تواجه تركيا التضخم الجامح الذي لم يشهده العالم منذ عقود، بعكس النظريات الاقتصادية والأدوات التي تتبعها كبرى المصارف المركزية في العالم، حيث يواصل البنك المركزي التركي خفض أسعار الفائدة لتشهد الليرة تآكل المزيد من قيمتها بينما ينمو اقتصاد البلاد بمعدلات جيدة، ما يدفع المراقبين للتساؤل.. أيهما أفضل للمواطن نمو الاقتصاد أم تآكل الليرة؟

ويعد رفع سعر الفائدة الأداة النقدية الأبرز لدى كافة البنوك المركزية لكبح جماح التضخم، حيث تؤكد القاعدة الاقتصادية أن "قرار رفع سعر الفائدة يزيد عبء القروض الجديدة والقائمة الأمر الذي يدفع عملاء البنوك إلى التفكير أكثر من مرة قبل الإقدام على الاقتراض، ما يعني امتصاص السيولة النقدية من السوق لإبطاء الاستهلاك وبالتالي إبطاء النمو الاقتصادي".

ويرتفع التضخم في تركيا منذ نوفمبر من العام الماضي في الوقت الذي تراجعت فيه الليرة بعد تخفيضات البنك المركزي لسعر الفائدة في سلسلة من إجراءات غير تقليدية لتيسير السياسة النقدية كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إليها منذ فترة طويلة، بل إنه تعهد قبل أيام أمام حشد في إقليم باليكسير غربي البلاد بأن يواصل البنك المركزي خفض أسعار الفائدة كل شهر ما دام في السلطة.

أخبار ذات صلة

تركيا تتوقع انتعاش السياحة بالشتاء مع ارتفاع الأسعار بأوروبا
التضخم في تركيا فوق 83 بالمئة.. الأعلى منذ ربع قرن

وسجل التضخم السنوي التركي ذروة جديدة في سبتمبر الماضي تمثل أعلى مستوى في 24 عاماً عند مستوى 83.45 في المئة، فيما حقق الاقتصاد التركي نموا في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 7.3 في المئة، وفي الربع الثاني 7.6 في المئة على أساس سنوي، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي.

ويؤكد الخبير الاقتصادي علي الحمودي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "نمو الاقتصاد وفقاً للمنطق الاقتصادي أهم من تآكل قيمة العملة في أغلب الأحيان، لأن تآكل قيمة العملة أمر طبيعي مع دخول الاقتصاد العالمي في دوراته الاقتصادية التي تأخذ في العادة بين سبعة إلى تسع سنين، فإذا كان اقتصاد الدولة يشهد نمواً فهذا يعود بالرفاهية على المواطن حتى لو كانت عملة دولته ضعيفة".

أخبار ذات صلة

أردوغان يأمل بخفض الفائدة إلى ما دون 10 بالمئة بنهاية العام
البطالة في تركيا تهبط لأدنى مستوى في أكثر من 4 سنوات

ويوضح الحمودي أن "العملة الضعيفة في دول مثل تركيا ولبنان ومصر تستقطب السياح والاستثمارات الأجنبية ما يؤدي إلى نمو الاقتصاد وانتعاشه، وهذا جيد للمواطن الذي يعيش داخل البلد حيث يجد فرصاً أكثر للعمل وستكون هناك تنافسية في الرواتب، غير أن بعض السلع المستوردة ربما يكون سعرها مرتفعا وهذا أمر طبيعي".

لكن الخبير الاقتصادي الحمودي يشير إلى أن "التضخم في الحالة التركية ليس تضخماً عادياً، فنسبة 80 في المئة أو أكثر تعد رقماً كبيراً، وهناك تخوف من أن يؤدي مثل هذا التضخم إلى ما يُعرف بـ (التضخم الهارب أو السريع)، فالسلعة التي يشتريها المستهلك اليوم بسعر معين يمكن أن يشتريها غداً بسعر يزيد على الضعف مثلاً ما يفقد ثقة الناس بالاقتصاد ويدفعهم للتوجه إلى شراء سلع وأصول معمرة لأنهم يشعرون أن التضخم سريع والعملة تفقد قيمتها بشدة".

ويضيف الحمودي أن التضخم الخارج عن السيطرة لا يفيد أي اقتصاد حتى لو كان هذا الاقتصاد في حالة نمو لأنه سينفّر المواطن من العملة المحلية وكذلك المستثمرين الذي لا يرون مستقبلاً واضحاً لهذا الاقتصاد إذا لم تتم السيطرة على التضخم، وفي تركيا بالتحديد هناك مشكلة بين السياسة المالية المنوطة بالحكومة والسياسة النقدية التي من المفروض أنها مستقلة وتتبع للبنك المركزي الذي عليه أن يرفع الفائدة حتى يحد من التضخم.

بدوره، يقول الاقتصادي حسين القمزي رداً على سؤالنا.. أيهما أفضل للمواطن نمو الاقتصاد أم تآكل الليرة: "في الحالة التركية هناك توجه سياسي يرى أن نمو الاقتصاد وتآكل الليرة أفضل، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفضل ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار على خسارة المواطنين الأتراك لوظائفهم، وهذا يعود ربما لأسباب انتخابية، لكن على المدى الطويل التضخم وخسارة الليرة لقيمتها هو الأكثر ضرراً للاقتصاد والمواطن التركي".