تعيش الليرة اللبنانية حاليا أسوأ تدهور لها منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان منذ نهاية عام 2019.
ورغم أن مسار تراجع العملة اللبنانية ليس بجديد على الساحة الاقتصادية، إلا أن تسارع وتيرة هذا التدهور، وعدم تمكن العملة من الصمود على الهوامش الجديدة التي تخترقها، يعد أمراً غير مألوف، بالنسبة للبنانيين الذين يرون أن عملة بلادهم التي تتراجع دون هوادة دخلت فعلياً مرحلة الانهيار الكبير الذي لا سقف له.
وانخفضت الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء منذ بداية الأسبوع الجاري، من مستويات 44 ألف ليرة للدولار إلى مستويات قريبة من 47 ليرة للدولار في الساعات الماضية، وهي تتجه بخطى ثابتة نحو مستوى 50 ألف ليرة للدولار الوحد الذي توقعه البعض.
ويقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحدث حالياً هو أمر ملفت، فقدوم مئات الآلاف من اللبنانيين المهاجرين لتمضية فترة الأعياد، حاملين معهم الأموال الصعبة، كان من المفترض أن ينعكس بشكل إيجابي على العملة اللبنانية، إلا أن ما حصل هو العكس.
وبحسب غبريل فإن السوق الموازي غير الشرعي والذي لا يخضع لأي قوانين بات يتحكم بمصير العملة اللبنانية، ما وضع سعر الصرف تحت رحمة المضاربين ومستغلي الشغور السياسي الذي يعاني منه لبنان، مشيراً أيضاً إلى عامل سلبي آخر يتمثل بتحوّل لبنان إلى منصة لتأمين الدولارات للتجار السوريين مع الانهيار الجديد للعملة السورية ما خلق ضغطاً كبيراً على الدولارات الموجودة في السوق اللبنانية.
ويرى غبريل أن الأنظار تتجه الآن إلى مصرف لبنان والخطوات التي قد يتخذها لكبح التدهور الحاصل في سعر العملة، كونه المؤسسة الرسمية الوحيدة القادرة على اتخاذ قرارات في الوضع الراهن، في حين أن الحكومة غير قادرة على الاجتماع بفعل المناكفات السياسية، إضافة إلى فشل مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي يمكن اعتبار مشهد التدهور الحالي للعملة اللبنانية أمراً طبيعياً في ظل ظروف معقدة يعيشها لبنان.
من جهتها تقول الكاتبة والباحثة الاقتصادية جسي طراد قسطون في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مصرف لبنان المركزي غير قادر اليوم على السيطرة على سوق الصرف نظراً لتآكل احتياطاته بالعملات الأجنبية، إضافة إلى أن الدولة اللبنانية كانت قد أعلنت عن توقفها عن سداد مستحقات ديونها منذ مارس عام 2020، ما وضعها خارج أسواق الدين، وباتت غير قادرة على الولوج إلى أسواق الدين للحصول على دولار.
وأشارت قسطون إلى أن الإجراءات التي قامت بها الحكومة من خلال رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألف للدولار الواحد، إضافة إلى رفع الدولار الجمركي وفرض ضرائب قاسية بهدف تمويل القطاع العام، إلى جانب رفع أجور ورواتب موظفي القطاع العام من خلال طباعة العملة، جميعها عناصر ساهمت بمزيد من التدهور في سعر الصرف.
وبحسب قسطون فإن كل المؤشرات تدل على أننا ذاهبون نحو الأسوأ، مشيرة إلى أنه لا سقف لتدهور العملة اللبنانية طالما لم تتحرك الجهات المسؤولة تجاه الحل الوحيد المتوفر للبنان، وهو إقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ جميع الإصلاحات المطلوبة منه، ما يعيد إطلاق الاقتصاد.