واجهت أوروبا خلال العام المنصرم مخاطر غير مسبوقة بشأن إمداداتها من الغاز الطبيعي، حيث كشفت أحداث عام 2022 الخلل الذي تعاني منه القارة العجوز، باعتمادها على روسيا كمصدر أساسي لإمدادات الغاز.
فاندلاع شرارة الحرب الروسية الأوكرانية، وانحياز أوروبا للجانب الأوكراني، دفع موسكو لتخفيض نحو 80 في المئة من صادراتها من الغاز إلى أوروبا.
أمام هذه المعطيات، بدأت أوروبا رحلة البحث عن بدائل لمواجهة نقص الغاز على أراضيها وكانت الوجهة الأولى غاز حليفتها أميركا.
وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه أوروبا من أميركا أن تقف معها في هذا الظرف الصعب، تبين لها أن حليفتها تبيعها الغاز بأسعار مرتفعة أكثر بأربع مرات، وهذا ما دفع بعض القادة الأوروبيين لتوجيه اللوم إلى حليفتهم واتهامها بأنها تتربح من الأزمة.
والمثير هو أن الخلافات بشأن اسعار الغاز عصفت بالبيت الواحد أيضاً، في ظل اتهامات موجهة لفرنسا ببيع الغاز الأميركي لألمانيا بسعر أعلى من الذي تشتريه به.
ويقول الخبير في شؤون النفط والطاقة، حمزة الجواهري في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أوروبا ترى أن ما يحصل معها أمر غير منصف، فهي تحصل على الغاز الأميركي بسعر أعلى بأربعة أضعاف من سعر البيع في السوق الأميركية، وهذا ما ينعكس ارتفاعاً بأسعار الخدمات والمنتجات الأوروبية.
ارتفاع السعر مبرر
وبحسب الجواهري فإن هذا الارتفاع بالسعر مبرر من الناحية العلمية، حيث لا يمكن لأميركا أن تبيع غازها لأوروبا بسعر السوق الأميركية، وذلك بسبب التكاليف التي تترتب على عملية النقل والشحن والتبريد، مشيراً إلى أن الغاز الأميركي هو غاز مسال، يجب أن ينقل تحت درجة حرارة ناقص 168 درجة مئوية عبر ناقلات خاصة، كما يجب تخزينه بخزانات بنفس الدرجة المذكورة.
ويضيف الجوهري أن هذا التعقيد بعملية نقل الغاز يتجسد ارتفاعاً بالكلفة، في حين أن هذا الأمر لا ينطبق على عملية نقل الغاز في أميركا التي تتم عبر أنابيب خاصة، مشيراً إلى أن السبب الذي يجبر فرنسا على بيع الغاز الأميركي لألمانيا بسعر أعلى من الذي تشتريه فيه، هو أيضاً الكلفة التشغيلية لمنشآت استقبال الغاز وتبريد الخزانات، حيث تعتبر عملية التبريد مكلفة وتستهلك ما نسبته 5 بالمئة من الغاز الموجود في الخزانات وهذا يدخل ضمن الكلفة.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي، نديم السبع، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الانتقادات التي توجهها أوروبا لأميركا بشأن ارتفاع أسعار الغاز، تغفل نقطة مهمة وهي أن الشركات التي تقوم ببيع الغاز في أميركا هي شركات خاصة، وبالتالي لا سلطة للدولة الأميركية عليها بتحديد السعر ولا يمكن مطالبتها بالتدخل في هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه سبق للرئيس جو بايدن أن وجّه انتقادات لشركات الطاقة الأميركية لتخفيض أسعارها محلياً لكنها لم تتجاوب رغم تهديده بفرض قوانين تجيز التحكم بهذه النقطة.
خلافات نحو الحل
وبحسب السبع فإن الخلافات الألمانية الفرنسية لا تنحصر بموضوع أسعار الغاز، بل تشمل الكثير من الأمور أبرزها خطة ألمانيا لإنشاء صندوق للطاقة، بموارد مالية قدرها 200 مليار يورو، وهو ما اعتبرته فرنسا مقاربة أحادية لبرلين، لا يمكن لبقية الدول الأوروبية مجاراتها، معتبراً أن خلافات البيت الواحد تمت حلحلتها وعادت فرنسا لبيع الألمان الغاز لتشغيل مصانعها.
ويرى السبع أن قادة أوروبا باتوا يعتبرون روسيا شريكاً غير موثوقاً بشكل نهائي، وبالتالي فقد بدأوا منذ أشهر جولاتهم في العالم، للبحث عن مصادر آمنة ومتعددة لطاقتهم في السنوات المقبلة، ومن هنا يمكن فهم الاتفاقية طويلة الأجل التي أبرمتها ألمانيا لشراء الغاز المسال، من شركة سيمبرا الأميركية والتي تصل مدتها لـ 15 عاماً ابتداءً من عام 2027، مشيراً إلى أن هذه الصفقات ستتكرر في 2023 من قبل العديد من الدول الأوروبية، التي تسعى لتأمين غاز المستقبل بعيداً عن روسيا.