أسهمت "الأموال الساخنة" العام الماضي في عاصفة عنيفة ضربت العديد من اقتصادات الدول النامية، بعد عمليات الخروج السريعة التي شهدتها هذه الأسواق بسبب رفع معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الكبرى حول العالم على أثر الأزمة الأوكرانية التي أججت معدلات التضخم لمستويات لم تشهدها منذ عقود في أغلب دول العالم المتقدم.
وبعد أن كانت الأموال الساخنة داعمة ومحفزة لهذه الاقتصادات في الأعوام الماضية، إذ أن دخول هذه الأموال قد ساهم وبشكل فعال على استقرار أسعار صرف عملات الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى تحسن ملحوظ في النشاط التجاري والاقتصادي فإن أغلب الاقتصاديين يحذرون من عملية الخروج السريع لهذه الأموال وما قد ينتج عنه من انهيار سريع للعملة المحلية والأنشطة التجارية.
ما هي الأموال الساخنة؟
لكي نفهم كيف لهذه الأموال الساخنة أن تكون سببا في طفرة لأنشطة الاقتصادات أو انهيارها بهذه السرعة الشديدة.. علينا معرفة ما هي الأموال الساخنة؟
الأموال الساخنة أو ما يعرف بـ Hot Money: هي جميع التدفقات المالية التي تدخل الدول أو تخرج منها بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، وغالبا ما تكون هذه الأموال موجهة نحو الاستثمارات قصيرة الأجل، بحسب هارفرد بيزنس ريفيو.
وتضمن الأموال الساخنة حصول المستثمرين على معدلات فائدة مرتفعة، وتتحرك هذه الأموال من الدول التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة إلى الدول ذات معدلات الفائدة المرتفعة.
كيف تعمل الأموال الساخنة؟
تدخل الأموال الساخنة لبلد ما أو تخرج منه بعدة طرق للاستفادة من تدني العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفائدة، أو الاستفادة من النمو المتسارع للاقتصاد، وتتحرك هذه الأموال عن طريق:
- استثمارات في أذون الخزينة أو السندات التي تطرحها الحكومة بغرض الاقتراض.
- استثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة، وذلك للاستفادة من تدني العملة المحلية مقابل الدولار، مما يمكن أصحاب هذه الأموال الساخنة من شراء عدد كبير من الأسهم.
- الاستثمار في شهادات الادخار التي تطرحها البنوك بهدف جذب المستثمرين الخارجيين الذي يسعون للاستفادة من الفوائد المرتفعة.
من يملك الأموال الساخنة؟
بشكل أساسي، هي أموال يمتلكها مستثمرون دوليون على الأغلب في الدول المتقدمة، وبطبيعة الحال يحركونها عبر مؤسسات استثمار خاصة بهم وبيوت خبرة منوط بها إدارة ثرواتهم وتعظيمها، وعادة ما تركز هذه المؤسسات كما سبق الإشارة على تحقيق الربح السريع والمرتفع.
هذا يعني أنهم قد يوجهون هذه الأموال إلى الأسواق الناشئة وتحويلها إلى العملات المحلية، من أجل الاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل في حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم، وبالتالي يحولون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر، ولذلك هي إحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأقصر طريق.
في سياق عالمي، لا يمكن للأموال الساخنة أن تتدفق بين الاقتصادات إلا بعد إزالة الحواجز التجارية وإنشاء البنى التحتية المالية المتطورة. في ظل هذه الخلفية، يتدفق المال إلى مناطق النمو المرتفع التي توفر إمكانية تحقيق عوائد ضخمة.
مخاطر الأموال الساخنة
يرى الخبراء أن الأموال الساخنة هي استثمارات لا يعول عليها في النمو الاقتصادي، فهي تعطي مؤشرات وهمية عن النمو الاقتصادي في البلد الذي تدخله، بسبب أن هذا النوع من الأموال سريع الخروج من اقتصاد البلد في حال حدوث أي اضطراب ما يؤدي إلى عدم استقرار في السوق، والمستثمرون في هذه الأموال دائما ما يتوجهون للبلدان التي تشهد نموا اقتصاديا متسارعا.
