في مواجهة الدعم المالي الأميركي الهائل، مهد قادة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الجمعة الطريق لمزيد من تخفيف القواعد الخاصة بالمساعدات الحكومية في التكتل لكن بطريقة "محددة الأهداف وموقتة ومتكافئة" لتجنب تشتت في السوق الموحدة.
على صعيد إعانات الدولة، قال رؤساء دول وحكومات الاتحاد في بيان مشترك "يجب أن تكون الإجراءات أبسط وأسرع وأكثر قابلية للتوقع" وأن "تسمح بنشر سريع لدعم محدد الأهداف وموقت ومتكافئ في القطاعات الاستراتيجية للانتقال البيئي".
ولخص رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الوضع قائلا: "نريد أن نكون براغماتيين" عبر تكييف نظام مساعدات الدولة من دون تهديد "سلامة السوق الموحدة".
وناقش القادة الأوروبيون الذين عقدوا في بروكسل قمة هيمنت عليها زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سبل دعم صناعتهم المهددة بالمنافسة الصينية وارتفاع أسعار الطاقة، والخطة الأميركية للدعم المالي للانتقال البيئي.
وكلفت المفوضية الأوروبية ترجمة الخطة التي صاغتها الأسبوع الماضي رئيستها أورسولا فون دير لاين لتعزيز الصناعات الخضراء في القارة إلى مقترحات تشريعية بحلول القمة المقبلة التي ستعقد في نهاية مارس.
وتريد المفوضية الأوروبية منح الدول الأعضاء مرونة أكبر في تقديم مساعدات للشركات العاملة في مجال الطاقات المتجددة وإزالة الكربون من الصناعة وبعض الاستثمارات في المصانع الجديدة التي يمكن دعمها من خلال "امتيازات ضريبية".
ولكن الدول الأعضاء تنظر بحذر إلى هذه الفكرة، وهي منقسمة بين مؤيدي سوق حرة ودعاة تدخل الدولة على الرغم من تفاوت هامش المناورة المالية التي تملكه الدول لمساعدة شركاتها.
وفي مؤشر إلى هذا الانقسام، شدد البيان الختامي الصادر عن الدول الـ27 على ضرورة "الحفاظ على المساواة في شروط المنافسة" داخل الاتحاد الأوروبي مع ضمان "الوصول العادل إلى التمويل".
وقد تم تخفيف أطر قيود الدعم المالي الوطني منذ بداية وباء كوفيد-19 في 2020، لكن مزيدا من التخفيف قد يعود بالفائدة على الدول الغنية الكبرى وخصوصا ألمانيا وفرنسا اللتان يمكن أن تشجعا شركاتهما بإفراط على حساب منافساتها في الاتحاد الأوروبي.
وتقود إيطاليا وعدد من الدول "الصغيرة" بما في ذلك النمسا والدنمارك وفنلندا حملة من أجل إقرار آلية أهدافها محددة ومحدودة قدر الإمكان مع أن ذلك قد يجعلها غير مهمة.
وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته: "كنا قلقين من ليونة مفرطة في المساعدات الحكومية يمكن أن تقوض السوق الداخلية. لكن الأمر بات يتعلق بإجراء موقت وهدفه محدد بالابتكار والتكنولوجيا الخضراء، في القطاع الذي علينا أن ننافس فيه بالتحديد الأميركيين".
استخدام الأموال المتوفرة
للتخفيف من مخاطر تشتت السوق الموحدة، تدعو بعض الدول الأعضاء على رأسها فرنسا وإيطاليا إلى تمويلات مشتركة جديدة.
وقد وعدت أورسولا فون دير لاين باقتراح "صندوق سيادي أوروبي قبل الصيف، ما يجعل من الممكن الاستثمار في الأبحاث أو في رأس مال شركات استراتيجية".
لكن الفكرة رفضتها دول عدة مثل ألمانيا وهولندا والسويد، المعارضة لأي زيادة في مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي.
في نهاية المطاف، وفي نص البيان الذي أقر الجمعة، اكتفت الدول الـ27 "بأخذ العلم" بفكرة صندوق السيادة.
وفي الوقت الحالي، يفضل القادة الأوروبيون بدلاً من ذلك "استخداما أكثر مرونة للأموال الموجودة للاتحاد الأوروبي" لضمان العدل بين الدول.
وتعتمد المفوضية على حشد الأموال من خطة التعافي الأوروبية البالغة 800 مليار يورو (856 مليار دولار) "نيكست-جينيريشن"، منها 250 مليار يورو (267.5 مليار دولار) يمكن تخصيصها للانتقال الأخضر.
وبإضافة تمويلات أخرى تم الإفراج عنها يمكن أن يقترب المبلغ الإجمالي من 370 مليار دولار قيمة خطة الأميركيين للمناخ التي اعتمدت الصيف الماضي.
واعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد القمة بأنه "يمكننا الرد على الخطة الأميركية بالاعتمادات المتوافرة لدينا".
وأضاف أنه من الممكن لأوروبا "بناء آليات مشابهة في الحجم عبر تعبئة ما نملكه" ولكن أيضا "في السرعة وهنا تكتسب مرونة مساعدات الدولة وإمكانية استخدام الإعفاءات الضريبية أهمية كبرى"، منتقدا المهل الطويلة حاليا لمنح مساعدات مالية في الاتحاد الأوروبي.
وحول صندوق سيادي محتمل وتمويل مشترك إضافي، قال ماكرون "نشهد انقسامات ولا يوجد إجماع اليوم بين الدول، لكن النقاش سيأتي".
وصادقت واشنطن الصيف الماضي على "قانون خفض التضخم" الذي وضعه جو بايدن ويعد أكبر استثمار يُعتمد على الإطلاق في مكافحة تغير المناخ إذ يخصص 370 مليار دولار لبناء توربينات تحركها الرياح وألواح شمسية وسيارات كهربائية.
ولكن بعض بنود القانون تثير قلقًا في الخارج لا سيما ذاك المتعلق بالإعفاء الضريبي لشراء سيارة كهربائية أميركية مزودة ببطارية منتجة في الولايات المتحدة.
ويشعر الأوروبيون خصوصًا بالقلق من العواقب التجارية للخطة التي قال المستشار الألماني أولاف شولتس إنها قد تُشعل "حربًا جمركية كبرى" من خلال التمييز ضد الشركات الأجنبية.