حرب النفوذ الإيطالي الفرنسي في ليبيا قديمة جدا وتتجدد كل فترة بحسب الظروف. اليوم ومع تعرض أوروبا لأقسى أزمة طاقة بعد فك الارتباط مع روسيا بدأت عيون الطليان والفرنسيين تبحث عن مصادر بديلة غنية وسلاسل إمداد قريبة.
ليبيا كانت من أهم وأولى المحطات بأرضها الغنية ورغبتها بزيادة الإنتاج وضمان وجود شركاء أجانب ورفع أهميتها ودورها في مشهد الطاقة العالمي.
ليبيا الدولة الغنية
الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تمتلك نحو 48.8 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية أي نحو 2.8 بالمئة من إجمالي الاحتياطيات العالمية مما يجعل منها صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة السمراء.
وعلى مستوى الغاز الطبيعي تصل الاحتياطيات الليبية منه إلى 1.4 تريليون متر مكعب من الغاز محتلة بذلك المرتبة الخامسة بين الدول الإفريقية من حيث هذه الاحتياطيات.
كما أن مساحات شاسعة من الأراضي الليبية لم تستكشف بعد على الرغم من وجود بعض المسوحات التي تتكلم عن وجود احتياطيات للنفط والغاز فيها مما يزيد من جاذبية هذه الدولة للشركات الراغبة بالتوسع والحصول على جزء من الكعكة.
خطوات سباقة لإيطاليا وتوقيع أكبر مشروع منذ 23 عاما
"إيني" الإيطالية كانت السباقة واستطاعت أن تقتنص حصة الأسد بتوقيعها اتفاقية مع مؤسسة النفط الليبية بقيمة 8 مليارات دولار لمدة 25 عاماً، بهدف تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا، على الرغم من تدهور الوضع الأمني والفوضى السياسية.
المجموعة الإيطالية العملاقة الناشطة في ليبيا منذ 1959 قالت في بيان إنه "أكبر مشروع يتم تطويره في ليبيا منذ عام 2000" في الحقلين البحريين القادرين على إنتاج "ما بين 750 و800 مليون متر مكعب من الغاز في اليوم اعتبارا من 2026".
أما ديسكالزي الذي يوصف بأنه ثعلب النفط والغاز في إيطاليا فقد قال إن الاتفاق الذي وصفه بأنه "تاريخي" سيسمح بالقيام بـ"استثمارات كبرى" في قطاع الطاقة و"استحداث وظائف" في ليبيا وتعزيز موقع إيني التي تعتبر حاليا "المشغل الأول" في ليبيا حيث تتولى 80 بالمئة من إنتاج الغاز الليبي.
وبقدر ما أثارت هذه التفاقية من زوبعة بين أذرع السلطة التنفيذية في طرابلس بما فيها وزارة النفط التي اعتبرتها غير قانونية. فقد أظهرت تراجع دور توتال الفرنسية التي تمتلك حصصا في عدد من حقول النفط المهمة في البلاد بما في ذلك حقلا الواحة والشرارة.
تنافس بين الأشقاء
التنافس قائم منذ سنوات على الاستفادة من مصادر النفط والغاز الليبية لكن إيطاليا اليوم في وضع أقوى من مبادرات سباقة قامت بها إيطاليا بقيادة حكوماتها وخصوصا جورجيا ميلوني التي أوضحت أهمية الشريك الليبي في تحقيق أحلام إيطاليا بضمان استمرارية تدفق النفط والغاز الطبيعي لها وزيادة الاستثمارات والصفقات.
ناهيكم عن الهدف الإيطالي الأسمى بأن تصبح مركزا لاستيراد وتخزين مصادر الطاقة الواردة من إفريقيا وإعادة توزيعها للجيران الأوروبيين.
وفي وقت يزداد التشابك الاقتصادي الليبي الإيطالي يتقلص الدور الفرنسي. وبالرغم من ادعاء كل منهما أنه ليس من مصلحتهما استمرار حالة الفوضى داخل ليبيا وعملهما على إيجاد حل سلمي للازمة المعقدة فإن كلاً منهما يتبع استراتيجية مختلفة.
إيطاليا وبلسان سياسين مختلفين وجهوا الانتقادات الشديدة لسياسات فرنسا في إفريقيا واستغلالها للموارد الطبيعية والخام بشكل غير عادل مما كان له أثر في زيادة الهجرة الإفريقية باتجاه أوروبا وما هذا إلا غيض من فيض لاتساع نطاق التعارض بين الدولتين في المصالح والأولويات.
ميلوني في مواجهة ماكرون الذي بدوره يحاول أن يجعل من فرنسا مركز استقطاب لغاز ونفط شمال إفريقيا. الهدف واحد والمنافسة مستعرة والسباق محموم والأشقاء في أوروبا هم خصوم في الساحة الإفريقية.
في الحقيقة أن التنافس الفرنسي الإيطالي سيسمح لليبيا وغيرها من الدول الإفريقيّة بتحسين شروطها التفاوضيّة مع الدولتين والانتهاء بعقود يستفيد منها الطرفان إلا أنه في بعض الأحيان يعقد المشهد.