من جانبه، أكد عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، أن خطورة الأموال الساخنة تكمن في قصر أجلها أو خروجها المفاجئ، لذلك يجب أن يكون لدى مسؤولي الاقتصاد والمالية في الدول النامية معرفة مسبقة بالهدف من دخول مثل هذا النوع الأموال.
وقال الطه: "ضبط عمل الأموال الساخنة مرحب به، خاصة إذا كان معروفا السبب منها وطرق استخدامها، غير أن خروجها المفاجئ هو ما قد يسبب أزمة اقتصادية متفاقمة".
وشدد على ضرورة ترويض الأموال الساخنة عن طريق البنوك المركزية، بتحديد آجال دخولها وخروجها، مشيرا إلى ضرورة استغلالها على المدى القصير مع السعي إلى توطينها وترويضها لتبقى لأطول مدى ممكنة.
وتؤثر الأموال الساخنة عند دخولها على سعر الصرف، ومن المحتمل أن تؤثر على ميزان مدفوعات الدولة وبالتالي موقفها من توافر السيولة النقدية الأجنبية، والتي تعني في حال الوفرة مزيدا من الاستقرار التجاري والاقتصادي وثبات سعر الصرف، والعكس تماما في حال العجز.
لكن لماذا تسعى بعض الدول للأموال الساخنة رغم خطورتها؟ وما هي أبرز تجارب الدول في الاعتماد على هذا النوع من الاستثمار؟
لعل ما حدث في مصر بعد تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار في نوفمبر 2016، ساعد بشكل كبير على جذب الأموال الساخنة للاقتصاد المصري خاصة مع تقديم معدلات فائدة مرتفعة.
عند مرحلة ما في السنوات الماضية، كانت مصر البلد المفضل لاستثمارات الأموال الساخنة لأنها حظيت بأعلى معدل فائدة حقيقي (معدل الفائدة الرئيسي مطروحا من نسبة التضخم) في العالم.
لكن في 2022، ومع قيام الفيدرالي الأميركي بمسار تشديد سياسته النقدية برفع معدلات الفائدة بأعلى وتيرة منذ حوالي 40 عاما، أصبح السوق الأميركي أكثر جاذبية وقل العائد الحقيقي للاستثمار في الجنيه، علاوة على زيادة المخاطر العالمية التي حفزت المستثمرين على التمسك بالدولار كملاذ آمن ضد الأخطار المالية.
في الأشهر الأولى القليلة من عام 2022، خرج من مصر ما يزيد على 22 مليار دولار من هذه الأموال الساخنة، ما ساهم بشكل كبير في شح السيولة الأجنبية وتصاعدت الضغوط على الجنيه الذي اضطرت البلاد إلى السماح بانخفاضه مرات عدة منذ مارس العام الماضي ليبلغ الآن 29.80 أمام الدولار.
وحينها قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن الحكومة لم يعد بإمكانها الاعتماد على مشتريات الأجانب من سندات الخزانة لتمويل ميزانيتها، ويتعين عليها العمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر بدلا من ذلك.
أخيرا تعد الصين من أكبر الأسواق التي تجذب الأموال الساخنة في العالم، ففي بداية القرن الحادي والعشرين شهد الاقتصاد الصيني نموا متسارعا أدى لجذب الكثير من الأموال الساخنة للاستثمار فيها، الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار أسهم الشركات الصينية بشكل ملحوظ، ولكن بعد الانخفاض في اليوان الصيني في 2013 تكبدت بكين خسارة تقدر بنحو 300 مليار دولار خلال 9 أشهر فقط بين عامي 2014 و2015 وذلك بسبب خروج العديد من المستثمرين أصحاب الأموال الساخنة على نحو سريع من السوق الصينية.
لكن بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني ووفرة الاحتياطيات النقدية، ناهيك عن قوة العملاق الآسيوي في التجارة الدولية، كانت الأزمة أقل تهديدا للنشاط الاقتصادي للبلاد، وتقريبا لم تتسبب في تعطل النمو أو ارتفاع شاهق في الأسعار أو حتى انهيار قيمة العملة المحلية.