مليارات الدولارات تدور في فلك سوق المراهنات الرياضية حول العالم منها ما هو قانوني ومنها غير القانوني، وموسم كأس العالم هو الأكثر اتساعاً لهذه المراهنات، كما أن نسخة هذا البطولة فيفا قطر 2022 لها خاصية إضافية في هذا الشأن بعد أن أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية قراراً في عام 2018 بتشريع المراهنات الرياضية.
وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية السوق الأكبر في هذه المراهنات، وبعد صدور هذا القانون بات هناك أكثر من 130 مليون شخص في أميركا يتعاملون على منصات المراهنات الرياضية أغلبهم في رياضة الأميركان فوتبول والبيسبول وكرة السلة، وتوقعت مصادر اقتصادية أميركية أن يُشارك حوالي 20 مليون أميركي في المراهنات في مونديال قطر 2022 بمبلغ يقدر بنحو 1.8 مليار دولار.
وعقب انتهاء مونديال روسيا 2018 قدر الاتحاد الدولي لكرة القدم حجم المراهنات بـ 156 مليار دولار حول العالم، ويتوقع أنه بنهاية المونديال سيحقق أرقاماً قياسية تتخطى 200 مليار دولار.
فوز السعودية غير الموازين
الانتصار التاريخي الذي حققه المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني بهدفين مقابل هدف، أشعل منصات المراهنات الشهيرة بعد أن تعرضت نسبة كبيرة من المراهنيين إلى خسائر فادحة في تداول أموالها على منصات شركات عديدة حول العالم نتيجة فشل توقعاتهم بفوز الأرجنتين.
وتعتمد المراهنات على احتساب احتمالات الفوز والخسارة والأهداف والكروت الصفراء والحمراء ومواعيد تسجيل الأهداف.. وكلما زادت التوقعات الصحيحة زادت نصيب المراهنين والعكس صحيح.
قبل مباراة السعودية والأرجنتين، قدمت بعض الشركات الكبرى في عالم المراهنات توقعاتها للمشاركين بوجود نسبة فوز للأرجنتين مقابل السعودية بنسبة 500 إلى واحد فقط للسعودية بحسب تقرير نشرته شركة بيترفير المعنية بعملية المراهنات.. هذا يعني أن من راهن على فوز السعودية بقيمة ألف دولار حصل بعد المباراة على 500 ألف دولار.
صحيفة ديلي ميل البريطانية قد وصفت الانتصار السعودي بأنه "أكبر اضطراب صنعته السعودية في تاريخ كأس العالم".. في إشارة إلى الهزة الكبيرة في سوق المراهنات والنتائج الكروية في تاريخ البطولة.
الصحيفة كشفت خسارة أحد الأستراليين مبلغ 160 ألف جنيه إسترليني بسبب رهانه الكبير على فوز ميسي ورفاقه على السعوديين، وكان من المتوقع أن يجني 20 ألف جنيه إسترليني في حال فازت الأرجنتين لكن ثقتة المفرطة في توقعاته عرضته لخسارة كبيرة.
كما راهن شخص آخر بمائة ألف دولار على فوز الأرجنتين بثلاثة أهداف وأكثر ليحقق مكسب يصل إلى 170 ألف دولار لكنه عاد خالي الوفاض بعد المباراة.
الفوز غير اتجاه المراهنين
الغريب، بحسب الشركة ذاتها أن انتصار السعودية غير اتجاهات المراهنين في مباراة أستراليا وفرنسا التي أقيمت مساء أمس وكانت تصب كلها في صالح فرنسا وهو ما حدث بالفعل، فقام عدد كبير من المراهنين بتوقع العكس بفوز أستراليا لكن بمبالغ قليلة خوفاً من خسائر فادحة كما حدث في مباراة السعودية والأرجنتين.
أرقام بحجم الخسائر
شركة بيتر فير وضعت إحصائية عقب المباراة التاريخية للسعودية وصفتها بالمذهلة، حيث تم تداول 314 ألف جنيه إسترليني على فوز الأرجنتين بسعر 1.02، فيما تداول آخرون بقيمة مليون و780 ألف جنيه إسترليني على فوز الأرجنتين بسعر 1.03، ثم تداول آخرون بقيمة 990 ألف إسترليني على فوز الأرجنتين بسعر 1.04.
والطريف أن 3 أشخاص فقط توقعوا أن يسجل صالح الشهري هدفاً للمنتخب السعودي فيما راهن 1500 شخص في شركة واحدة على احراز ميسي هدفاً قبل مرور 10 دقائق على البداية.
شركة أخرى في بريطانيا أكدت أن توقعات المراهنين لديها بفوز الأرجنتين كان بنسبة 80.2 بالمئة، مقابل 6.9 بالمئة للسعودية فيما راهن 12.9 بالمئة على نتيجة التعادل.
