يضع الزلزال المُدمر الذي ضرب 10 مدن تركية، الاثنين الماضي، قطاع التشييد والبناء بالبلاد أمام مجموعة من المتغيرات الواسعة خلال الفترة المقبلة، والتي من المنتظر أن تنعكس بشكل مباشر على الشركات العاملة بالقطاع وأسهمها المتداولة بالبورصة، والتي عرفت ارتفاعاً حاداً (خاصة أسهم شركات الأسمنت) في الجلسات الثلاث الأولى بعد الزلزال قبل تعليق البورصة.
وتراجعت بورصة اسطنبول بنسبة 16.2 بالمئة خلال ثلاثة أيام بعد الزلزال، فيما تقرر إلغاء جميع الأوامر والعمليات التي تمت في اليوم الثالث للحادث، الأربعاء، مع قرار تعليق التداول حتى 14 فبراير الجاري.
وبلغ إجمالي خسائر الأسهم في البورصة منذ الاثنين وحتى قرار تعليق التعاملات لمدة خمسة أيام، حوالي 800 مليار ليرة.
وبررت بورصة اسطنبول، في بيان لها، الأربعاء، قرار التعليق بسبب التقلبات وحركات الأسعار غير العادية بعد الزلزال، ومن أجل ضمان أداء موثوق وشفاف وفعال ومستقر وعادل وتنافسي للأسواق.
أثار الزلزال وما خلَّفَه من دمار واسع بآلاف المنازل في تركيا لغطاً حول معايير البناء بالبلاد، مسفراً عن مناقشات ومراجعات واسعة في الإعلام التركي وعبر منصات التواصل بشأن مدى قدرة المباني القائمة على مقاومة هذا النوع من الزلازل المُدمرة، إضافة إلى الأزمة الممثلة في المباني القديمة المتهالكة والتي تواجه نسبة خطورة مرتفعة.
صحيفة (Turkiyegazetesi) قالت في تقرير لها، الأربعاء، إن كارثة الزلزال في 10 مدن نبهت بشكل خاص إلى المنازل القديمة التي كانت معرضة لخطر الانهيار. ونقلت عن مجموعة من الخبراء قولهم إن:
تعزيز وتطوير المباني له أهمية حيوية خاصة، ومن الضروري تقديم تسهيلات ائتمانية من البنوك بغرض تطوير المباني في عموم البلاد
- لا ينبغي ترك المباني المتضررة بشكل كبير والمحفوفة بالمخاطر لاختيار المواطنين للتعامل معها.. يجب مصادرة تلك المباني غير المقاومة للزلازل
- هناك ما يصل إلى 1.2 مليون مبنى في جميع أنحاء البلاد بحاجة إلى التجديد
مبانٍ قديمة
وبينما كانت النسبة الأكبر من المباني المنهارة هي مبانٍ مبنية في فترات قبل زلزال 1999 في تركيا، إلا أن انهيار مبانٍ حديثه أيضاً فتح باب الجدل حول معايير واشتراطات البناء القانونية ومدى مقاومة تلك المباني الحديثة للزلزال. وبحسب البيانات التي نقلتها قناة TGRT التركية عن المدير العام لشركة غولدن العقارية، مصطفى هاكان أوزيلماشيكلي، فإن:
- 47.4 بالمئة من الأسر تقطن في مبانٍ تم بناؤها في العام 2001 وما بعده
- 30.9 بالمئة يعيشون في مساكن تم بناؤها بين 1981-2000
- 12.6 بالمئة يعيشون في منازل بنيت في 1980 وما قبله.
وأشار إلى أنه يتعين على البلديات الانتباه للمباني الشاهقة المخالفة التي تم بناؤها، كما يتعين وضع قيود على عمليات البيع أو التأجير بالنسبة للمباني الخطرة.
ينعكس ذلك بشكل أساسي على الشركات العاملة في قطاع التشييد والبناء، وكذلك شركات مواد البناء في المرحلة المقبلة، والتي ستكون أمام مهمة محورية في إعادة التعمير والترميم داخل المدن العشرة التي لحقت بها أضرار واسعة جراء الزلزال. وبما يعزز زيادة الطلب.
أخطاء جسيمة في البناء
تقارير تركية محلية نقلت عن رئيس فرع أضنة بغرفة المهندسين المدنيين، حسن أكسونغور، قوله إن ثمة أخطاء تتم في مرحلتي البناء والترخيص (بالنسبة للمباني المنهارة).
