لا يزال من المُبكر تحديد حجم الخسائر الاقتصادية التي لحقت بتركيا جراء الزلزال المُدمر الذي ضرب 10 مدن رئيسية، بشكل دقيق، لا سيما مع اتساع رقعة المناطق المنكوبة وتزايد عدد الضحايا والمصابين والخسائر العميقة بالبنية التحتية.
لكنَّ المؤشرات الأولية لحجم الخسائر الاقتصادية تشير إلى عمق التأثيرات السلبية لتبعات الزلزال والتي تُهدد معدلات النمو في البلاد خلال العام الجاري، بالنظر إلى الأهمية الاقتصادية الكبرى التي تحظى بها المدن المنكوبة، والتي تضم عديداً من الشركات الكبرى، ضمن أهم الشركات الصناعية في تركيا.
وتسهم المدن العشرة بنسب مؤثرة في حجم المدخولات الوطنية، وفي معدلات النمو الاقتصادي، كما تستحوذ على نسبة مهمة من حجم الصادرات التركية، بما يجعل توقف الإنتاج فيها ذات تأثير قوي على الاقتصاد التركي.
وبسبب حصة هذه المدن، وخاصة "غازي عنتاب" التي لديها مؤسسات صناعية كبيرة مؤثرة في اقتصاد البلاد، فإن هذا الحدث الكارثي مرشح لأن تكون له عواقب اقتصادية سلبية على البلد بأكمله.
- تشكل المدن العشرة التي تضررت من الزلزال 10.1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لتركيا.
- أسهمت المدن العشرة بـ 1.15 نقطة في معدل نمو الاقتصاد التركي في العام 2021 البالغ 11.35 بالمئة.
- شاركت مدينة غازي عنتاب وحدها بـ 0.25 نقطة في نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي (وهي المحافظة الثامنة ذات أعلى مساهمة باقتصاد البلاد).
أورد هذه البيانات الكاتب الاقتصادي، ناكي بكير، في مقالٍ له بصحيفة العالم الاقتصادية المتخصصة، مشيراً إلى أنه بسبب الثقل الاقتصادي للمدن العشرة، والتي ستحاول مداواة الجراح التي خلفها الزلزال في اقتصاد البلاد فإن خسارة مساهمة تلك المدن في معدل النمو يعني أن معدل النمو العام في الاقتصاد التركي قد انخفض بأكثر من 1 بالمئة.
وذلك بالنظر إلى احتمال حدوث انكماش في اقتصاد تلك المدن، وبما ينعكس مباشرة على معدلات النمو المتوقعة في 2023 عند مستوى الـ 5 بالمئة.
تأثر نسب النمو
من جانبه، يقول النائب السابق عن حزب "العدالة والتنمية" التركي والباحث في العلاقات الدولية رسول طوسون، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه "قبل الحصول على الأرقام النهائية (لحجم الخسائر البشرية والمادية) يصعب التقييم (فيما يخص الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها المدن العشرة ومن ثم الاقتصاد التركي عموماً)".
ويشدد على أنه "مهما كانت النتيجة، فالاقتصاد يتأثر سلباً بشكل قطعي، وعلى أقل تقدير تتراجع نسب النمو"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه "إذا ألقينا الضوء على الدمار الشامل للمنطقة ستكون تبعات الحادث أكبر وأكثر من المتوقع".
ويلفت طوسون في معرض حديثه إلى أن "المأساة أكبر من الأرقام المعلنة، حيث الدمار الذي يشمل 10 مدن كبيرة يبلغ عدد سكانها أكثر من 13 مليون نسمة، والمناطق المنكوبة تساوي مساحتها مساحة انجلترا".
ويلفت في الوقت نفسه إلى أنه من المرجح ارتفاع أعداد الخسائر والضحايا والمصابين، مع شدة الزلزالين وكثرة الهزات الارتدادية وسعة المنطقة المنكوبة، وفيما أعلنت الحكومة المستوى الرابع الذي يستدعي المساهمة الدولية حيث لا توجد دولة على وجه الأرض تستطيع مواجهة مثل هذه الكارثة وحدها.
وتزخر المدن العشرة المُتضررة بزلزال 6 فبراير المُدمر بعديد من المنشآت الصناعية الكبرى، يصل عددها تقريباً لأكثر من 150 منشأة (كبيرة)، العدد الأكبر منها في مدينة غازي عنتاب، وغالبيتها مدرجة بقوائم أفضل الشركات الصناعية في تركيا، وفق البيانات التي أوردها المقال.