شركة ثالثة أميركية ذكرت أن المراهنين لديها خسروا 3 مليون و75 ألف دولار بعد المباراة.
حقيقة رقم 160 مليار دولار
اقتصاد سكاي نيوز عربية تواصلت مع "فايولا جولين" منسقة العلاقات العامة في إحدى شركات المراهنات الأميركية، التي أكدت أن تحديد رقم محدد لحجم الخسارة في مباراة واحدة أمر يكاد يكون مستحيلاً في ظل تواجد شركات غير قانونية وأفراد حول العالم يتداولون بشكل سري، لكن يمكن لكل شركة لاسيما المرخصة قانوناً أن تعلن عن إحصائية بالخسائر والمكاسب للمتداولين فيها.
وحول سؤالها عن تغريدات لمؤثرين عرب بخسارة المراهنين لـ160 مليار دولار عقب مباراة السعودية والأرجنتين، قالت جولين: "هذا الرقم مبالغ فيه ولا يمكن أن يكون حقيقياً، فالخسائر بعد مباراة الأرجنتين والسعودية قد تصل لأرقام كبيرة مثلاً إلى نحو مليار دولار لكن 160 مليار دولار فهذا الرقم مبالغ فيه". على حد قولها.
أضرار كبيرة للمراهنات
لا تقتصر أضرار المراهنات على الخسارة فحسب، بل تصل إلى الإصابة بأمراض نفسية خطيرة تصل إلى حد الأدمان، وكان كيث وايت المدير التنفيذي للمجلس الوطني الأميركي المعني بمشاكل المراهنات، قد وصف المراهنات بأنها "إدمان خفي".
الطبيب المصري أحمد أبو العز استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان صرح لاقتصاد سكاي نيوز عربية أن "الإدمان الخفي هو سلوك يتطلب عدة أشياء منها التكرار في الفعل بشكل كبير وإنشغال الشخص بهذا السلوك لوقت كبير وأخذ حيز كبير من تفكيره وعدم القدرة على إيقاف هذا السلوك عكس الإدمان المعلن مثل تناول المخدرات وما إلى ذلك".
وأضاف أبو العز، الحاصل على الزمالة من جامعة عين شمس، " ينطبق ما سبق على أي سلوك يقوم به الإنسان حتى في العمل المفرط، وبالنسبة للمراهنات فهي تسبب خسائر مادية كبيرة لأن المراهن يدخل في تفاصيلها يوماً بعد يوم ولا يعرف كيف يتوقف عنها حيث يرتفع سقف توقعاته سواء كان فائزاً فيرغب في تحقيق المزيد أو خاسراً فيسعى إلى تعويض الخسائر، وفي كل الأحوال سيتعرض لخسائر في النهاية تسبب له ضغوطاً نفسية تؤدي إلى عدم قدرته على النوم بانتظام والانتظار الدائم لنتائج المبارايات التي راهن عليها ستسبب له هذه الضغوط التي ستؤدي بالتالي إلى إصابته بأمراض عضوية مثل آلام مبرحة في المعدة وعدم انتظام ضغط الدم وتسارع نبضات القلب مما يؤثر على حياته، بالإضافة إلى أن هذا السلوك يضع فاعله في عزلة عن مجتمعه تؤدي بالتالي إلى الاكتئاب".
وتقف الجمعيات الخيرية في مناطق شتى في العالم وبالتحديد في الولايات المتحدة وبريطانيا بصرامة أمام تشريع عمليات المراهنات وتعتبرها عملاً غير قانوني وغير أخلاقي، خصوصاً في عالم الرياضة.
وكان جمعيات عديدة قد وجهت هجوماً لاذعاً على بعض نجوم الكرة السابقين ممن يدعمون شركات المراهنات هاري ريدناب وبيتر كراوتش وروبي كين.
ولجأت شركات المراهنات في آخر عشر سنوات لرعاية بعض الأندية الكبرى والملاعب الشهيرة في أوروبا، وباتت علاماتها التجارية موجودة في العديد من البطولات الكبرى بسبب رعايتها للأندية والملاعب.
حجم سوق المراهنات
شركة "ستاسيتا" قدرت حجم سوق قطاع المراهنات الرياضية في العالم من 2012-2021 وتوقعات لعام 2022 بـ 195 مليار دولار ويتوقع أن يصل في العام الحالي بوجود المونديال إلى 232 مليار دولار.
الشركة ذاتها ذكرت أن المراهنات صناعة يعمل فيها 245 ألف موظف في 25 ألف شركة، في عديد الدول التي شرعت هذه الصناعة، وتوقعت نمو عائدات المراهنات في أميركا وحدها إلى 10 مليار دولار بحلول عام 2028.