أفقدت سياسة "صفر كوفيد" التي تتبها الصين بهدف التصدي للسلالات الجديدة من فيروس كورونا، موثوقية ثاني أكبر اقتصاد في العالم لدى شركائه التجاريين نتيجة تعطل سلاسل التوريد، بحسب خبراء اقتصاد أكدوا أن الاقتصاد الصيني يشهد في الفترة الأخيرة حالة من التباطؤ والنقص الحاد في الطلب إلى جانب تراجع الصادرات وأسعار المساكن والعقارات، وسط غياب أي مؤشرات لتخفيف الإغلاقات والقيود التي تتبعها البلاد.

وعلى الرغم من احتفاء منظمة الصحة العالمية قبل عامين بالنجاح الذي حققته الصين في التغلب على الفيروس، يأتي تصريح الحزب الشيوعي الصيني في مقال نشرته الجريدة الرسمية للحزب منتصف أكتوبر الجاري، بمواصلة البلاد سياستها في التصدي لسلالات الفيروس، ليؤكد إصرار الدولة على الالتزام بما سمته استراتيجية "صفر كوفيد"، ما يؤدي إلى عزل بكين بشكل متزايد، في الوقت الذي تعود فيه دول أخرى، عانت من حالات تفش أسوأ بكثير، إلى مظاهر الحياة ما قبل الوباء العالمي.

ومنذ ظهور الفيروس لأول مرة في نهاية عام 2019 لم يتغير منظور الصين لكوفيد كثيراً إذ تعتبر الفيروس تهديداً للصحة العامة يجب التخلص منه بأي ثمن، لذلك فإن نهج بكين يتمثل في عزل المرضى والمخالطين، وكذلك الحجر الصحي لأي شخص قادم من خارج البلاد، كما يقابل أي انتشار للفيروس في المدن بسيل من الحملات لإجراء فحوص موجهة ثم الحجر الصحي للقضاء عليه وهو ما يزال في بدايته، في حين تلجأ كملاذ أخير إلى إغلاق المدينة.

أخبار ذات صلة

عودة قيود كورونا في الصين تضغط على أسعار النفط
الأسهم الصينية في وول ستريت.. هل أضر فوز "شي" بشركات بلاده؟

الاقتصاد الصيني في أسوأ حالاته

ويؤكد الخبير الاقتصادي علي الحمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "الاقتصاد الصيني في أسوأ حالاته منذ أوائل عام 2020 بعد أن توسع بالكاد في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة مع الربع نفسه في عام 2021، وانكمش الاقتصاد بنسبة 2.6 بالمئة في النصف الأول من العام الجاري نظراً للنمو الضئيل بينما يجب أن ينمو بنسبة 7 إلى 8 بالمئة في النصف الثاني من العام الجاري لتحقيق هدف النمو البالغ 5.5 بالمئة لعام 2022 بأكمله، لكن من الواضح أن هذا الهدف بعيد المنال".

وخفّض صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين لعامي 2022 و2023 إلى 3.2 بالمئة و4.4 بالمئة على التوالي، وأشار إلى أن عمليات الإغلاق المتكررة أثرت سلباً على الاقتصاد.

فصل الصين عن العالم اقتصادياً

إن العزلة الذاتية للصين في ظل سياسة "صفر كوفيد" يجعلها أقل قدرة على المنافسة وأقل جاذبية للمستثمرين الدوليين والطلبة الأجانب، ما قد يؤدي إلى عدم اعتماد العالم على الصين اقتصادياً بمعنى فصل الصين عن العالم اقتصادياً وهو ما يشكل أحد أهم مخاطر هذه السياسة، بحسب الخبير الاقتصادي الحمودي، الذي أكد أن عزل الصين سيدفع شركاءها التجاريين للبحث عن بدائل وهو الأمر الذي يؤدي إلى النظر للصين على أنها شريك تجاري غير موثوق به أو أقل موثوقية نتيجة تعطل سلاسل التوريد وسط غياب أي مؤشر أو بارقة أمل تشير إلى الانتهاء من هذه السياسة في وقت قريب.

أخبار ذات صلة

ألمانيا تسمح للصين بالمشاركة في مشروع مثير للجدل
حرب الرقائق الإلكترونية.. سيطرة أميركية ومخاطر اقتصادية

تعطل سلاسل التوريد

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تظهر المؤشرات الاقتصادية من الصين تباطؤ الاقتصاد وتراجع الصادرات وأسعار المساكن والعقارات عموماً، وعلى الرغم من أن هناك نمواً في الاقتصاد غير أن هذا النمو لم يستفد من طفرة ما بعد (كوفيد -19) التي شهدناها في أغلب الاقتصادات العالمية، بسبب سياسة (صفر كوفيد) التي فرضت عمليات إغلاق صارمة فأبطأت النشاط التجاري وزادت من تعطيل سلاسل التوريد، وأعتقد أنه بإمكان الصين أن تتخذ نهجاً مختلفاً مع إعطاء الأولوية للأهداف الاقتصادية بدلاً من السياسية والحزبية المدفوعة بالرغبة في إظهار تفوق طرق الحزب الشيوعي على الأساليب الغربية تجاه محاربة الفيروس".

إضعاف ثقة المستهلكين

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وفاة نحو 5200 شخص في الصين بسبب الفيروس مقارنة مع أكثر من مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية، لكن القواعد الحكومية الصارمة التي تشمل الحجر الصحي للأشخاص المعرضين للفيروس والمراقبة المشددة وإغلاق مدن بأكملها قوضت ثقة المستهلكين وأضرت بالإنفاق الداخلي وضغطت على الحكومات المحلية التي تعد محرك النمو الاقتصادي في الصين وأربكت اقتصاديي العالم حول الأسباب والدواعي، وفقاً للخبير الاقتصادي القمزي.

ويضيف القمزي: "سياسة (صفر كوفيد) ليست وحدها السياسية الحكومية التي تؤثر على اقتصاد البلاد، فهناك الموقف المعادي للقطاع التكنولوجيا الصيني وكذلك سياسة (العقارات للسكن وليس للمضاربة) والتي قطعت التمويل عن مطوري العقارات وتسببت في أزمة عقارية".

الاقتصاد الأسري

من جهته، ينوه الخبير التنموي أكرم العفيف بأن الاقتصاد الأسري يعد القطاع الأكثر تحصيناً ضد جميع المخاطر المتوقعة نتيجة سياسة العزل، بل يمكن أن تزداد إنتاجيته في الحالات التي تضطر فيها السلطات للإغلاقات بسبب زيادة الطلب على المنتجات الأسرية وخصوصاً أن إنتاجية المعامل تتأثر بشكل كبير نتيجة منع الاختلاط، بينما ضمن الأسرة الواحدة يمكن استمرارية العمل والحصول على منتج آمن مع بعض الإجراءات الاحترازية كالتعقيم".