فيما يتساءل مراقبون حول مدى إمكانية فرض السقف السعري على النفط الروسي والآلية التي يمكن اتباعها لتحقيق هذا الهدف، يؤكد خبراء اقتصاد وطاقة أن جدية التنفيذ تبقى أمراً محيراً ضمن التجاذبات السياسية التي يشهدها العالم اليوم.
وخصوصاً أنها تجربة غير مسبوقة في تجارة النفط العالمية وتحمل أوجه الفشل والنجاح لكنها ستترك تداعيات كبيرة على سوق النفط في حال نٌفذت، مشيرين إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تطبق بشكل غير مباشر من خلال شركات التأمين وإعادة التأمين التي تخضع لسيطرة الدول السبع الغنية.
ومن المتوقع أن يكون يوم الخامس من ديسمبر المقبل تاريخاً مفصلياً في سوق النفط العالمية، حيث سيشهد بدء تنفيذ قرار مجموعة الدول السبع (G7) بفرض سقف سعري على برميل النفط الروسي، تزامناً مع سريان الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسية المنقولة بحرا بهدف تقليص إيرادات روسيا من مبيعات النفط رداً على أزمة أوكرانيا.
فرض السقف السعري بشكل غير مباشر
ويشرح الخبير الاقتصادي، الدكتور نضال الشعار لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الآلية التي يمكن من خلالها فرض السقف السعري على برميل النفط الروسي قائلاً: "في الحقيقة لا يمكن تطبيق القرار بشكل مباشر، بل ستلجأ الدول السبع إلى تطبيقه بشكل غير مباشر عن طريق شركات التأمين وإعادة التأمين، فمن المعروف أن النقل البحري قائم على شركات عالمية عددها بالآلاف وجميعها ملزم بموجب قوانين محلية والدولية بوجود تأمين لأي ناقلة وأي شحنة تعبر من بلد إلى أخر".
خارطة شركات التأمين العالمية
ويتابع الشعار: "خلال المئة عام الماضية اتحدت شركات التأمين مع بعضها لتشكل ما يسمى النادي، وكل مجموعة من هذه الشركات (عشرات أو مئات) يشكلون ناد خاص بها ويوجد في العالم حتى الآن 13 ناد يجمعهم ما يسمى مجموعة أندية التأمين والتعويض في العالم، و8 من هذه الأندية الـ 13 توجد في إنكلترا و2 في النرويج و1 في كل من السويد واليابان والولايات المتحدة الأميركية، أي كلهم موجودون في الدول الغنية".
التأمين مرتبط بسعر السلعة
هذه الشركات تستطيع أن تفرض على شركات النقل البحري التأمين على شحنة معينة من البترول بسعر محدد لأن الضمان يكون مرتبطاً بشكل دائم بسعر السلعة (سعر البيع أو التكلفة وعلى الأغلب سعر البيع) وبالتالي فإنه بإمكان الدول المسيطرة على هذه الأندية أن تفرض على شركات التأمين والتعويض وعلى شركات النقل عدم نقل أي شحنة قادمة من الاتحاد الروسي وبشكل خاص النفط إذا كان السعر يتعدى ما سيتم فرضه في 5 ديسمبر المقبل، وفقاً للدكتور الشعار.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الشعار أنه "وفقاً لهذه الآلية لن تتمكن أي شركة من نقل النفط من الاتحاد الروسي إلى أي دولة في حال عدم التزامها بالسقف السعري وبالتالي أي مخالفة لعملية الضمان لناقلة نفط من الاتحاد الروسي بسعر أكثر من المحدد من الدول السبع ستكون مكلفة وبالتالي لن تقدم شركات التأمين على هذه الخطوة ما يعني أن شركات النقل لن تستطيع القيام بنقل أي شحنة".
لكن ما هي الانعكاسات وماهي ردة فعل روسيا؟
وهنا يجيب الدكتور نضال الشعار قائلاً: "من الناحية الواقعية سوف ترفض روسيا هذه الخطوة ما يضعها أمام خيارات صعبة جداً، ومنها أن تتشكل سوق سوداء لبيع النفط القادم من الاتحاد الروسي وهذا الخيار مكلف بالنسبة لدولة ذات سيادة ولا يمكن تنفيذه لأن كميات النفط المنتجة في روسيا تتجاوز 10 مليون برميل يومياً يُصدّر منها النصف على الأقل وبالتالي لا يمكن خلق سوق سوداء لهذا الكمية، كما أن التخزين أمر شبه مستحيل إذ لا يوجد مستودعات في جميع أنحاء العالم تستطيع أن تخزن يومياً هذه الكميات الكبيرة، أما إن كان الحل بتخفيض الإنتاج فسيكون ذلك مكلفاً جداً للحكومة الروسية والشعب الروسي فضلاً عن أن التخفيض يضر الآبار والبنية التحتية لجريان البترول تحت القشرة الأرضية إذ لا يمكن تعطيل بئر وإعادة تشغيله بسرعة كبيرة لأن هناك دورة إنتاجية لكل بئر".
