دفعت سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة، والإغلاقات الشاملة والمتكررة التي فرضتها الصين على عدد من المدن وسط تفشٍ لحالات الإصابة بـ "كوفيد 19"، إلى انخفاض اليوان لمستويات قياسية أمام الدولار الأميركي.
وانخفض اليوان الصيني، الأربعاء الماضي، إلى 7.2301 أمام الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ يناير 2008، ويأتي ذلك في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى، بعد أن رفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بنسبة 0.75 بالمئة في 21 سبتمبر الجاري للمرة الثالثة على التوالي، سعياً منه لتهدئة معدلات التضخم المرتفعة، لتصبح في نطاق 3.00 إلى 3.25 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، بعد أن كانت نسبتها في نطاق 2.25 إلى 2.50 بالمئة قبل الزيادة.
وترى الدكتورة نيفين حسين شمت المختصة في الشؤون الاقتصادية الدولية أن "انخفاض اليوان الصيني هو رد فعل لأزمة (كوفيد-19) وعمليات الإغلاق التي أضعفت الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى سياسات البنك الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة، حيث رفعت الولايات المتحدة سعر الفائدة لأول مرة في مارس 2022 بنسبة 0.25 بالمئة، وتبعتها زيادة بنسبة 0.5 بالمئة في اجتماع مايو الماضي، ثم بنسبة 0.75 بالمئة في يونيو الماضي والتي كانت أعلى نسبة رفع منذ عام 1994، ثم قرر الفيدرالي رفعاً آخر في يوليو الماضي بنسبة 0.75 بالمئة، وكذلك في سبتمبر الجاري بذات النسبة، ومن المقرر أن يجتمع الفيدرالي الأميركي لمراجعة أسعار الفائدة مرة أخرى يومي 1 و2 نوفمبر المقبل".
وتراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسية في جميع أنحاء آسيا، وأغلق مؤشر نيكي القياسي الياباني على تراجع بنسبة 1.5 بالمئة بينما أغلق مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية الأربعاء الماضي على تراجع بنسبة 2.4 بالمئة، وتراجع مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 2.8 بالمئة، وتواجه الأسواق الناشئة في آسيا الخطر نظراً لاعتمادها بشدة على اليوان الصيني بسبب عمليات بيع المواد الخام والمكونات للمصانع الصينية، بحسب الدكتورة شمت.
وتضيف المختصة في الشؤون الاقتصادية الدولية: "يسعى بنك الشعب الصيني (البنك المركزي في البلاد) لإبطاء تراجع اليوان بجعله أكثر تكلفة للمراهنة على العملة، وخفض حجم ما يتعين على بنوك العملات الأجنبية الاحتفاظ به، كما لجأ إلى تخفيض معدلات الفائدة لإحياء النمو في اقتصاد دمرته تدابير الإغلاق للحد من تفشي كورونا، في حين يتحرك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بقوة في الاتجاه المعاكس في ظل سعيه للسيطرة على التضخم".
فيما يرى خبراء أن تراجع قيمة العملة يمكن أن يمثل فائدة للمصدرين داخل الصين باعتباره سيجعل سلعهم أرخص، وبالتالي قد يعزز الطلب، ولكن تتساءل الدكتورة شمت.. ما هي الاستفادة من ذلك وخصوصاً أن الصادرات لا تشكل سوى 20 بالمئة من الاقتصاد الصيني؟.
وهنا تجيب شمت على التساؤل بنفسها قائلة: "إن تراجع اليوان لن يغير مسار الضعف الأساسي المحلي من جراء استراتيجية بكين في مكافحة وباء (كوفيد 19) وأزمة العقارات، فمنذ عام 2020، اتبعت الصين سياسة صفر كوفيد والمتمثلة في تجنب حدوث إصابات جديدة نتيجة إجراءات العزل والفحوصات المكثفة وفرض الحجر الصحي على الذين تثبت إصابتهم ومراقبة تحركاتهم ما أثر على أداء الاقتصاد ككل وخفض معدلات نموه، ففي الربيع الفائت، أغلقت العاصمة الاقتصادية شنغهاي لمدة شهرين مع أسوأ تفشٍ في البلاد منذ عامين، وطرحت فكرة فرض حجر مماثل لفترة محددة في مايو في العاصمة بكين، لتشكل هذه الإجراءات ضربة قاسية للاقتصاد إذ أجبرت عدداً كبيراً من الشركات والمصانع والشركات على وقف عملياتها كما شكلت ضغطاً على سلاسل التوريد".
ووفقاً للدكتورة شمت فإن ضعف اليوان قد يؤدي إلى سحب المستثمرين أموالهم من البلاد، فضلاً عن حالة من الغموض في الأسواق المالية، وهو أمر يرغب المسؤولون الصينيون في تجنبه مع انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الشهر المقبل، الذي من المتوقع أن يحصل فيه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على ولاية ثالثة.
بدوره، يؤكد أستاذ الاقتصاد الدكتور هاني الشامي أن "الصين تتعمد دائماً تخفيض قيمة اليوان وإن يُرجَح هذه المرة سبب تراجع قيمته رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي، وهو ما يجعل المستثمرين الذين يبحثون عن الاستثمار في الـ "HOT MONEY"، أو ما يسمى الاستثمار في معدلات الفائدة، يلجؤون إلى وضع أموالهم في البنوك الأميركية الأمر الذي يزيد الطلب على الدولار من جراء تحويل الناس اليوان إلى الدولار"، مشدداً على أن الـ "HOT MONEY" تدمر الاقتصاد العالمي بمعنى أن رفع سعر الفائدة يلقي بظلاله السيئة على الاقتصاد العالمي".
ويشرح الدكتور الشامي أن "الصين في كل الحالات لا تعلن عن سياستها بتخفيض قيمة اليوان بشكل صريح، والدول عموماً لا تتباهى بهذا الفعل، لكن الصين سواء تعمدت تخفيض قيمة اليوان أو أنه انخفض بسبب رفع الفائدة الأميركية وإجراءات العزل والإغلاق لمنع انتشار كورونا، فإن هذا الانخفاض يصب في مصلحة صادرات الصين، فكلما انخفضت قيمة اليوان تدنت قيمة السلع الصينية وهو ما يجذب المستثمرين حول العالم للشراء، لأن السلع الصينية تتمتع بمرونة عالية، بمعنى أن استجابة الناس للطلب على السلع الصينية عند انخفاض سعرها تكون عالية جداً".
ويجزم الدكتور الشامي أن الصين لا تقلق من انخفاض قيمة اليوان لأنها تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تستفيد من انخفاض قيمة عملتها سواء بشكل متعمد أو لأسباب اقتصادية، كونها تصدّر السلع لجميع دول العالم بحجم صادرات كبير جداً، ويصف هذه الحالة بـ "النادرة" على مستوى العالم، فهناك الكثير من الدول لا يُفسر انخفاض قيمة عملتها لمصلحة اقتصادها؛ لأنه ليس لديها طلب ولا مرونة سعرية على الصادرات.