يعاني الدولار الأميركي منذ نهاية العام الماضي من تراجعات ملحوظة مقابل أغلب العملات الرئيسية، إذ بعدما وصل مؤشر الدولار الذي يقيس قيمة العملة مقابل 6 عملات رئيسية إلى مستويات تقترب من 115، عاد منذ أكتوبر الماضي ليواصل تراجعه، وعلى الرغم من محاولات ارتفاعه بعد البيانات الاقتصادية الإيجابية، إلا أن الأسواق يبدو أنها تخطط لأن يكون عام 2023 هو عام تراجع الدولار الأميركي وفقدان سطوته.
وشهد زوج اليورو/ دولار (اليورو في مقابل الدولار) تراجعات قوية خلال عام 2022 حيث فقد أكثر من 6 بالمئة من قيمته عندما تراجع من 1.15 دون مستويات التعادل للمرة الأولى منذ 2022، إلا أن الزوج بدأ في التعافي منذ نهاية العام الماضي، بل واصل ارتفاعه في عام 2023 من مستويات 1.0480 ليستقر الآن أعلى مستويات 1.10، أما بالنسبة لزوج الإسترليني/ دولار فقد عانى من انهيارات قوية خلال العام الماضي بتراجعات وصلت إلى أكثر من 10 بالمئة، حيث تراجع من مستويات الـ 1.3750 ليصل إلى 1.03 دولار، ومنذ بداية العام الجاري عاد الزوج مرة أخرى للارتفاع بنسبة 0.35 بالمئة ليقترب من مستويات 1.19 مجدداً.
وكان الين الياباني من أكثر العملات التي فقدت قيمتها مقابل الدولار الأميركي والتي تراجعت بأكثر من 13 بالمئة، حيث وصل زوج الدولار/ ين لمستويات قياسية لم يصل لها منذ عام 1998 بالقرب من 152، ومع بداية العام يواصل الين تعافيه مقابل الدولار مرتفاً بنسبة تقترب من 1 بالمئة منذ بداية العام فقط، ليستقر الدولار ين الآن بالقرب من مستويات 127.20.
البيانات الاقتصادية تدعم قوة الاقتصاد الأميركي
وعلى الرغم من توقعات انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود، إلا أن البيانات الاقتصادية تستمر في دعم الاقتصاد الأميركي وتمنع انهيار العملة الخضراء، حيث كان آخر تلك البيانات نجاح قطاع سوق العمل في إضافة أكثر من 500 ألف وظيفة في أول أشهر العام 2023 متخطياً أكثر من ضعف التوقعات، فيما تستمر البطالة في التراجع لتدعم استبعاد احتمالات أن ينزلق الاقتصاد الأميركي إلى الركود، وبعدها جاءت بيانات القطاع الخدمي لتؤكد على قوة وضع الاقتصاد الأميركي مقارنة بالدول التي تعاني من ضعف واضح في أغلب القطاعات مثل منطقة اليورو وبريطانيا، وفقاً لرائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة Equiti.
ماذا ينوي الفيدرالي الأميركي في عام 2023؟
الخضر يجيب على هذا التساؤل قائلاً: "بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في آخر اجتماعاته العام الماضي بخفض مسار رفع الفائدة في 2023، وبالفعل هذا ما حدث إذ تم رفع سعر الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية فقط بعدما وصل الرفع في العام 2022 إلى نصف نقطة و 75 نقطة مئوية في كل اجتماع متتالي بداية من شهر مارس 2022، ولكن أيضاً يجب أن نضع بعين الاعتبار أن تصريحات أغلب أعضاء الفيدرالي الأميركي لاسيما رئيس الفيدرالي جيروم باول تمنع انهيارات الدولار الأميركي، إذ أن تصريحات جيروم نجحت حقيقة في إجهاض توقعات تراجع الدولار".
فجيروم باول في كافة تصريحاته يؤكد على أن الاستمرار في رفع الفائدة ضروري للسيطرة على ارتفاع الأسعار، وتأتي تلك التصريحات بعد نجاح الفيدرالي طبعاً في السيطرة على كبح التضخم من مستويات 9 بالمئة ليستقر معدل ارتفاع الأسعار الآن بالقرب من مستويات 6.5 بالمئة ولكن بالطبع الطريق لايزال طويلاً كما أشار أعضاء البنك مع استهداف نطاق التضخم الصحي عند 2 بالمئة، طبقاً للخضر.
