بدأ مفهوم "الدولرة" يأخذ منحىً تصاعدياً في الاقتصاد اللبناني، في وقت بات فيه الرهان على إمكانية الحد من الخسائر اليومية التي تتعرض لها العملة الوطنية، أمراً شبه مستحيل.
فتبدّل قيمة الليرة اللبنانية بين ساعة وأخرى في الآونة الأخيرة، دفع بالعديد من أصحاب المتاجر، الى اللجوء لتبديل أسعار منتجاتهم على مدار الساعة أيضاً، في حين فضل بعض التجار عدم عرض أسعار المنتجات نهائياً، مكتفين بإبلاغ المستهلك عن السعر عند وصوله إلى صندوق المحاسبة.
وقد انعكست هذه الفوضى في طريقة التسعير، ارتباكاً في غالبية الأسواق اللبنانية، ما دفع بالتجار وأصحاب السوبرماركت للمطالبة بالسماح لهم بعرض أسعار المنتجات بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية، وهو أمر لطالما رفضته وزارة الاقتصاد، نظراً لتعارضه مع القانون اللبناني الذي يلزم المتاجر بعرض وتحصيل مدفوعاتها بالعملة الوطنية.
ولكن يبدو أن وزارة الاقتصاد اللبنانية اقتنعت أخيراً، بضرورة السماح للتجار وخاصة متاجر بيع المواد الغذائية والسوبرماركات، بعرض أسعار منتجاتهم بالدولار الأميركي، على أن يتم الدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق السوداء أو حتى بالدولار النقدي.
وتعد هذه الخطوة الأحدث ضمن مسار تخلي لبنان عن عملته المحلية المتهاوية، حيث تتحضر أيضاً محطات الوقود لاتباع الأسلوب نفسه، في الاعتماد على الدولار الأميركي كعملة تسعير، في حين أن قطاعات المطاعم والفنادق وتجار السيارات والأدوات الإلكترونية، كانت سباقة في اعتماد هذا الإجراء لحماية مصالحها من الخسائر.
تحضير للقرار منذ 3 أشهر
ويقول رئيس لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان اللبناني النائب فريد البستاني في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قرار انضمام قطاع الصناعات الغذائية إلى سياسة التسعير بالدولار الأميركي، كان يتم التحضير له منذ قرابة الثلاثة أشهر، مشيراً الى أن لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان اللبناني هي التي سعت مع وزارة الاقتصاد لتبني هذا القرار.
مؤشر لأسعار الغذاء
ورأى البستاني أن تسعير المواد الغذائية بالدولار الأميركي لا يعني أن الاقتصاد اللبناني يتجه للدولرة بالمعنى الفعلي والتخلي عن العملة طواعية، واصفاً القرار بمثابة مؤشر لأسعار الغذاء، الذي يعفي المتاجر من تبديل الأسعار مع كل انهيار جديد للعملة اللبنانية، ويخلق منافسة تمنح المستهلك أفضل سعر ممكن.
ويضيف البستاني أن هناك العديد من التجار الذين فقدوا رأسمالهم في المراحل الأولى لانهيار العملة اللبنانية، ولذلك فإن هؤلاء عمدوا لاحقاً ومع إجبارهم على عرض الأسعار بالعملة الوطنية، إلى رفع أسعار منتجاتهم بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة لحماية رأسمالهم من تقلبات سعر الصرف، وبالتالي فإن إتاحة إمكانية التسعير بالدولار لهؤلاء، تعني أن هذه النسبة ستختفي وسيكون المواطن هو المستفيد من ناحية انخفاض الأسعار، وفي الوقت عينه بات التاجر قادراً على حماية رأسماله.
التطبيق في المتاجر الصغيرة
أما عن سلبيات هذا القرار فيقول البستاني إنه يتعلق فقط بصعوبة تطبيقه، بشكل صحيح في المتاجر الصغيرة، التي تحتاج لبعض الوقت لاعتماده بشكل صحيح، في حين أن السوبرماركات الكبرى يمكن لها البدء بتطبيقه خلال فترة بسيطة.
الخوف من فقدان رأس المال
بدوره يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمّال في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التسعير بالليرة اللبنانية أمر لم يعد يمكن الاستمرار فيه، حيث بات التجار يخافون من فقدان رأسمالهم، عند التسعير بالليرة التي تخسر من قيمتها على مدار الساعة، لافتاً الى أن عرض الأسعار بالدولار يمنح المستهلك سعراً مرجعياً ثابتاً يمكن مقارنته بباقي الأسعار.
التمييز بين الأرخص والأغلى
ويشرح رمّال أن الاستمرار في التسعير بالليرة اللبنانية يضع المستهلك في حيرة من أمره، حول السعر الحقيقي للسلعة وسعر الصرف المعتمد في التسعير، أما الآن فقد بات بإمكانه التمييز بين الأرخص والأغلى، حيث سيتم تحديد السعر بالدولار، على أن يكون سعر صرف المعتمد في السوبرماركت، مُعلناً بشكل واضح.
لا مفرّ من الدولرة
ورأى رمّال أنه لا مفرّ من دولرة جميع القطاعات في لبنان، وليس فقط قطاع السلع الغذائية والسوبرماركت، مشيراً إلى أن اعتماد الدولار الأميركي عملة للتسعير، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وأعطت نتائج ممتازة في قطاع الفنادق والمطاعم، في ظل عدم امتلاك أي طرف، للقدرة على ضبط انهيار العملة اللبنانية ما يدفع الناس طواعية إلى الاعتماد على الدولار الأميركي.