تميل الأسواق المالية للتعلم من تجارب الماضي، تجنباً لتكرار أخطاء تم ارتكابها في السابق. ولكن يبدو أن الحذر الشديد لا يمنع التاريخ من تكرار نفسه في بعض الحالات، وهذا ما حدث مع الانهيار المفاجئ لمنصة العملات المشفرة FTX، ما أعاد الى الأذهان عدة حوادث مماثلة حصلت سابقاً، خاصة تلك المتعلقة بانهيار شركة إنرون للطاقة في عام 2001 التي اعتبرت واحدة من أكبر الفضائح المالية في تاريخ أميركا.
ورغم أن التاريخ لا يعيد نفسه حرفياً بين انهيار FTX وانهيار إنرون، إلا أن ما يجمع بين الفضيحتين، هو "نفحة الاحتيال" والانخراط في ممارسات محاسبية مشبوهة، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه الإعلام الأميركي بإبراز مفاتن الشركتين كركائز قوية في عالم الأعمال.
ويقول المستشار المصرفي، بهيج الخطيب في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الإعلام الأميركي كان له دور كبير في إلهاء الناس عن حقيقة إنرون وFTX، خاصة أن هاتين الشركتين لجأتا إلى مراجع إعلامية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية، فمثلاً قامت مجلة اقتصادية متخصصة بمنح إنرون المرتبة السابعة ضمن تصنيفها لأكبر 500 شركة أميركية، لتعود المجلة نفسها وتصف مؤسس FTX سام بانكمان فرايد بخليفة الملياردير وارن بافيت.
حبر مدفوع
ويضيف الخطيب إن بعض الوكالات الاعلامية في أميركا يمكنها التأثير على المؤشرات وحركة رأس المال الاستثماري من خلال إبداء رأيها الإيجابي بقدرات شركة أو فرد، مشيراً إلى أن هذه السلطة يتم استغلالها في الكثير من الأحيان لخلق صورة مضللة عبر التقييمات والخدمات الدعائية المدفوعة، وهذا ما حصل في حالتيْ إنرون وFTX حيث تبين أن نجاحاتهما كانت "حبراً مدفوعاً" على ورق.
وشدد الخطيب على أن الاعلام الأميركي لا يتحمل وحده المسؤولية عما يحصل بالنسبة للاستثمار في العملات المشفرة، حيث تخصص منصات التداول ملايين الدولارات للإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، وإسماع الناس ما يريدون سماعه، لناحية قدرة هذا الاستثمار على تحقيق أرباح كبيرة بشكل سريع وبرأسمال صغير.
ويقول المستشار في أمن المعلومات والتحول الرقمي رولان أبي نجم في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاعلام الأميركي ساهم في اعطاء صورة غير واقعية عن منصة FTX ومؤسسها سام بانكمان فرايد الذي ظهر على غلافات عدة مجلات أميركية اقتصادية موثوقة، مشيراً إلى أن هذه المجلات بالإضافة إلى الكثير من الجهات الإعلامية قامت بالتسويق المدفوع لمؤسس FTX، وأشادوا به كما تم مقارنته بكبار رجال الأعمال في العالم دون التدقيق بحقيقة ما يقوم به هذا الرجل.
وبحسب أبي نجم فإن العملات الرقمية تأخذ قيمتها من الثقة ومن موضوع التسويق، وبالتالي فإن تكرار ظهور مؤسس FTX في الإعلام وإشادة أهم المجلات الاقتصادية به، ساعده على كسب ثقة المتداولين والمستثمرين، ليتبيّن الآن أن كل ما قاله الإعلام غير صحيح، ومرده إلى الدعاية المدفوعة التي كان يلجأ إليها بانكمان فرايد لتبييض صورته.
مصير الناس بيد شخص واحد
ولفت أبي نجم إلى أن موضوع الحملات الإعلانية المدفوعة لا يرتبط فقط بمنصة FTX بل بالكثير من منصات التداول الأخرى، التي تلجأ للتسويق لنفسها عبر المجلات والمشاهير ومنصات التواصل، وتوهم الناس أن الاستثمار بالعملات المشفرة هو استثمار سهل وسريع الأرباح، في حين أظهرت الوقائع أن مصير أموال الناس يكون مرتبطاً بقرارات شخص واحد، يستطيع التصرف بها من دون حسيب ولا رقيب، وهذا تحديداً ما أتاح لـ بانكمان فرايد التصرف بأكثر من 8 مليارات دولار أميركي من أموال الناس.