الضغوطات التي تواجه الدولار الأميركي
ويوضح رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة Equiti الخضر في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن أحد أهم التحديات التي تواجه الدولار الأميركي في العام 2023 استمرار التوترات الجيوسياسية العالمية، فالدولار الأميركي أمام تحد دولي كبير يتمثل بمحاولات التخلي عنه في التعاملات التجارية الدولية، وهذا ما يمثل خطراً على حصته في هذه التعاملات التي تعتبر أحد أهم العوامل المؤثرة على مستقبل العملة الأميركية في عام 2023، وقد تطرق رئيس الفيدرالي الأميركي في بعض أحاديثه إلى هذه النقطة الخطرة، فالتخلي عن الدولار في التجارة الدولية سينعكس تراجعاً في هيمنته على الأسواق".
ويضيف الخضر: "على الجانب الأخر، وبالرغم من تصريحات الفيدرالي بأنه سيستمر في رفع الفائدة خلال عام 2023، إلا أن الأسواق تتوقع أن يبدأ الفيدرالي في تثبيت سعر الفائدة بحلول النصف الثاني من 2023 طبقاً لأداة CME جروب، بل أن هناك نسبة ضعيفة تتوقع أن يعود الفيدرالي لخفض الفائدة من جديد بحلول تلك الفترة. الأمر الذي قد يضغط على الدولار في الفترة المقبلة لو استمر الوضع هكذا".
كلما اقترب الفيدرالي من نهاية حملة رفع الفائدة تهبط قيمة الدولار
من جهته، قال أشرف العايدي رئيس تنفيذي لشركة "Intermarket Strategy": يقترب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من نهاية حملة رفع الفائدة، وتاريخياً كلما اقترب الفيدرالي من هذه الخطوة يرافقها هبوطاً في قيمة الدولار، لكن سيعتمد مدى الهبوط في العملة الأميركية على مدى رفع سعر الفائدة في البنوك المركزية الأخرى وبخاصة البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الكندي، وكذلك يعتمد على مؤشرات النمو الاقتصادي".
وأضاف العايدي في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إذا وقع الركود كما حدث في العام 2008 فهذا سيقضي على الطلب على السلع ومن الممكن أن يساعد الدولار، لكن السيناريو الرئيسي الذي يمهد الطريق لهبوط متواصل في الدولار إن لم نقل سقوطاً حراً هو استقرار النمو الاقتصادي العالمي، بينما أي هبوط أو تصحيح في التضخم سيكون مؤقتاً، والخطر الأكبر ما هو المتوقع في حال ارتفاع معدلات التضخم مجدداً الأمر الذي سيجبر البنوك المركزية في العالم بما فيها الفيدرالي الأميركي على رفع الفائدة وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الدولار".
الدولار يمكن أن ينخفض لكن سيحافظ عل مكانته العالمية
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: "منذ إطلاق التيسير الكمي، يتساءل البعض.. هل سينهار الدولار الأميركي؟، قد يبدو التساؤل معقولاً ظاهرياً، لكن أن تحدث أزمة عملة في الولايات المتحدة يكاد يكون الأمر استحالة، فالدولار أهم عملة احتياطية في العالم ويتم تسعير جميع السلع العالمية بها، ومن خلال وضعه كعملة احتياطية يحصل الدولار على شرعية إضافية في نظر المستخدمين وتجار العملات والمشاركين في المعاملات الدولية من خلال ذلك".
ويضيف القمزي: "يمكن أن تنخفض قيمة الدولار الأميركي وهذا من طبيعة العملات، لكنه سيحافظ على مكانته كعملة عالمية مهيمنة، أما الأصوات التي تظهر كلما انخفضت قيمة الدولار بأنه حان وقت انهيار الدولار فهذه أمنيات من قبل بعض الدول، ففي السنوات القليلة الماضية شكلت نسبة الاحتياطيات العالمية بالدولار الأميركي في جميع بنوك دول العالم نحو 60 بالمئة، فالدولار سيبقى مهيمناً وهناك عملة واحدة قد تتحداه وهي اليورو وليس اليوان الصيني".