اعترفت مفوضة الطاقة الأوروبية، كادري سيمسون، في لقاء خاص مع سكاي نيوز عربية، بأن الاتحاد الأوروبي ارتكب أخطاء في تعامله مع ملف الطاقة، أظهرتها الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي سيبذل جهودا لمنع تكرار هذه الأخطاء من خلال تنويع إمدادات الطاقة ومصادرها.
"سوء التقدير بعيد المدى هو الاعتماد على مورد واحد.. ورغم لجوئنا حاليا إلى موردين موثوقين بدلاء، فإننا عازمون على عدم الوقوع مجدداً في الخطأ ذاته، بل سنعتمد على شركاء متعددين عبر تنويع مصادر الإمداد"، بحسب ما قالته سيمسون، في مقابلة مع برنامج عالم الطاقة على شاشة "سكاي نيوز عربية".
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من العام الماضي، ظهرت أزمة طاقة حادة في أوروبا، بعد قطع إمدادات الغاز الروسية للقارة، وارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير، لكن الدول الأوروبية تمكنت من تخزين كميات كبيرة من الغاز، وهو ما ساعدها في تجاوز كارثة كانت متوقعة على نطاق واسع في فصل الشتاء خاصة مع الطقس المعتدل على غير العادة، وتقليص الاستهلاك.
وقالت سيمسون: "صحيح أن العام الماضي مَثَّل تحدياً كبيراً لنا. لكنَّ الشتاء المقبل سيكون بدوره محفوفاً بالتحديات. ويعود هذا لكون أوروبا كانت تعتمد كثيراً على الإمدادات التي كانت تتلقاها من روسيا، حيث أن 40 بالمئة من الغاز الطبيعي الذي نستخدمه في أوروبا لتدفئة منازلنا وتوليد الكهرباء وتشغيل مواقعنا الصناعية كان يأتي من روسيا، وعندما نفقد بين عشية وضحاها فاعلاً بهذا الوزن ضمن موردي الطاقة في السوق، فإن ذلك يطرح تحدياً حقيقياً".
وأضافت مفوضة الطاقة الأوروبية، إن دول القارة نجحت في مواجهة هذا التحدي، عبر التعامل مع شركاء موثوقين آخرين وافقوا على زيادة إمداداتهم عبر خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال.
"حصلنا على 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال أكثر من العام الذي سبقه.. وفوق هذا، تلقينا إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من النرويج والمملكة المتحدة وأذربيجان"، بحسب ما قالته سيمسون.
تراجع الاستهلاك
قالت سيمسون، إن الكميات التي حصلت عليها الدول الأوروبية من الغاز البديل للإمدادات الروسية، لم يكن كافيا "لذلك كان علينا خفض استهلاكنا، وقد فعلنا هذا وقلصنا استهلاكنا بنحو 20 بالمئة".
وأضافت: "لم نفعل ذلك عبر خفض نسبة التدفئة مثلاً، بل من خلال تعويض جزء من حاجاتنا من الكهرباء من الطاقات المتجددة، وهذا يعني أننا لم نكن بحاجة إلى أن تظل محطاتنا لتوليد الطاقة من الغاز تعمل 24 ساعة في اليوم أو طوال أيام الأسبوع".
وأشارت إلى أن نجاح أوروبا في ملء مخزوناتها وتقليص الاستهلاك، ساهم في تراجع أسعار الغاز إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
مخزونات كبيرة
قالت مفوضة الطاقة الأوروبية، إن مخزونات الدول الأوروبية تحت الأرض بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، "ولذلك نحن أكثر استعداداً لاستقبال الشتاء المقبل مما كنا عليه عندما بدأت روسيا حربها على أوكرانيا".
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يتعامل أيضا بشكل خاطئ مع هذه المخزونات، حيث لم يكن يعتبرها ذات أهمية استراتيجية، وذلك بسبب نمط استهلاكه.
"نحن نستهلك خلال فصل الشتاء أكثر مما نستهلكه في بقية فصول العام بنسبة 40 بالمئة، ولهذا نحتاج للمخزونات"، بحسب ما قالته سيمسون.
وأضافت: "كانت مواقع تخزين كبيرة عدة تابعة لشركة غازبروم الروسية ثم تركتها فارغة، وهذا سبب بدوره ضغطاً على السوق العام الماضي.. ولكننا اليوم نشعر بأن كل شيء تحت السيطرة ونعتبر البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال بنية استراتيجية، ولعل هذا من الأسباب التي جعلتنا نُطلق مخازن مؤقتة لتأمين حاجاتنا من الغاز، وهو أمر طبقناه أيضاً على المنتجات النفطية".
