ارتفعت أسعار السكر في العديد من الدول الأوروبية نتيجة لتناقص إنتاج السكر في الدول الرئيسية المنتجة له، ومنها الاتحاد الأوروبي.
ولأن السكر يدخل في إنتاج العديد من المواد الغذائية الضرورية، فلا شك أن هذا الارتفاع الشاهق في الأسعار، يضع أعباءً إضافية على المستهلكين ويساهم في رفع معدل التضخم، أو إبطاء انخفاضه على الأقل.
ويُنتَج السكر في 120 بلدا، و80 بالمئة منه يأتي من قصب السكر، و20 بالمئة من جذور الشمندر السكري. وخلافا للسائد في باقي بلدان العالم، يُنتج أكثر من نصف السكر في الولايات المتحدة من جذور الشمندر السكري.
ويصل إنتاج السكر العالمي، حسب تقديرات وزارة الزراعة الأميركية لعام 2020، بـ 188 مليون طُن متري، لكنه تراجع إلى 179 مليون طن عام 2021، حسب تقديرات شركة CZ.
أكبر منتجي السكر لعام 2020 هو البرازيل التي بلغ إنتاجها 39.5 مليون طُن، (أو 41.5 مليون طن حسب تقديرات شركة "CZ"). وتأتي بعدها الهند (33.7 مليون طُن) ثم الاتحاد الأوروبي (17.7 مليون طُن) والولايات المتحدة (8.2 مليون طُن) حسب الأرقام التي نشرها "معهد تكنولوجي الغذاء"، (IFT).
وفي عام 2021، تصدرت الهند الإنتاج العالمي بـ 36 مليون طُن، بينما تراجع الإنتاج في البرازيل إلى ما يقارب 35 مليون طُن حسب تقديرات شركة (CZ).
ارتفعت أسعار السكر خلال الشهرين المنصرمين ارتفاعا استثنائيا في العديد من الدول الأوروبية، وقد تسبب هذا الارتفاع في رفع أسعار المنتجات الغذائية التي يدخل السكر في تركيبها، كأنواع الحلويات والمعجنات والشكولاتة، وهي واسعة الاستهلاك في الدول الغنية، وسوف يؤثر ارتفاع الأسعار تأثيرا مباشرا على حياة الناس جميعا لأنها جزء أساسي من غذائهم.
في فرنسا مثلا، ارتفعت أسعار المواد السكرية بنسبة 23 بالمئة، وفي بريطانيا بنسبة 46 بالمئة، وفي إيطاليا وإسبانيا بنسبة 51 بالمئة، وفي ألمانيا بنسبة 63 بالمئة حسب الأرقام التي نشرتها مصادر عديدة منها مجلة الإيكونوميست ومجلة (The Grocer).
ويعتزم مصنِّعو السكر أن يخفضوا الإنتاج أكثر في الموسم المقبل لتوقعهم أن الإقبال على شراء المنتجات السكرية سوف ينخفض بسبب ارتفاع الأسعار، ما يعني أن أسعار السكر سوف ترتفع بنسبة أكبر.
وأسباب ارتفاع أسعار السكر متعددة، منها نقص الإنتاج، إذا تقلصت الأراضي المتاحة لزراعة السكر في أوروبا بنسبة 4 بالمئة في العام الماضي، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة في الصيف الماضي.
وقد خفضت البرازيل من توقعاتها للإنتاج للعام الحالي بنسبة 16 بالمئة، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن ينخفض إنتاج السكر العام الحالي بما يقارب 7 بالمئة عن العام الماضي. بينما خفضت الهند، من توقعات الإنتاج للعام نفسه بـ 55 بالمئة، الأمر الذي سيترك أثرا كبيرا على أسعار السكر في كل بلدان العالم، حتى تلك المنتجة له.
وحسب مؤسسة (TXF) للاستشارات المالية والتحليلات الاقتصادية، فإن الاستثمارات في قطاع إنتاج السكر قد تدنت كثيرا خلال العقد الماضي، رغم أهمية هذا القطاع في مجالي الطاقة والغذاء، والارتفاع المتزايد في الاستهلاك، وهذا الإهمال قد تسبب دون شك في ارتفاع الأسعار.
لكن عاملا مهما آخر تسبب في رفع أسعار السكر، ألا هو ارتفاع أسعار الطاقة. إنتاج السكر يحتاج إلى استخدام كثيف للطاقة، خصوصا أثناء معاملة شرائح قصب السكر التي يجب أن تنقَّع في الماء الحار لفترة معينة.
ومعظم معامل السكر الأوروبية تعمل حاليا بالغاز، لكن ارتفاع الأسعار، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، قد دفع العديد من المصانع إلى استخدام أنواع أخرى من الطاقة، كالنفط، الذي ارتفعت أسعاره أيضا.
ورغم انخفاض أسعار الطاقة عن السقوف التي بلغتها العام الماضي، بسبب دفء معظم أيام الشتاء الحالي، وامتلاء خزانات الوقود الأوروبية، لكن هناك موادا أخرى تدخل في إنتاج السكر، مثل الأسمدة، وقد ارتفعت أسعارها هي الأخرى.
وقال نيلز بوركسن، مدير شركة سودزوكر (Südzucker) الألمانية العملاقة لإنتاج السكر، لوكالة رويترز، إن الشركة سوف ترفع أسعار السكر أكثر هذا العام.
ويتوقف معدل التضخم على مدى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الرئيسية، ولأن السكر مادة غذائية رئيسية، تدخل في إنتاج العديد من المواد الضرورية والمحبذة، والتي اعتاد معظم الناس على استهلاكها، فإن ارتفاع أسعارها سوف يرفع من معدل التضخم، أو على الأقل يباطئ انخفاضه، في حال انخفضت أسعار المواد الأخرى.
تسبب ارتفاع أسعار السكر بخلق مشاكل عديدة في الدول الأوروبية تحديدا. ففي فرنسا، نظم العاملون في المخابز وإنتاج الحلويات والمواد السكرية احتجاجات صاخبة على ارتفاع الأسعار.
وفي بريطانيا، التي ارتفعت فيها أسعار السكر الشهر الماضي وحده، بنسبة 12 بالمئة، اتهم مديرو الأسواق العملاقة منتجي المواد الغذائية بالتربح في الأزمات عبر رفع الأسعار دون وجود ضرورة لذلك.
في السابق، كان استهلاك السكر يزداد بنسبة 2 بالمئة سنويا، نتيجة لتزايد عدد السكان وتنامي الثروة، ولم يؤثر ارتفاع الأسعار على مستوى الاستهلاك في البلدان الثرية، لأنها بقيت رخيصة وغير مؤثرة على دخولهم.
لكن ارتفاع الأسعار الشاهق، نتيجة لتدني الإنتاج إلى النصف في الهند، وتقلصه بنسب متفاوتة في البرازيل والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، إضافة إلى قلة الاستثمارات في هذا القطاع، وارتفاع تكاليف الإنتاج الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة، سوف يتسبب في خلق مشاكل اقتصادية إضافية في العديد من الدول، خصوصا الغنية منها، وبالتأكيد سوف يساهم في رفع معدل التضخم، المرتفع أصلا، والذي تحاول الدول الصناعية خفضه عبر رفع أسعار الفائدة وتقليص الإنفاق على الخدمات العامة.