أخرى، فإن ضعف العملة يجعل الواردات أكثر تكلفة مما يؤدي إلى زيادة التضخم المحلي، لذا فإن المسار المثالي هو التصويب على الوسط وتجنب التقلبات المزعزعة للاستقرار، بحسب حمودي.
العملات بين ارتفاع القيمة وقوتها
ورداً على سؤال حول وجود عملات قوية مثل الين الياباني، قيمتها أقل من عملات دول أخرى اقتصادها ليس بقوة الاقتصاد الياباني مثل الدينار الكويتي يجيب الخبير الاقتصادي حمودي: "هناك عدة أسباب لهذه الحالة، بكيفية تحديد سعر العملة وقوة الاقتصاد، وبالنسبة للدينار الكويتي فسعره ثابت ومحدد من قبل المصرف المركزي، بمعنى أنه مرتبط بسلة عملات أجنبية من بينها الدولار ولا يتأثر بقانون العرض والطلب الاقتصادي المتعارف عليه في العملات الأخرى ومنها الين الياباني، وبالتالي فإن الدينار يستمد قوته من الدولار بالإضافة إلى أن الاقتصاد الكويتي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط التي تشكل الغالبية العظمى من دخل الدولة وأرباحها، باعتباره أي النفط لا يزال سلعة مهمة جداً لجميع دول العالم، في حين أن الين الياباني عملة قديمة جداً وتستمد قوتها كعملة حرة من قوة الاقتصاد الياباني الذي يصنف كثالث أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن أن الاقتصاد الياباني يحقق فوائض تجارية بشكل دائم ومن هنا يستمد الين قوته حيث يعتبره الكثير من المستثمرين من أصول الملاذ الآمن".
ويُرجع حمودي مكانة الدولار باعتباره العملة الأقوى في العالم إلى أن احتمالية أن تواجه الدولة التي تطبعها (الولايات المتحدة الأميركية) الإفلاس ضعيفة بشكل كبير، ولذلك يمثل الدولار العملة الاحتياطية الأكبر لأغلب البنوك المركزي في العالم حتى الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم تستثمر فائض تجارتها العالمية بشراء سندات الخزانة الأميركية.
وبالمقابل لفت حمودي إلى أن هناك دول عملتها ضعيفة بعض الشئ لكن اقتصادها قوي مثل الصين التي تعتمد بشكل كبير ولسنوات طويلة على تصدير منتجاتها وهو ما أوصلها لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي من مصلحتها تكون عملتها (اليوان) ضعيفة بعض الشي أو بسعر تعود عليه المستهلك.
الدولار أقوى عملة في العالم.. لماذا؟
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي إلى أن الدولار الأميركي يشكل حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي منذ منتصف القرن العشرين، ويمكن القول إنه على الرغم من تداعيات الدولار القوي عالمياً والأوضاع المالية العالمية الأكثر تشدداً، فإن ارتفاع الدولار أو ثباته النسبي يرجع لأسباب منها ما يتعلق بقوة الاقتصاد الأميركي ورفع أسعار الفائدة بوتيرة ثابتة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
لكن الدكتور الشناوي يرى أن هناك عدداً من الأساسيات الاقتصادية التي تعتبر عاملاً رئيسياً في ارتفاع قيمة الدولار ومنها، ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، تنوع الصناعات وتعددها في الاقتصاد الأميركي مقارنة باعتماد دول أخرى على عدد قليل من الصناعات أو صادرات السلع مما يجعلها أكثر عرضة للدورات الاقتصادية، وثقة المستثمرين وتطلعهم إلى شراء العملات ذات معدلات الفائدة المرتفعة مما يخلق معدل عائد احتياطي على صرف عملاتهم، حيث أن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل العملة أكثر جاذبية وبالتالي في البيئة الاقتصادية المتنامية سيؤدي ذلك الوضع إلى جعل المتداولين يتمتعون بنظرة إيجابية لارتفاع الدولار.
ويتابع الدكتور الشناوي: "كما أن الانفاق الاستهلاكي يحرك الاقتصاد الأميركي ولذلك فان التوسع في النمو يخلق المزيد من الوظائف والأجور الأعلى وهذا يساعد على تحفيز الاقتصاد بشكل كبير وبالتالي فإن زيادة معدل النمو يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم وتوقعات زيادة أسعار الفائدة، وأخيرا زيادة الاستثمار الأجنبي والطلب من الشركات خارج الاقتصاد الأميركي تمثل عاملاً مهماً في تعزيز الدولار".
وخلص الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي إلى ثلاثة عوامل تحكم الدولار الأميركي هي:
- تغيرات سعر الفائدة الفيدرالية: وهو سعر الفائدة الذي تقرض به البنوك التجارية بعضها البعض ما لديها من احتياطات إضافية على أساس ليلة واحدة وهو بمثابة سعر الفائدة الأساسي للتحكم في المعروض النقدي من مجلس الاحتياطي الفيدرالي وهذا يؤثر على التضخم وكذلك على أسعار صرف العملات ومنها الدولار.
- أداء الاقتصاد الأميركي: حيث ترتفع قيمة الدولار إذا كان الأداء جيد وهذا ما حدث بعد صمود الاقتصاد الأميركي بعد جائحة كورونا.
- عدم الاستقرار السياسي والأحداث غير المتوقعة، حيث يميل المستثمرون إلى نقل الثروة إلى عملات أكثر أمانا وأقل تقلباً في حالة عدم اليقين الجيوسياسي يتجه المستثمرون إلى الملاذ الأمن مثل الدولار.