وأشارت سيمسون إلى الصعوبات المتعلقة باستيراد الغاز المسال، "فسوق الغاز الطبيعي المسال هي سوق عالمية، والمشترون الأوربيون عليهم أن يستحضروا بأن هناك تنافساً مستمراً مع الأسواق الآسيوية، وكان هذا أحد الأسباب التي جعلتنا في فصل الربيع الماضي عاجزين عن توقع نجاحنا في تعويض الغاز الطبيعي الروسي بإمدادات بديلة أخرى بنسبة 100 بالمئة".
وأضافت: "كان واضحاً دوماً أنه سيتعين علينا تعويض جزء من الإمدادات المفقودة من روسيا بطاقات بديلة متجددة أو عبر التخزين الذي جعلناه أولوية. وعلى الصعيد الدولي، هناك حدود بشأن مدى سرعة زيادة منتجي الغاز إنتاجهم. فالأمر يتطلب سنوات. لكن إمدادات الغاز الروسية تقلصت مسبقاً في السوق العالمية".
العودة لاستخدام الفحم
قالت مفوضة الطاقة الأوروبية، إن القطاع الأبرز الذي لا يزال يستخدم الفحم في أوروبا حاليا هو توليد الكهرباء، مشيرة إلى أن أوروبارغم ذلك ملتزمة بالتوقف عن استخدامه في مرحلة ما قبل حلول 2035.
"علينا أن نستحضر أن استخدام الفحم لتوليد الكهرباء سيكون دائماً أكثر تكلفة من إنتاج الطاقات المتجددة، بالنظر إلى الثمن الذي ندفعه من الانبعاثات الكربونية.. وهذا يعني أن الطاقات المتجددة يمكنها سد حاجاتنا وأن محطات توليد الكهرباء من الفحم ستضرنا أكثر مما تنفعنا"، بحسب ما قالته سيمسون.
ولجأت دول أوروبية عدة إلى الفحم من أجل تعويض نقص الطاقة عقب نقص الإمدادات من روسيا، وأعادت بعض الحكومات عمل محطات كهرباء تعمل بالفحم بعد ما كانت تخطط لإغلاقها، كما توسعت دول أخرى في افتتاح مناجم للفحم.
لكن مفوضة الطاقة الأوروبية قالت إن "الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي سبق أن تعهدت بالتوقف عن استخدام الفحم في مرحلة ما، قبل حلول 2035. وقد توقف نصف الأعضاء مسبقا عن استعمال الفحم، بينما تعهد الآخرون بالوفاء بوعودهم وقالوا إنهم لن يحتاجوا للفحم لتوليد الكهرباء بعد عام 2035".
الكوكب لن يتحمل
قالت سيمسون: "ندرك أننا في خضم مرحلة انتقالية.. فهناك ملايين الأشخاص المحرومين من الكهرباء. ولا يمكننا سد الحاجات الحالية بإنتاج المزيد من الوقود الأحفوري، لأن كوكبنا لن يتحمل. وفي هذا الصدد، يُفضل أن نستثمر موارد كثيرة في البحث والابتكار ونُوجِد حلولاً رخيصة عادلة، لأن الرياح والشمس متوافرة في كل مناطق العالم، كما أنه ليس بإمكان كل دولة إنتاج النفط أو الغاز.. وهذه الطاقات المتجددة يجري إنتاجها محلياً، وهذا يعني أن فرص الإنتاج متاحة لكل دولة على حدة".
وأضافت: "في الوقت الراهن، ما تزال أوروبا ملتزمةً بأن تتخلى عن الكربون، وسنحقق هذا عبر احترام تعهداتنا الوطنية في عملية اتخاذ القرار. وبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي أخبرونا بأنهم سيعتمدون على الطاقة النووية، وهو أمر مقبول. بينما قال آخرون إنهم يريدون الاستثمار بكثافة في التقاط الكربون وتخزينه، وهذا سيتيح لهم التقاط ثاني أوكسيد الكربون، وهو حل من شأنه مساعدة أسواق بلدان أخرى مختلفة حول العالم".
"أعتقد أن هذا جهد مشترك يُحتِّم على كل طرف الاضطلاع بدوره فيه.. وبالطبع شركات الطاقة الكبرى مؤهلة أكثر للتخلي عن الكربون في أنشطتها، لكن هذا مطلوب أيضاً من بقية دول العالم.. علينا الوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها في قمة باريس.. وإذا لم ننجح في الوفاء بالتزاماتنا، فإننا سنواجه كوارث مناخية، ولا أحد منا يرغب في عيش وضع كهذا"، بحسب ما قالته مفوضة الطاقة الأوروبية.