كما يقول المثل العربي الشهير "المصائب لا تأتي فُرادى"، تواجه كرة القدم في ألمانيا المعنى الحرفي لما يعبر عنه المثل العربي بعد خروجها المدوي والمُبكر من نهائيات كأس العالم فيفا قطر 2022.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الصحافة الألمانية وخبراء الكرة في البلاد عن أسباب فشل المانشافت في مونديال قطر، وأهمية إيجاد الحلول السريعة لإعادة المنتخب إلى المسار الصحيح، نشرت شبكة فرونت أوفيس الأميركية تقريراً يُفيد بخسارة الدوري الألماني للدرجة الأولى "البوندسليغا" ودوري الدرجة الثانية أكثر من مليار ومليون دولار من قيمة الإيرادات عن العام 2020.
التقرير أكد أن الاتحاد الألماني لكرة القدم ليس مستعداً كما يجب لبيع جزء من حقوق الدوري رغم انطلاقه قبل المونديال بعد أسابيع، وذلك بعدما قرر تأجيل بيع حصة بنسبة 20 بالمئة للحقوق الإعلانية وحقوق البث الخاصة بالدوري إلى عام 2023.
هجرة قريبة للاعبين الألمان
وفي تصريح لـ" اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال رومان ميرفي، رئيس قسم السوشيال ميديا وكرة القدم في منصة فوتبول ترانسفيرز : "خسائر ألمانيا بدأت في كأس العالم 2022 ولم تكن لتنجح أبدًا في هذا المونديال وكان يمكن أن تكون البطولة بمثابة تحضير ليورو 2024 ،لكن المدرب هانسي فليك اختار لاعبين من كبار السن وكان يجب أن يختار لاعبين شباب عوضًا عنهم مثل موكوكو وأديمي لمنحهم فرصة اللعب في بطولة كبيرة مثل كأس العالم واكتساب الخبرات"، مضيفًا أن فليك بدلًا من البناء للمستقبل أو محاولة المنافسة في المونديال وقع في المنتصف ولم يحقق شيء وخسرت ألمانيا وتركت البطولة مبكرًا.
وحول الخسائر الاقتصادية للكرة الألمانية، أكد الصحفي الأيرلندي المتخصص في تغطية الكرة الألمانية رومان ميرفي، أن حقوق البث التلفزيوني ستظل أكبر مشكلة تواجه مسؤولي الكرة الألمانية وستأخذ مدى زمني طويل، موضحًا أن الكرة الألمانية ستكافح من أجل التنافس مع كل هذا الكم الكبير من الأموال التي يجنيها الدوري الإنجليزي الممتاز والدوري الإسباني.
وأكد ميرفي أن هذا الأمر سيجعل من الصعب على المسؤولين الألمان وتحديدًا المعنيين بالدوري الألماني الاحتفاظ بأفضل المواهب في البوندسليغا، ما سيفتح المجال أمام هجرة اللاعبين من الدوري الألماني صوب إنجلترا وإسبانيا وهو ما سيسبب الضرر الكبير على المدى البعيد للمنتخب الألماني.
اجتماعات باءت بالفشل
كانت اجتماعات عديدة قد دارت بين مسؤولي الاتحاد ورؤساء مجالس إدارات أندية الدرجة الأولى والثانية في أغسطس وسبتمبر الماضيين، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول عقود بيع الحقوق للشركات الراغبة في ذلك، لكن بعض الأندية في الدرجتين لم يتوصلوا إلى اتفاق، بسبب وجود خلافات عديدة بين هذه الأندية والمسؤولين في الاتحاد الألماني بخصوص القيمة المالية التي سيحصلون عليها.
بعض الأندية ترى أن المبالغ المعروضة عليهم غير مُجدية في الوقت الراهن ولا تكفي مطالبهم في الإنفاق السنوي والتعاقدات مع لاعبين جُدد، وطالبوا بإعادة التفاوض مع الشركات الراعية للبطولة لزيادة القيمة المالية التي ستمنح للأندية.
وتحصل أندية دوري الدرجة الثانية في ألمانيا على مبلغ 3 مليار دولار و600 مليون دولار، من إجمالي المبلغ الخاص بالحقوق الإعلانية في الدوري الألماني الذي يتراوح بين 16 إلى 19 مليار دولار.
بنك يسوق البوندسليغا
الاتحاد الألماني لكرة القدم لجأ قبل بداية الموسم الجاري إلى التفاوض مع دويتشه بنك أي جي ليسوق له عمليات بيع حقوق بث الدوري بدرجتيه الأولى والثانية خارج البلاد.
وأشار موقع هانديلز بلات الألماني، أن المبلغ المطلوب من الاتحاد الألماني في بداية المفاوضات في أغسطس الماضي كان 18 مليار يورو.
رابطة الدوري الألماني رأت في تفويض البنك الألماني خطوة كبيرة لتعويض الخسائر التي مُنيت بها الكرة الألمانية منذ جائحة كوفيد 19، وعلى الفور بدأت شركات كبرى مثل "ك ك أر" للأسهم، و"إيه كيو تي إيه ب"، و"سي في سي كابيتال بارتنرز"، و"بلاك ستون" وسبعة شركات ألمانية أخرى في تقديم عروضها للبنك لشراء 20 بالمئة من الحقوق لتسويقها خارج ألمانيا.
وكانت كل الترشيحات تصب في مصلحة شركة "سي في سي كابيتال بارتنرز" ومقرها لوكسمبورغ بسبب سابق خبراتها في ذات المجال، إذ تستحوذ على 16 بالمئة من نفس الحقوق في الدوري الفرنسي بقيمة بلغت مليار و600 مليون دولار.
خسائر فادحة ومتواصلة
لكن كل هذه الجهود لم تؤتي أُكلها، ولم تصل عروض بنفس المطالب المالية التي يحتاج إليها الاتحاد الألماني، الذي يحاول وقف نزيف الخسائر في بطولته الشهيرة الذي بدأ في عام 2020 بخسارة مليار و100 مليون دولار في إيرادات الدرجتين الأولى والثانية، كما انخفضت مبيعات الأندية الألمانية الـ 36 بنسبة بلغت 10.5 بالمئة خلال الموسم 2020-2021 أي حوالي 4 مليار ونصف المليار دولار.
وتعاني الكرة الألمانية أيضاً على مستوى انخفاض بيع تذاكر المباريات عكس الأعوام التي سبقت جائحة كوفيد-19.
وتعتبر عمليات بيع تذاكر المباريات واحدة من أهم عناصر الدخل لأي نادي حول العالم تصل إلى نسبة 35 بالمئة من قيمة الإيرادات التي يحصل عليها النادي عن طريق حقوق الرعاية والحملات الإعلانية داخل الملعب ونصيبه من عملية بيع حقوق البث التليفزيوني والديجيتال.
في المقابل، تواجه الأندية الألمانية أزمة كبيرة بضرورة دفع قرابة مليار دولار سنوياً للضرائب والرسوم المالية الواجب دفعها مع بداية كل موسم كروي.
كل المعطيات السابقة تشير إلى أن خروج منتخب ألمانيا خالي الوفاض من كأس العالم سيكون له بُعد سلبي على القيمة السوقية لنجوم المنتخب الألماني، علاوة على أن الخروج بهذه الطريقة يرسم ملامح سلبية عن مستوى البطولات المحلية في البلاد والتي من شأنها أن تتأثر على مستوى جلب الرعايات المطلوبة، ما لم يتم تدارك الأمر من مسؤولي الكرة الألمانية بخطط عاجلة تعيد مسار الكرة في البلاد إلى وضعها التي كانت عليه قبل مونديال 2022.