في ظل الأزمة العاصفة بعلاقاتها مع الغرب وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تشكل المستورد الأكبر للغاز الروسي، ومع تبادل العقوبات بين الطرفين وفرض الجانب الأوروبي لسقوف سعرية لصادرات النفط والغاز الروسيين، تتجه بوصلة الطاقة الروسية نحو الشرق ولا سيما صوب الجار الصيني، وهو ما ينعكس ترسيخا لتحالف روسي صيني واسع تؤطره قاعدة مصالح اقتصادية متبادلة عريضة.
حيث دشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، عمليات استغلال حقل غاز كوفيكتا الضخم في سيبيريا، مما يسمح بزيادة الصادرات إلى بكين، والذي سيعزز نقل الغاز الروسي عبر خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا" الذي يغذي الصين.
ويقول الخبير الاقتصادي ومستشار الطاقة الدولي، عامر الشوبكي، في حوار مع موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، إن الخيار الأول أمام روسيا لتصدير غازها هو للدولة الأكثر نموا اقتصاديا وصاحبة الاقتصاد الثاني عالميا وهي الصين، وهو ما كان قائما حتى قبل الحرب الأوكرانية وتبادل العقوبات بين روسيا والغرب.
وهكذا بدأ تطوير ضخ الغاز الروسي للصين عبر خط "قوة سيبيريا 1" منذ العام 2019، بواقع 10 مليارات متر مكعب سنويا ووصل العام الحالي إلى 15 مليار، ويتوقع أن يصل بالعام 2025 إلى 38 مليار متر مكعب، علاوة على 6 مليارات متر مكعب من الغاز المسال الروسي يتم شحنها عبر الناقلات البحرية للصين.
أما خط "قوة سيبيريا 2" المزمع، فستتم تغذيته عبر شبكة حقول غازية هي نفسها تلك التي كانت تؤمن صادرات خط نورد ستريم 2 لنقل غاز روسيا لأوروبا، وهو ما يعني تخفيف وطأة وقف ضخ غازها لهناك وتعويض خسارتها ولو جزئيا.
خط قوة سيبيريا 2 سيمكن الروس من تصدير كميات ضخمة من الغاز للصين بواقع 50 مليار متر مكعب سنويا، لكن لا زالت الطريق طويلة أمامه حتى ينجز وهو ما قد يستغرق سنوات.
ومع دخوله الخدمة، فإن مجموع ما ستضخه روسيا من غاز للصين عبر الخطين وعبر النقل البحري، سيبلغ نحو 94 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل قرابة 61 بالمئة من حجم صادرات الغاز الروسية لأوروبا والبالغ قرابة 155 مليار متر مكعب سنويا
وحاجة الصين للغاز تؤمن 43 بالمئة منها بالاستيراد بواقع 80 مليار متر مكعب من الغاز المسال وقرابة 46 مليار عبر الأنابيب من دول مثل كازاخستان وليس من روسيا فقط، وبالتالي لا بد من عقود طويلة المدى بين موسكو وبكين كي يتسنى القول أن الصين ستشتري طاقة الأنابيب بشكل كامل من روسيا، وهو ما ليس مؤكدا بعد، حيث تسعى الصين لتنويع مصادر شراء الطاقة وعدم الاعتماد على جهة واحدة.
ولكن لا شك أن الأسعار الرخيصة للغاز الطبيعي عبر الأنابيب سيوفر أفضلية لروسيا وتقليصا لكلف الإنتاج الصيني وهو ما يعطي تنافسية أكبر لمنتجات بكين بالأسواق العالمية، ما يجعل الغاز الروسي هو المفضل للصين.
علاقة استراتيجية
استراتيجيا، هذا يعمق العلاقات الصينية الروسية ويجعلها أكثر متانة وتشاركية، ما يدفع نحو المزيد من التعاون في شتى المجالات، وهو ما سيسهم في بلورة تحالف ثنائي اقتصادي سياسي بين البلدين شرقي الطابع، مقابل تحالف مجموعة السبع غربي الطابع.
مصلحة مستدامة
أما الجدوى الاقتصادية لتفعيل خط "قوة سيبيريا 2" فهي كبيرة جدا للجانبين الروسي والصيني، حيث أن الموازنة الروسية ورغم العقوبات تعتمد في نصفها على واردات الطاقة والغاز يشكل ثلثها، وهكذا فعندما تبيع روسيا 60 بالمئة من الغاز الذي كانت تضخه سابقا لأوروبا لطرف آخر وهو الصين، فإن الروس يعوضون بذلك جزءا كبيرا من ما فقدوه من أموال بيع الغاز لدول أوروبا.
تخطي الاقتصاد الأميركي
كما وأن الصين في المقابل ستستفيد من ذلك بتسريع اقتراب اقتصادها البالغ 18 تريليون دولار، من الاقتصاد الأميركي البالغ 24 تريليونا، وهو ما يتوقع حصوله في العام 2027، لكن المضي في تعزيز الشراكة الغازية مع روسيا قد يسرع من وتيرة نمو الصين الاقتصادي، وتخطيها حتى لحجم الاقتصاد الأميركي في وقت أبكر.
هذا وتحاول روسيا منذ عدة سنوات زيادة إمداداتها من الغاز للاقتصاد الصيني المستهلك الكبير للطاقة، وسرعت هذه الحركة في الأشهر الأخيرة.
وتريد السلطات الروسية زيادة شحناتها لتصل إلى عشرين مليار متر مكعب من الغاز كل عام، لا سيما عبر الاستفادة من احتياطات حقل كوفيكتا الذي دشن حديثا.
كما وتخطط لبناء خط أنابيب غاز "سيبيريا 2" ابتداء من عام 2024 لإمداد الصين بالغاز عبر منغوليا وذلك لمضاعفة صادراتها الغازية ومواكبة ارتفاع الطلب الصيني.