من جانبه، يقول الأكاديمي التركي، مظفر شنيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه:
- لم تكن هناك معايير للبناء حتى العام 1999 (عندما وقع زلزال مرمرة الشهير آنذاك)
- بعد زلزال 1999 وُضعت عدد من المعايير (بما في ذلك التأمين الإلزامي) ومقاومة الزلازل
- "الفساد وكذلك البيروقراطية المحلية داخل القطاع" السبب الرئيسي للضرر الكلي الذي لحق بالمباني سواء كانت القديمة أو المبنية بعد ذلك التاريخ
- من بين أوجه الفساد استخدام مواد بناء غير مناسبة وعدم الالتزام بالمعايير الخاصة بالبناء
ويتحدث الأكاديمي التركي في الوقت نفسه عن أن الزلزال الأخير قد نبّه إلى ضرورة مراجعة مواطن الخلل في القطاع ككل، لجهة ضرورة وجود تشريعات صارمة للبناء، ونظام حاسم وقوي للتدقيق وحصول كل بناء على وثيقة مقاومة الزلازل.
التشييد والبناء والعقارات
ومن ثم تنتظر قطاع العقارات والقطاعات ذات الارتباط اللصيق به كذلك مجموعة من المتغيرات الأساسية، بدءاً من الإجراءات التنظيمية والضوابط والمشاريع الجديدة، ووصولاً إلى انعكاسات تلك التطورات على الأسعار، وبما يؤثر على ارتفاع أسعار مواد البناء ووصولاً إلى ارتفاع أسعار العقارات وحتى الإيجارات، وهو الاتجاه الذي بدأ يظهر بقوة خلال اليومين الماضيين بشكل ملحوظ في المحافظات القريبة من المدن التي لحقت بها أضرار جراء الزلزال.
يقول أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في اسطنبول، مخلص الناظر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قطاع البناء عموماً هو أحد القطاعات الرئيسية بالاقتصاد التركي، ويحظى بدعم كبير من الدولة من خلال قروض ميسرة وتسهيلات ضريبية، وينتظر في المرحلة المقبلة بعد تبعات الزلزال الحالي جملة من المتغيرات.
ويُبرز في معرض حديثه واحدة من المتغيرات الرئيسية أيضاً تنتظرها أسهم الشركات العاملة في القطاع، والتي سجلت ارتفاعاً لافتاً بحدود 20 بالمئة في الأيام الثلاثة الأولى منذ وقوع الزلزال وقبل غلق البورصة.
منذ اليوم الأول للزلزال، وفي حين انخفضت جميع الأسهم المتداولة ببورصة اسطنبول، سجلت أسهم شركات مواد البناء (من بنيها قونية وأوياك ونوح وأكجانسا وآفيون وبورصة، وغيرهم) بشكل خاص ارتفاعاً قياسياً، مخالفة بذلك الاتجاه العام للسوق.
ويشير أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في اسطنبول، إلى أنه عادة ما يتزايد الطلب على أسهم الأسمنت والشركات المرتبطة بخدمات الإعمار عندما يقع حادث ما يسفر عن تدمير البنية التحتية، وهو ما يُبرر الارتفاعات التي شهدتها أسهم شركات الأسمنت على مدار الأيام الماضية، مردفاً: "شكلت الأيام الثلاثة (منذ الاثنين والأربعاء) فرصة لهذه الشركات لرفع قيمة أسهمها بنحو 21 بالمئة".
وحول الأداء المتوقع لأسهم شركات الأسمنت بعد إعادة التداول في وقت لاحق، يشير إلى أنه من المرجح أن يستقر أداء أسهم شركات الأسمنت أو يستمر بالهبوط، دون تسجيل معدلات ارتفاع أعلى.
ارتفاع الأسعار
وفي سياق آخر، يسلط استاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في اسطنبول، الضوء على التغيرات التي بدأت تظهر فيما يخص قطاع العقارات خلال الأيام الأخيرة، لناحية ارتفاع أسعار الإيجارات في اسطنبول وأنقرة والمدن التي يلجأ إليها المواطنون من المدن العشرة التي ضربها الزلزال.
وبدأت تقارير إعلامية محلية في تركيا الإشارة لحجم المتغيرات في الأسعار في عديد من المواد الأساسية، والإجراءات الحكومية المتخذة لمحاولة ضبط الأسعار.