دفعت سياسة زيمبابوي النقدية المتشددة بإبقائها على أعلى سعر فائدة قياسي في العالم عند 200 بالمئة للعام المقبل لكبح جماح التضخم، المراقبين للتساؤل فيما إذا كان رفع سعر الفائدة هو العلاج الناجع لهذه المعضلة أم أن هناك حلولاً أخرى؟
وفي الوقت الذي تستمر فيه معظم البنوك المركزية في العالم تحريك سعر الفائدة باعتباره الترياق الشائع لترويض التضخم، يرى بعض خبراء الاقتصاد أن هذه الأداة لا تمثل حلاً ناجعاً لتصحيح مسار الاقتصاد إذا لم يترافق معها سياسة إنفاقية جديدة وخصوصاً في الدول النامية.
وارتفعت أسعار المستهلك في زيمبابوي بنسبة 280 بالمئة في سبتمبر الماضي، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، وفقاً لوكالة الإحصاءات الوطنية، كما تضاعفت تكاليف الغذاء في هذا البلد الأفريقي أكثر من 3 مرات نتيجة الانخفاض الحاد في قيمة دولار زيمبابوي الذي فقد أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار الأميركي هذا العام، وهو أسوأ العملات أداءً في أفريقيا، في حين تشير وزارة الخزانة إلى أن البلاد مدينة بمبلغ 13.2 مليار دولار لمؤسسات مالية دولية مختلفة في نهاية يونيو الماضي.
سياسات تصحيح المسار الاقتصادي
يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار أن الحكومات لديها نوعين من السياسات لتصحيح المسار الاقتصادي أو إدارة الاقتصاد بشكل عام، الأول السياسة النقدية وهي معدلات الفائدة وكمية النقود والتضخم وكل ما يتعلق بالعملة، والثاني السياسة الإنفاقية أو المالية والتي هي قيام الحكومات بعمليات استثمارية في البنية التحتية والرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية والدعم الموجه للمواطن والجماعات ودعم السلع مثل القمح.
رفع الفائدة لوحده غير مفيد
ويشرح الدكتور الشعار في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "أهم وأول أداة للسياسة النقدية هي أسعار الفائدة، وهذه الأداة مهمة جداً بالنسبة للدول المتقدمة التي لديها حساسية لأسعار الفائدة لجهة الإقراض والاقتراض والاستثمار، والمشكلة بالنسبة لدولة مثل زيمبابوي أو معظم الدول النامية ليس لديها حساسية لأسعار الفائدة في اقتصاداتها وبالتالي فإن رفع أو تخفيض أسعار الفائدة ليس له تأثير على مسار الاقتصاد".
ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور الشعار أن "استخدام أسعار الفائدة كأداة لتخفيض التضخم أو السيطرة على الاقتصاد في أي دولة حتى لو كانت الولايات المتحدة الأميركية يجب أن يترافق مع سياسة إنفاقية تحدث نوعاً من التوازن بين السياسة النقدية والمالية، وهنا لا بد للحكومات أن تستثمر في البنية التحتية والبرامج الاجتماعية".
ويضيف الدكتور الشعار: "رفع سعر الفائدة لوحده عملية غير مفيدة على المديين القصير والطويل، فعلى المدى القصير، يمكن أن نرى ظواهر لهذه السياسة كأن ينخفض التضخم لكن يحدث في بعض الأحيان صدمة كبيرة لكل مجالات الأعمال وبشكل خاص للإقراض والاقتراض وأسعار المساكن، فعلى سبيل المثال انخفضت أسعار المساكن في الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الفائدة حيث وصلت تكلفة القروض إلى نحو 7 بالمئة بينما كانت بين 2 و3 بالمئة".
نظرية النقود
وهناك الكثيرون لديهم وهماً يكمن في أن السياسة النقدية أهم شيء لتصحيح مسار الاقتصاد، وهؤلاء يؤمنون بنظرية النقود (كمية النقود)، لكن ذلك لا يمثلا حلاً كافياً إذ يجب أن يترافق ذلك مع سياسة إنفاقية جديدة إلى جانب تحديد كمية النقود المطروحة في الاقتصاد، وهذا أمر مهم بالنسبة للبلدان النامية، بحسب الدكتور الشعار.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي: "عانى اقتصاد زيمبابوي من التضخم كبقية الاقتصادات في العالم لأسباب عديدة، منها التوسع النقدي غير المدعوم بالنمو الاقتصادي، ويعني ذلك أن هناك كمية كبيرة من النقود أو الأموال تطارد كمية قليلة من السلع والخدمات ما ينعكس على ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية، بالإضافة إلى تراجع توقعات الأفراد بالنسبة للتضخم، حيث عادة ما تكون التوقعات ثابتة عندما تكون أسعار السلع والخدمات مستقرة بمرور الوقت ومتسقة مع ما يتوقع الأفراد أن يدفعوه مقابلها، وبالتالي يحدث التراجع في التوقعات عندما تختلف الأسعار بشكل كبير، ويمكن أن يكون لذلك تأثيراً تضخمياً ناشئاً عن زيادة الأجور وزيادة الطلب، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي تحقق توقعات التضخم ذاتها".
رفع الفائدة الترياق الشائع
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يرى الدكتور الشناوي أن "رفع سعر الفائدة لا يزال الترياق الشائع لكبح جماح التضخم وترويضه، ولكن يُخشى من أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة توسع الشركات ما يدفع إلى تخفيض الاستثمارات وهو ما يضر بالنهاية بالتوظف والوظائف، وأعتقد أن رفع سعر الفائدة فقط ليس إجراء مناسباً لتخفيض الطلب وكبح جماح التضخم لسببين الأول يعود إلى أن الأسعار المرتفعة كانت مدفوعة بالأساس من الصدمات الناشئة عن سلاسل التوريد حيث لم يتمكن المنتجون من الإنتاج أو من تسليم الإنتاج بشكل كفء للمستهلكين بسبب الإغلاقات الناجمة عن جائحة كورونا، ونقص امدادات السلع الأساسية بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، وبالتالي من الصعب أن تفعل السياسة النقدية شيئاً حيال صدمات العرض وبالتالي يصعب على البنوك المركزية الحفاظ على سيطرتها على التضخم".
أما السبب الثاني فيتجلى، بحسب الشناوي، في أننا نعيش زمن حالات الطوارئ المتداخلة حيث يتزامن انتشار الأوبئة وتغيرات المناخ إلى جانب التغييرات الجيوسياسية الشديدة، لذلك يتطلب الأمر الاستعداد للصدمات المستقبلية المتعلقة بالتدفقات العالمية للسلع.
وأما عن الحلول البديلة المتعلقة باقتصاد زيمبابوي يضيف الخبير الاقتصادي الشناوي: "يتوجب على صانعي السياسات تهيئة الأرضية للاستثمارات بشكل عاجل، لزيادة القدرة الإنتاجية، وضرورة استخدام نهج جراحي لكبح زيادة الأسعار التي أدت الى التضخم عبر تشجيع الاستثمارات للتغلب على مشكلة سلاسل التوريد واستصدار قانون استقرار الأسعار الطارئة لتسليح صانع السياسة بأدوات السيطرة على التضخم وإعادة التوازن للاقتصاد دون خفض الاستثمارات والتضحية بالعمال، إلى جانب تثبيت الأسعار لحماية الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط ، وضرورة تقييد النمو النقدي حتى يمكن معالجة العوامل الأساسية المحركة للتضخم والتوسع في نقل التكنولوجيا عن طريق استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر وإعادة النظر في مستويات الديون المستحقة للمؤسسات الدولية".