تتأهب الأسواق العالمية لأهم أسبوع قبل نهاية عام 2022، والذي سيشهد انعقاد اجتماعات لكبرى البنوك المركزية في العالم، حيث يضع المستثمرون رهانتهم على نوايا الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، وذلك بعد مرور عام كامل من سياسات رفع الفائدة بوتيرة قوية وسريعة للسيطرة على معدلات ارتفاع الأسعار.
ويشهد الدولار الأميركي منذ اجتماعات نوفمبر الأخيرة للفيدرالي تراجعات ملحوظه ليستقر عند أدنى مستوياته في ستة أشهر، في الوقت الذي تسعى فيه الأسهم تقديم بعض التعافي بعد التراجعات القوية التي عانت منها طوال العام، بحسب خبراء أرجعوا السبب الرئيسي وراء هذه التحركات إلى استعداد الأسواق لبدء الفيدرالي الأميركي بتخفيف وتيرة التشديد النقدي مع وجود دلائل على تباطؤ وتيرة ارتفاع التضخم وفي نفس الوقت شبح الركود الذي أصبح يهيمن على الاقتصاد العالمي.
ويرى الخبراء أن التحدي الذي سيواجه الولايات المتحدة وأوروبا في عام 2023 يتجلى في أن الطريق أمامهم غير ممهدة بعد، إذ أن العام الجديد على الأبواب وأوروبا لا تزال تحت تهديد أزمة الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية، والولايات المتحدة تحت لعنة قوة اقتصادها في سوق عمل ماتزال قوية واقتصاد يستقطب الأموال الباحثة عن الأمان.
ماذا ننتظر من اجتماع الفيدرالي الأميركي؟
ورفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 6 مرات هذا العام أربع منها بنسبة 0.75 نقطة، ليصل المعدل إلى ما بين 3.75 و4 بالمئة، لكن على الرغم من هذه الخطوات بقي معدل التضخم في أسعار المواد الاستهلاكية عند 7.7 بالمئة.
رائد الخضر، محلل الأسواق العالمية يقول في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "من المقرر أن يعلن الفيدرالي الأميركي عن قراره بشأن أسعار الفائدة يوم الأربعاء، وطبقاً لأداة (CME) تسعر الأسواق رفع الفائدة بواقع 50 نقطة أساس باحتمالات وصلت إلى 75 بالمئة، ولكن لن يكون اجتماع الفيدرالي هو الحدث المهم فقط، بل ننتظر اليوم الثلاثاء بيانات التضخم والتي كانت المحرك الرئيسي لرفع الفائدة طوال عام 2022، وبالتالي ظهور أي علامات على نجاح البنك في استمرار السيطرة على التضخم، فسيكون داعماً لتخفيف وتيرة رفع الفائدة وبالتالي سيضغط على أداء الدولار الأميركي الفترة المقبلة".
ويضيف الخضر: "في حين يشهد الدولار منذ اجتماعات نوفمبر تراجعات ملحوظه ليستقر عند أدنى مستوياته في ستة أشهر، فقد لا تتأثر تحركات الدولار كثيرا بقرار رفع الفائدة المرتقب، ولكن نبرة الفيدرالي الأميركي ومسار الفائدة في 2023 والتوقعات الاقتصادية ستكون الفيصل في تحركات العملة الخضراء".
بنك انجلترا سيواصل رفع الفائدة
كان بنك انجلترا من أوائل البنوك المركزية الكبرى التي تحركت لرفع الفائدة للسيطرة على ارتفاع الأسعار، حيث رفع الفائدة منذ ديسمبر الماضي ثماني مرات على التوالي وكان آخرها في نوفمبر الماضي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية لتصل إلى 3 بالمئة من 2.25 بالمئة وهي الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
ولكن حتى وقتنا هذا يفشل البنك في السيطرة على وتيرة التضخم حيث وصل إلى أعلى مستوياته في 41 عاما عند 11.1 بالمئة، وتتوقع الأسواق أن يرفع البنك الفائدة بواقع 50 نقطة أساس في اجتماع هذا الأسبوع من 3.00 إلى 3.50 بالمئة، وفقاً لمحلل الأسواق العالمية رائد الخضر، الذي أكد صعوبة رفع الفائدة بقوة مع تصاعد مخاوف الركود الاقتصادي في بريطانيا وانكماش أغلب القطاعات الرئيسية.
ماذا عن البنك المركزي الأوروبي؟
بدأ البنك المركزي الأوروبي رفع معدلات الفائدة في يوليو 2022، بعد إعلانه عن زيادة بمقدار 50 نقطة كانت الأولى منذ 11 عاما، ليشهد شهرا سبتمبر وأكتوبر الماضيين رفعا بمقدر 75 نقطة أساس، كل على حدة، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي وصل إلى حوالي 5 أضعاف هدفه البالغ 2 بالمئة بينما تتوقع الأسواق زيادة تتراوح بين 50 و75 نقطة أساس في اجتماع البنك 15 ديسمبر المقبل.
وبحسب الخضر، كان المركزي الأوروبي متأخرا نوعا ما عن بقية البنوك المركزية الأخرى في رفع الفائدة نظرا لأن الوضع الاقتصادي بالمنطقة وتداعيات التوترات الجيوسياسية على أغلب القطاعات كانت تمنع رفع الفائدة، ولكن لم يجد البنك مفرا أمام رفع الفائدة مع استمرار معدلات التضخم في تسجيل مستويات قياسية جديده منذ نشأة منطقة اليورو.
وأضاف أنه في حال بدأ الفيدرالي الأميركي بإعطاء أية إشارات من شأنها تخفيف وتيرة التشديد النقدي في 2023، فسيفعل المركزي الأوروبي المثل خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو وانكماش أغلب القطاعات داخل المنطقة تضع مزيدا من الضغوطات على البنك.
مسارات 2023 صعبة التخطيط
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "مع توقعات رفع الاحتياطي الفيدرالي يوم غد سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس، فإنه قد يشير إلى مزيد من الزيادات في أوائل عام 2023 وبوتيرة مشابهة أو أقل، ولكن ليس بنك الاحتياطي الفيدرالي وحده بل البنوك المركزية الرئيسة في العالم، ماعدا بنك اليابان، سترفع هذا الأسبوع أسعار الفائدة، وخصوصا أن بعض البنوك مثل المركزي الأوروبي متأخر في معركته ضد التضخم حتى مع تباطؤ اقتصادات الكتلة الأوروبية".
وإذا رفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة الأساسية - يتابع القمزي - فمن المرجح بعد يوم من ذلك أن يتبعه البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا برفع الفائدة بنصف نقطة أساس، كما أنه من المتوقع تبعا لذلك يرفع 50 بنكا مركزيا في العالم أسعار الفائدة فيها بنوك دول مجلس التعاون والأردن وربما سويسرا والنرويج، وتايوان وسنغافورة والفلبين.
ويختم الخبير القمزي حديثه قائلا: "المسارات في 2023 صعبة التخطيط، فالتحدي الذي سيواجه الولايات المتحدة وأوروبا يتجلى في أن الطريق أمامهم غير ممهدة بعد، فالولايات المتحدة تحت لعنة قوة اقتصادها في سوق عمل ماتزال قوية واقتصاد يستقطب الأموال الباحثة عن الأمان، وأوروبا لا تزال تحت تهديد أزمة الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية".