لا تزال أزمة الطاقة تُلقي بظلالها على الأوضاع الداخلية في أوروبا، في خضم مضي روسيا قدمًا في إيقاف إمداداتها من الغاز لحين رفع الغرب عقوباته الاقتصادية التي رغب من خلالها في الضغط على النظام الروسي لوقف عملياته العسكرية في أوكرانيا.

وفي أحدث تعليق على تداعيات أزمة الطاقة على الأوضاع الداخلية في أوروبا، حذّر رئيس وزراء هِنْغاريا، فيكتور أوربان، من أن القارة قد تشهد وقفا لعمل 40 بالمئة من صناعاتها في الشتاء على إثر القرار الروسي.

وقلصت موسكو التدفقات عبر الخط إلى 40 بالمئة في يونيو و20 بالمئة في يوليو، بعدما أعلن عملاق الغاز الروسي "غازبروم"، تعليق عمليات التسليم كليا عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم.

وعلى وقع التأثيرات التي أحدثتها أزمة الطاقة على قطاعات عدة في منطقة اليورو، تضع الحكومات الأوروبية آمالًا على إجراءاتها الاستثنائية في حماية الأسر والشركات من تداعيات الخطوة الروسية التي دفعت أسعار الطاقة لارتفاعات قياسية، ومواجهة احتجاجات واسعة في عواصمها.

ضغوط غير مسبوقة

وفي ورقة بحثية لمركز الأبحاث الأوروبي "بروغل"، المتخصص في السياسات الاقتصادية، فإن نظام الطاقة في أوروبا يواجه ضغوطًا غير مسبوقة لم نشهدها منذ صدمات النفط في السبعينيات، لكن الحكومات الأوروبية تميل إلى اختيار تدابير غير منسقة تعطي الأولوية للأمن القومي للعرض والقدرة على تحمل التكاليف على نهج أوروبي متكامل.

وأوضحت الورقة أن دعم استهلاك الطاقة بدلاً من خفض الطلب كان نهجًا شائعًا خلال الفترة الماضية، لكن الحكومات تخاطر بأن يصبح دعم استهلاك الطاقة غير مستدام، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في أسواق الطاقة، وإبطاء الإجراءات اللازمة في مواجهة روسيا.

أخبار ذات صلة

أزمة الطاقة .. تهديد كبير لعبارة "صنع في ألمانيا"
بهذه الطريقة .. الغاز الروسي يصل إلى القلب الأوروبي

ورجح المركز الأوروبي البارز، أن الأزمة الراهنة ستترك وراءها نظامًا مختلفًا بشكل جذري، لكن الشكل الذي سيبدو عليه هذا النظام لا يزال غير محدد حتى الآن، وقد تعيق تلك الأزمة من جهود أوروبا لضبط أسواق الطاقة خلال الأشهر الـ 18 القادمة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير بحلول عام 2030.

تأثيرات اقتصادية

التأثير الاقتصادي لأزمة الغاز الراهنة سيكون مباشرًا خلال الشتاء المقبل، وفق ما ذكر مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، موضحًا أنه يمكن أن تؤدي الزيادة المصاحبة في أسعار الغاز إلى ارتفاع التضخم بنحو نقطتين مئويتين في المتوسط في عامي 2022 و2023، بناءً على أحدث تقديراتنا.

وأوضح أنه مع ذلك، يمكن التخفيف من بعض هذه الآثار من خلال تأمين الإمدادات البديلة ومصادر الطاقة، وتخفيف اختناقات البنية التحتية، مع تشجيع توفير الطاقة وحماية الأسر الضعيفة.

أخبار ذات صلة

هل تعزز صفقة "قوة سيبيريا 2" تحالف روسيا والصين؟

لكن لا تزال هناك مشكلة تتمثل في التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إذ تصبح الصورة أكثر تعقيدًا عندما ينظر المرء إلى تعقيدات اقتصادات الاتحاد الأوروبي المختلفة، فضلاً عن الأسئلة الفنية والجيوسياسية المحيطة بمسألة استبدال صادرات الطاقة الروسية، وفق "ماكشياريلي".

وقال إنه "استنادًا إلى أحدث توقعاتنا للاقتصاد العالمي، عندما نفكر في الوقف كامل للغاز الروسي اعتبارًا من الربع الثالث من عام 2022، يظل ميزان المخاطر على نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا في الاتجاه الهابط بشكل كبير، مما يعكس وجهة نظرنا بشأن مخاطر أكبر لارتفاع أسعار الطاقة والمزيد من القيود التجارية على روسيا".

تداعيات تطال كل شيء

بدوره، قال خبير الشؤون الروسية والاقتصاد السياسي المقيم في باريس، أحمد اسماعيل، في تصريحات لـ " اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من المؤكد أن نقص إمدادات الطاقة يساهم في زيادة الأسعار، إذ يساهم بشكل مباشر في إنتاج العديد من المنتجات الغذائية والاستهلاكية والسيارات والآلات، وأي شيء يحتاج إلى الطاقة في إنتاجه، ومن ثمَّ فكلما زادت تكلفتك من الطاقة، فكلما ارتفعت أسعار الطاقة، ارتفع سعر المنتج النهائي، وبالتالي ينعكس هذا على التضخم العام.

أخبار ذات صلة

تصريح صادم للرئيس الروسي حول أزمة الطاقة في أوروبا
أنبوب الغاز المغرب - نيجيريا.. مشروع طاقي واعد لغرب إفريقيا

ووفق وكالة إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، ارتفع التضخم السنوي في دول منطقة اليورو إلى 9.1 بالمئة في أغسطس الماضي، بالمقارنة بـ 8.9 بالمئة في يوليو من العام الجاري.

وأوضح "إسماعيل" أن انقطاع إمدادات الغاز الروسي يأتي في وقت لم يتمكن فيه كبار مستوردي الطاقة مثل ألمانيا من ملء سعة التخزين لديهم إلى أقصى المستويات، حيث طلب دولًا عدة على غرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا من الشركات أو المباني الحكومية تقليل استخدامهم للطاقة، وخفض درجة حرارة التدفئة خلال فصل الشتاء.

وطالب الرئيس الفرنسي ماكرون من الشركات والأسر محاولة خفض استهلاكها بنسبة تصل إلى 10 بالمئة، الأمر الذي ينذر بحدوث انقطاعات للكهرباء في فرنسا خلال الشتاء المقبل.

ووفقًا للحكومات الأوروبية، قد توفر إجراءات الدعم للأسر الأوروبية ما لا يقل عن 376 مليار يورو من المساعدات الحكومية هذا الشتاء لوقف ارتفاع فواتير الكهرباء.

تخوفات من الهجرة

وفي سياق التأثيرات المباشرة للأزمة، أبدى مراقبون تخوفهم من زيادة معدلات الهجرة من أوروبا إلى بلدان جنوب المتوسط والمناطق الأكثر دفئًا خلال الشتاء المقبل.

ويقول خبير الاقتصاد السياسي إنه لا يمكن الحديث حاليا عن زيادة الهجرة من أوروبا بشكل ملحوظ، لكن من المحتمل أن تحدث مشكلات اجتماعية على غرار المظاهرات والاحتياجات وأعمال عنف محتملة واضطرابات مدنية، ربما بحلول نهاية 2022 أو النصف الأول من عام 2023.

ومثالًا على ذلك، شهدت التشيك احتجاج 70 ألف شخص في براغ ضد ارتفاع تكاليف الحياة، وزيادة فواتير الطاقة مؤخرًا.

ماذا يعني وضع سقف سعري على نفط روسيا؟