بعد إغلاق لمدة خمس جلسات، تُستأنف التداولات (الأربعاء) في بورصة اسطنبول، وذلك بعد الهزّات العنيفة التي تعرضت لها على أثر الزلزال المُدمر الذي ضرب عشر مدن تركية، الاثنين (6 فبراير)، مخلفاً أكثر من 37 ألف قتيل في كلٍ من تركيا وسوريا حتى الآن.
شهدت بورصة إسطنبول تراجعاً نسبته 16.2بالمئة خلال أول ثلاثة أيام بعد الزلزال (من 6 إلى 8 فبراير)، قبل أن يتم إلغاء تعاملات يوم الثلاثاء، وتعليق العمل بالبورصة لمدة خمسة أيام عمل.
وذكر بيان صادر عن بورصة إسطنبول حينها أن قرار تعليق الجلسات جاء "نظراً للزيادة في التقلبات وحركات الأسعار غير العادية بعد الزلزال، ومن أجل ضمان أداء موثوق وشفاف وفعال ومستقر وعادل وتنافسي للأسواق".
وشهدت أسهم مواد البناء ارتفاعاً واسعاً خلال الجلسات المذكورة، فيما سجلت باقي الأسهم تراجعاً حاداً، لا سيما أسهم شركات التأمين.
صندوق الثروة
وقبل يوم واحد من استئناف التداولات، كشفت وكالة بلومبيرغ، في تقرير لها الثلاثاء، نقلاً عن مصادر تركية مسؤولة، عن أن صندوق الثروة التركي يتجه لدعم الأسهم المتداولة بآلية داخلية جديدة تم إنشاؤها لاحتواء التداعيات التي تعرضت لها السوق جراء زلازل 6 فبراير.
وبحسب المسؤولين الذين هم على دراية مباشرة بهذا الملف، فإن ما يسمى بصندوق استقرار الأسعار سيتلقى رأس المال من المقرضين الحكوميين ويستخدم السيولة النقدية لشراء الأسهم في أوقات التقلبات.
يأتي ذلك في وقت تكثف فيه السلطات التركية من إجراءات تقديم الدعم للأسهم قبل استئناف التداول في البورصة من جديد غداً.
وكان عدد من خبراء سوق المال والمستثمرين قد طالبوا بتدخل "صندوق الثروة" في رسالة بعثوا بها إلى وزير المالية التركي، ضمن مجموعة من المقترحات والمطالب التي نشروها صباح الثلاثاء وتناقلتها تقارير محلية.
قائمة مطالبة أساسية
تضمنت قائمة المطالب 17 بنداً، جاء في مقدمتها مطالب بإلغاء التعاملات التي تمت يومي 6 و7 فبراير (يوم الزلزال واليوم الذي يليه) والذي تعرضت فيه البورصة لاهتزازات عنيفة.
لكن خبراء آخرون ذكروا أن "ثمة صعوبات من الناحية الفنية فيما يخص إلغاء العمليات التي تمت خلال اليومين المذكورين.
كما دعا المتعاملون في بيانهم إلى ضرورة الإبقاء على الحظر المفروض على عمليات البيع على المكشوف في بورصة إسطنبول لفترة زمنية معينة.
وطالب خبراء سوق المال في بيانهم المقدم للوزير، بضرورة تشجيع عمليات إعادة شراء أسهم الشركات المتداولة في البورصة، إضافة إلى تخفيض معدل الضريبة إلى الصفر لجميع المعاملات في برامج إعادة الشراء. ومن بين المقترحات التي قدّموها لدعم السوق المطالبة بعدم فرض ضريبة على دخل توزيعات الأرباح لهذا العام.
معارضة لاستئناف التداول قبل حصر الخسائر
بينما على الجانب الآخر، نقلت تقارير محلية عن مسؤولين بعدد من الشركات العاملة في المناطق المتضررة، قولهم: "لا ينبغي تداول أسهمنا قبل اكتمال تقييم الضرر".
ونقلت صحيفة Dunya الاقتصادية المتخصصة عن المدير العام لشركة Barem Ambalaj العاملة في قطاع التعبئة والتغليف، قوله إنه "ثمة بعض الأمور غير واضحة حتى الآن.. نعتقد بأنه من السابق لأوانه فتح سوق الأوراق المالية حالياً"، متحدثاً عن الجهود التي تتم حالياً لدراسة الموقف بالنسبة لمنشآت الشركة في غازي عنتاب التي لم تتعرض لأضرار جسيمة.
