تخيل أن الاقتصاد البريطاني سيارة، يقودها وزير المالية، واضعا قدمه على دواسة الوقود، بينما يجلس بجواره محافظ بنك إنجلترا المركزي، واضعا قدمه على الفرامل!
هكذا وصف الخبير الاقتصاد العالمي محمد العريان ما يحدث في بريطانيا، عقب انهيار الجنيه الإسترليني لمستوى غير مسبوق، بعد إعلان الحكومة عن تخفيضات ضريبية ضخمة وحوافز استثمارية لتعزيز النمو الاقتصادي، في الوقت الذي يعمل البنك المركزي على تشديد الأوضاع المالية لكبح التضخم المرتفع.
انخفض الجنيه الإسترليني، صباح الاثنين، بنسبة تصل إلى 5 بالمئة مقابل الدولار، ليصل إلى 1.0327 دولار، وهو أضعف مستوى في تاريخه، قبل أن يسترد بعض مكاسبه في منتصف اليوم مسجلا حوالي 1.0719 دولار. لكنه لا يزال منخفضا بأكثر من 20 بالمئة منذ بداية العام.
وقال خبير الأسواق العالمية، علي حمودي، لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "هبوط الجنيه الإسترليني جاء بعد إعلان الحكومة البريطانية الجديدة الأسبوع الماضي أنها ستنفذ تخفيضات ضريبية وحوافز استثمارية لتعزيز النمو.. لكن هذه الإجراءات الاقتصادية ستفيد الأثرياء بشكل غير متناسب وقد تؤدي إلى تحمل المملكة المتحدة مستويات عالية من الديون في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة".
وأعلن وزير المالية البريطاني، كواسي كوارتنغ، الجمعة، عن حزمة إجراءات ضريبية من شأنها خفض الضرائب على الشركات ودعم الاقتصاد البريطاني.
كما ألغت بريطانيا أعلى معدل لضريبة الدخل في البلاد كما ألغت الزيادة المخططة لضرائب الشركات، ضمن خطة مكلفة للغاية لدعم فواتير الطاقة للأسر والشركات.
هذه الخطة الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة جاءت بعد يوم واحد من قرار بنك إنجلترا المركزي بزيادة الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي بهذا المقدار، لمكافحة التضخم الذي وصل لأعلى مستوياته في نحو 4 عقود.
وكانت هذه الزيادة الأخيرة في الفائدة هي السابعة على التوالي منذ ديسمبر، في أطول سلسلة من الارتفاعات للفائدة لم تشهدها إنجلترا منذ الأربعاء الأسود قبل 30 عاما.
زيادة استثنائية للفائدة
وقال الحمودي، إنه "تحد كبير" أمام بنك إنجلترا لمحاربة التضخم بينما تحاول الحكومة تحفيز الاقتصاد، وقد يعقد بنك إنجلترا اجتماعا طارئا بشأن السياسة هذا الأسبوع ويرفع أسعار الفائدة، و"هذا لن يفاجئني إذا حدث ذلك".
ما قاله الحمودي، يتفق مع بعض الدعاوى من مسؤولين سابقين ومحللين، طالبوا البنك المركزي بتدخل سريع قبل اجتماعه في نوفمبر المقبل، من أجل تهدئة الأسواق ودعم الجنيه الإسترليني.
وكان جورج سارافيلوس، المحلل في "دويتشه بنك" الألماني، قال في مذكرة الجمعة، إن على بنك إنجلترا رفع الفائدة خلال الأسبوع الحالي حتى يتمكن من استعادة مصداقيته مع السوق، الذي فوجيء بخطة الحكومة التي تزيد قيمتها على 60 مليار جنيه إسترليني سيتم تمويلها من الديون.
وتوقعت "بلومبرغ إيكونوميكس" في تقرير، الاثنين، أن يقدم بنك إنجلترا على زيادة أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع طارئ، مع استمرار انخفاض الإسترليني، والذي زاد من تراجعه الصعود الصاروخي لمؤشر الدولار.
وقال كبير الاقتصاديين في بلومبرغ إيكونوميكس، دان هانسون، إن التراجع الكبير للإسترليني "سيقرع أجراس الإنذار في البنك المركزي".
لكن هانسون يرى أن "بنك إنجلترا قد يفضل الامتناع عن هذه الخطوة (رفع الفائدة) لتجنب النقد الصريح لسياسات الحكومة، وبدلا من ذلك قد يختار الخطاب الشفهي المتشدد في الأيام المقبلة".
وأضاف: "رفع سعر الفائدة بشكل طارئ سيكون بمثابة لائحة اتهام دامغة لاستراتيجية الحكومة، لكنه سيصبح مرجحا بشكل متزايد إذا فشلت الأسواق في الاستقرار".
"أحد أسباب الانتظار هو إعطاء فرصة للحكومة للرد"، بحسب ما قاله هانسون.
وعن توقعات سعر الإسترليني في الفترة المقبلة، قال الحمودي، "بعد أن انخفض السعر لأقل من 1.05 دولار، يمكننا أن نرى التعادل مقابل الدولار الأمريكي".
وأضاف: "لقد رأينا اليورو ينخفض إلى ما دون التعادل أو التساوي امام الدولار - ولا أرى سببا لعدم اتجاه الجنيه الإسترليني إلى ذلك المسار أيضا".