- 69 شركة بالمدن العشرة التي ضربها الزلزال مُدرجة ضمن قائمة أفضل 500 شركة صناعية بتركيا بتصنيف ISO
- 82 شركة مدرجة ضمن القائمة الثانية (أفضل ألف شركة)
- غازي عنتاب تضم 71 شركة (منهم 29 منها في قائمة أفضل 500 شركة صناعية، و38 منها في القائمة الثانية من بين أكبر ألف شركة صناعية في تركيا)
وفي خطٍ متوازٍ مع هذا الحجم من الشركات العاملة بالمدن العشرة، ومساهمتها في معدلات النمو بتركيا، فإنها تشارك بنسبة كبيرة من إجمالي حجم الصادرات، طبقاً للمقال المذكور.
- 10.9 بالمئة من الصادرات التركية البالغة 254.2 مليار ليرة (27.6 مليار دولار) تأتي من المدن العشرة المذكورة في العام 2022
- نصيب غازي عنتاب وحدها 11.2 مليار دولار من إجمالي الصادرات التركية
- مرسين من بين المحافظات الأعلى صادرات، بقيمة بلغت حوالي 6.2 مليار دولار
- هاتاي 4.1 مليار دولار، وأضنة 3.1 مليار دولار
ومن ثم، فإن ثمة خسائر فادحة يمكن أن تتعرض لها الصادرات التركية حال فقدان القوى العاملة في تلك المدن وتعطل الإنتاج والنقل والأنشطة اللوجستية بما يؤثر سلباً على التجارة الخارجية للبلاد.
بالنسبة لمساهمة المدن المنكوبة في الميزانية العامة، فقد شاركت بـ 567.7 مليار ليرة (6.9 بالمئة) من إجمالي إيرادات الميزانية للحكومة المركزية المقدرة بـ 2 تريليون و 802.4 مليار ليرة العام الماضي.
وبالتالي فإنه في هذه المدن حيث تسبب الزلزال في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، يؤدي ركود الإنتاج والتجارة والأنشطة الاقتصادية وعدم القدرة على دفع الضرائب إلى خسارة كبيرة من حيث المالية العامة.
كما أن الخسائر في الأرواح والممتلكات وانقطاع العمليات الاقتصادية في المحافظات التي ضربها الزلزال سيؤثر سلباً على الميزانية العمومية للقطاع المصرفي، لا سيما وأن المدن العشرة المذكورة لديها 6.9 بالمئة من الودائع.
انعكاسات اقتصادية واسعة
وفي السياق، يشير الكاتب والباحث التركي مدير مركز شرقيات للبحوث باسطنبول، زاهد غول، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "من المبكر الآن الحديث عن الانعكاسات الاقتصادية والخسائر الناجمة عن هذا الزلزال؛ لأننا نتحدث حتى هذه اللحظة عن فرق الإنقاذ التي تقوم بعملها وتنتشل الجثث وتحاول الحصول على ناجين، ونتحدث عن قرابة 13 مليون إنسان هم في أمس الحاجة للمواد الأساسية الإغاثية الأولية".
ويردف: "لكن بالمقارنة مع أحداث وزلازل أخرى حدثت في تركيا، مثل زلزال العام 1999 يمكن القول إن تداعيات هذه الكارثة ستكون أكثر إيلاماً وأكثر حجماً في الضرر الاقتصادي؛ بسبب أننا نتحدث عن تدمير حدث فعلياً في كافة البنى التحتية والمفاصل الأساسية بالمدن العشرة.. حتى اللحظة لا نعرف حتى معطيات عامة عن الكثير من القرى التي في هذه المدن العشرة، وهي بالمئات بطبيعة الحال".
ويتابع غول قائلاً: "نحن نتحدث عن فاصل حدودي ابتداءً من المنطقة التي ضربها الزلزال، وهي منطقة بها موانئ أساسية بالنسبة لتركيا، خاصة ميناء إسكندرون، فضلاً عن خطوط أنابيب النفط والغاز وطرق حيوية دولية رئيسية، جميع تلك المرافق تضررت بفعل الزلزال".
ويخص الكاتب والباحث التركي مدير مركز شرقيات للبحوث بإسطنبول، بالذكر مدينة غازي عنتاب، والتي يشير إلى أنها من أهم المدن الصناعية في تركيا التي أيضاً تضررت بشكل كبير بالزلزال (..) نتحدث عن تداعيات اقتصادية كبيرة تتضمن توقف عجلة الإنتاج والعمل في الموانئ بسبب الحرائق والدمار الكبير الذي لحق بالحاويات خلال الساعات الماضية".
ويختتم غول حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بالإشارة إلى أن "الحديث عن أرقام دقيقة أمر غير ممكن في الوقت الحالي بطبيعة الحال، كما أن تداعيات هذه الكارثة سوف تستمر لفترات طويلة، فزلزال 1999 على سبيل المثال بقيت الحكومة تدفع فواتير الخسائر الكبيرة الناجمة عنه لأكثر من ثمانية أعوام، وبالتالي يُعتقد بأن "أمامنا عقد من الزمن ستكون الحكومة خلاله مطالبة بالتعويضات ومعالجة آثار الدمار الهائل ومحاولة العودة للحياة الطبيعية".