ورداً على سؤال حول مدى جدية تنفيذ هذا القرار قال الدكتور الشعار: "يبقى ذلك أمراً محيراً ضمن التجاذبات السياسية التي نشهدها اليوم، لكن النقطة الأهم هنا أنه في حال تم تطبيق القرار، لا ندري في المستقبل ومع تطور الوضع الجيوسياسي وتأزمه أن يتم تطبيق ذات القرار على سلع أخرى مثل القمح أو الشعير أو المنتجات الغذائية أو المعدنية".
لعبة الكراسي
في مقابلة على "سكاي نيوز عربية" ضمن برنامج عالم الطاقة مع لبنى بوظة، وصف الدكتور أنس الحجي مستشار التحرير في منصة الطاقة ما سيحصل في أسواق النفط بعد فرض سقف على سعر برميل النفط الروسي بلعبة الكراسي قائلاً: "سيكون هناك استثناءات لأربع دول أوروبية من حظر الاستيراد ثلاث منهم عبر الأنابيب، في حين سيستمر أنبوب دروجبا بضخ النفط إلى هذه الدول، ولكن بالنسبة للدول الأخرى كل ما سيحصل يشبه لعبة الكراسي حيث سيتم توجيه سفن باتجاه وأخرى باتجاهات مختلفة، ما يعني أنه لن يكون هناك شحن في الإمدادات، ولكن سترتفع التكاليف بسبب تغيير اتجاهات الشحنات".
سقف سعري لحفظ ماء الوجه
ويضيف الدكتور أنس الحجي حول السعر المتوقع لصادرات النفط الروسية: "التوقعات تحوم حول 60 دولاراً لسقف سعر برميل النفط الروسي وهو نفس السعر الذي تعمل به الآن كل من الهند والصين وبالتالي فإن القرار على الأغلب سيكون لحفظ ماء الوجه بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تقف وراء هذه الخطوة".
وبحسب الدكتور الحجي، فإن "سبب الحديث عن هذا السعر يعود إلى أن نظام الضرائب الروسي لا يتيح للشركات أن تحقق أي أرباح فوق سعر 55 دولار للبرميل وبالتالي لو تم تحديد سعر أقل من 55 دولاراً فسينخفض إنتاج النفط الروسي ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق بشكل كبير وهذا لا تريده الإدارة الأميركية، لذلك نقول إن سعر 60 أو 65 دولاراً يعد اختياراً منطقياً من حيث التكاليف ولكنه نفس السعر الذي تدفعه الهند والصين، لكن هذا السعر لا ينطبق على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لأن الاتحاد الاوروبي سيوقف الاستيراد رسمياً في 5 ديسمبر المقبل والولايات المتحدة أوقفت الاستيراد رسمياً منذ عدة شهر، ما يعني أن السعر سيطبق على الدول الأخرى التي تريد أن تشتري النفط من روسيا".
ويشير مستشار التحرير في منصة الطاقة في حديثه لسكاي نيوز عربية، إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تقوم الدول الأفريقية بالاستيراد من روسيا بالسعر المحدد حتى تستفيد من شركات التأمين الأميركية ومن خدمات الشحن الأميركية.
تجربة غير مسبوقة
من جانبه، يقول عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "هناك إصرار من مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي على تطبيق السقف السعري الذي يعتبرونه السبيل الوحيد لتقليص الإيرادات الروسية من النفط وبالتالي تقليص قدرة روسيا على تمويل جيشها، وأتوقع أن يتم الإعلان عن السعر في 24 نوفمبر الحالي ليحوم حول 60 دولاراً للبرميل وربما يتم ذلك ببعض الاستثناءات، فالدول التي لن تطبق السقف السعري هي الهند والصين وتركيا وتعد من أكبر المستوردين للنفط الروسي بالتالي القرار سيكون حافزاً لهذه الدول للحصول على سعر أقل من روسيا".
ويؤكد الشوبكي أن هذه التجربة غير مسبوقة في العقوبات وبالتالي فإن إمكانية تطبيقها على المحك حيث تحمل أوجه الفشل والنجاح ولكن بالتأكيد سيكون لها تباعات كبيرة على سوق النفط وبالتالي ستؤثر على قرار "أوبك بلس" في اجتماعها المقبل لتحديد سياستها الإنتاجية للأشهر الستة الأولى من عام 2023، لافتاً إلى أن روسيا أعلنت عدم تصدير النفط إلى دول توافق على السقوف السعرية ما يمكن أن يتسبب في إفشال العقوبات في حال قررت موسكو تخفيض إنتاجها بشكل كبير، وخصوصاً أنها تصنف من بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم مع السعودية والولايات المتحدة وثاني أكبر مصدر للنفط بعد السعودية.