كما نقل التقرير عن مسؤول تنفيذي آخر في إحدى الشركات -لم يرغب في الإفصاح عن اسمه- قوله إن حجم الكارثة أكبر من المتوقع "ولسنا في وضع يسمح لنا بالتفكير في سوق الأوراق المالية في الوقت الحالي (..) موظفونا في وضع صعب للغاية، ولم نتمكن من بدء العمل بشكل كامل.. أعتقد بأن سوق الأسهم يجب أن تغلق هذا الأسبوع أيضاً".
بينما على الجانب الآخر، نقلت الصحيفة عن شركة SASA Polyester العاملة في قطاع النسيج والتي واصلت أنشطتها الإنتاجية بكامل طاقتها: "فتح البورصة لن يؤثر علينا.. نحن لا ننظر إلى سعر السهم ولا يهمنا ما إذا كان سينخفض أم لا.. ننظر إلى احتياجات المنطقة المتضررة". وكانت الشركة قد قدمت مساعدات إغاثية مادية وعينية واسعة للمتضررين.
وعقد وزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي، اجتماعاً مع مسؤولي البنك المركزي. وأفادت تقارير محلية بأن الوزارة تخطط لتقديم إعفاء ضريبي لزيادة عمليات إعادة شراء أسهم الشركات المتداولة في بورصة إسطنبول. كما أنه من المتوقع أن تتمكن الشركات المدرجة من إعادة شراء أسهمها دون دفع ضريبة الاستقطاع، والتي تبلغ حاليًا 15 بالمئة.
ونشرت بورصة إسطنبول، الثلاثاء، بياناً بالتغييرات التي سيتم إجراؤها في مبادئ تشغيل السوق على منصة الإفصاح العام (KAP) مع استئناف التداول.
توقعات متباينة لأداء البورصة
وقبيل بدء الجلسة، استطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" آراء عدد من الاقتصاديين والمتعاملين بسوق الأوراق المالية، ممن اختلفوا حول مدى جدوى استئناف التداول قبل حصر إجمالي الأضرار التي لحقت بالشركات.
وفي تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال الرئيس المؤسس لجمعية تنمية التجارة الخارجية في تركيا، رجل الأعمال هاكان سينار، إنه لم يكن يؤيد استئناف التداولات في الوقت الحالي بعد توقف لخمس جلسات، في إشارة للمخاوف المرتبطة بعدم استقرار الأوضاع وبما قد يفضي إلى مزيد من الخسائر.
وذكر الاقتصادي التركي أن تقدير الخسائر العامة جراء الزلزال يقدر بمليارات الدولارات، وإن ثمة احتياجات (اقتصادية) تفرض نفسها ليس فقط على المدى القصير إنما أيضا على المديين المتوسط والطويل، بالنظر إلى التأثير القوي للزلزال.
يتفق معه بالرأي أحد المتعاملين ببورصة اسطنبول ممن تواصل معهم موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" والذي قال: "أعتقد بأنه لم يكن ينبغي فتح الأسواق في هذه الفترة"، مشدداً على أن التوقعات صعبة للغاية في مرحلة يسودها الضباب بشأن حجم التداعيات الناجمة عن الزلزال وتأثيراتها الاقتصادية.
ويعلق على المطالبات المرتبطة بإلغاء تعاملات جلستي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بعد الخسائر التي منيت بها بورصة اسطنبول عقب الزلزال، مشيرا إلى أنه على ما يبدو سيكون إلغاؤها صعبا من الناحية الفنية.
بينما يؤيد المحلل الفني وخبير أسواق المال كورساد بوكاك، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" استئناف العمل بالبورصة، ويبدي تفاؤلا بتجاوز المرحلة على المديين المتوسط والطويل.
ويشير بوكاك، والنشط ببورصة اسطنبول على مدار 26 عاما، إلى أنه رغم أن آثار كارثة الزلزال ستسبب ضغوطا على المدى القصير لفترة من الوقت إلا أنه يتوقع تجاوز ذلك لاحقا، ليستهدف المؤشر مستويات 5700 و 6800 نقطة, بعدما كان قد أغلق عند مستويات بحدود 4500 نقطة.
وتوقع صعود أسهم الأسمنت في بورصة اسطنبول في ظل الوضع الراهن، مع تأثر أسهم التأمين، على اعتبار أن عشرات الآلاف من الأشخاص سيحصلون على التأمين الخاص بهم، بينما يتوقع أن يكون هناك اتجاه للتحسن بالنسبة لتلك على الأسهم على المدى المتوسط والطويل.