قررت الحكومة المصرية زيادة أسعار الغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمدة الأزوتية، وبينما أكد مصدر حكومي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عدالة القرار، اختلف مسؤولو وخبراء صناعة الأسمدة حول تأثير الزيادة على مستقبل هذه الصناعة.
ووضعت الحكومة المصرية، آلية تسعير جديدة شهرية للغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمدة الأزوتية، تحتسب السعر تبعا لسعر طن اليوريا المورد للحكومة أو المصدر للخارج في الشهر السابق.
وتضمن القرار الصادر من رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ونشرته الجريدة الرسمية "تحديد سعر الغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمدة الازوتية وفقا للآلية المذكورة، وألا يقل الحد الأدنى لسعر البيع عن 4.5 دولار أميركي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية".
وشمل القرار كذلك "تحديد سعر بيع الغاز الطبيعي المورد لصناعة الأسمدة غير الأزوتية بواقع 5.75 دولار أميركي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية"، وأن "لا يسري هذا القرار على المستهلكين، الذين تتم محاسبتهم وفقا لمعادلات سعرية مدرجة في عقود توريد الغاز الطبيعي المبرمة معهم، حتى انتهاء مدة تلك العقود".
وشرح مسؤول في وزارة البترول المصرية القرار، موضحا أن السعر قبل آلية التسعير الجديدة كان ثابتا عند 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمدة الأزوتية، و5.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بالنسبة لمصانع الأسمدة غير الأزوتية.
وتابع في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه وفقا للآلية الجديدة، فسيكون السعر بالنسبة لمصانع الأسمدة الأزوتية متغيرا كل شهر وفقا لسعر اليوريا المباعة محليا والمصدرة خارجيا، بالنظر لأسعار الشهر السابق لتحديد السعر، بينما سيظل ثابتا عند 5.75 دولار لمصانع الأسمدة غير الأزوتية.
وأوضح بمثال أنه، باحتساب السعر الآن وفقا للآلية الجديدة بالنسبة لمصانع الأسمدة الأزوتية، فسنجد أن سعر توريد اليوريا محليا 225 دولارا، بينما يتم تصدير الطن خارجيا بسعر 760 دولارا، وبالتالي سيكون سعر المليون وحدة حرارية من الغاز وفقا لسعر التصدير ويصل لحوالي 7 دولارات.
وشدد المصدر على أن آلية التسعير عادلة، نظرا لأن المصانع كانت تحصل على الغاز بالسعر المحلي المدعوم، بينما تربح من زيادة أسعار التصدير العالمية، وبالتالي فالآلية الجديدة ستجعل الدولة تحصل على حقها من زيادة الأسعار، وخاصة بالنسبة لارتفاع أسعار الغاز عالميا.
وأضف أنه إذا كانت الدولة تقوم بزيادة سعر الطاقة على المستهلكين في المنازل تبعا لتغيرات الأسعار عالميا، فالأولى أن تفعل ذات الأمر مع المصانع التي تربح، خاصة أن تلك المصانع تقوم بالفعل بزيادات سعرية في منتجاتها بدعوة زيادة تكاليف الإنتاج.
الجدير بالذكر أنه وفقا للمتاح من معلومات رسمية، فإن مصر تنتج سنويا حوالي 22 مليون طن من الأسمدة الأزوتية، وتستهلك محليا حوالي 15 مليون طن بينما يتم تصدير الباقي.
وبحسب بيانات سابقة للمجلس التصدير المصري للصناعات الكيماوية، فقد نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية انتعاشة كبيرة لصناعة الأسمدة المصرية، حيث تلقت القاهرة طلبات كثيرة من دول أوربية وإفريقية لاستيراد السماد المصري، خاصة بعد وقف تدفقات الغاز الروسي للمصانع الأوروبية.
وبلغت قيمة صادرات مصر من الأسمدة لمختلف دول العالم عن العام 2021 قرابة 2.5 مليار دولار محققة معدل نمو 61 بالمئة مقارنة بعام 2020، ويتوقع تضاعف نسبة النمو هذا العام نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الصناعات الأوروبية.
ومن جانبه، قال رئيس المجلس التصديري المصري للصناعات الكيماوية، خالد أبو المكارم، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه كان يتوقع زيادة أسعار الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، وغيرها من المصانع، خاصة مع أزمة الغاز الموجودة في أوروبا، التي تعاني أزمة طاقة، وأصبح هناك طلبا كبيرا على الغاز عالميا، مما نتج عنه زيادة كبيرة في أسعاره مع قلة المعروض منه.
وأضاف أبو المكارم أنه كان طبيعيا أن تقوم الحكومة المصرية بزيادة سعر الغاز لمصانع الأسمدة تبعا للسعر العالمي، بغض النظر عما إذا كان هذا السعر عادلا أم لا بالنسبة للمصانع، ولكن قدرة المصانع المصرية على المنافسة في ظل الأسعار الجديدة لن تتضح قبل فترة 10 أيام على الأقل من متابعة الإنتاج وتكاليفه والأرباح المتحققة منه.
وأوضح أن قدرة مصانع الأسمدة المصرية على المنافسة عالميا في الفترة الماضية كانت كبيرة جدا، لدرجة أن صناعة السماد المصري "كانت تحلق في السماء حرفيا"، وذلك نتيجة أن تكلفة الإنتاج كانت قليلة، ولكن بزيادة تكلفة أي عنصر من عناصر الإنتاج فهذا بالقطع يقلل من القدرة التنافسية.
وتابع أن الغاز من أهم العناصر الخام في صناعة الأسمدة، وزيادة سعره قد تؤثر سلبا على حجم إنتاج المصانع حتى استقرار الأسعار عالميا، ولكن إذا ظلت تكلفة الإنتاج في مصر أقل من المنافسين في الخارج، فلن يكون هناك أي تأثير يذكر، وقال: "فلننتظر فقط ونراقب الأسواق عالميا بعد هذا القرار".
فيما قال رئيس جمعية موزعي الأسمدة المصرية، محمد الخشن، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "بشكل قاطع، فإن قرار زيادة أسعار الغاز لمصانع الأسمدة بمصر سيؤثر على أداء تلك المصانع ويقلل قدرتها على المنافسة بسبب زيادة تكاليف الإنتاج".
وكشف أنه لم يتم التشاور أو الاجتماع مع خبراء أو أصحاب مصانع وشركات الأسمدة قبل صدور هذا القرار بزيادة أسعار الغاز، ولم يكن هناك تنسيق من أي نوع بشأنه، وأنه قرار فوقي فوجئوا به حينما أعلنته الحكومة.
وأوضح أنه وفقا لمعادلة التسعير الجديدة، فإن الزيادة تتراوح ما بين 2 إلى 3 دولار لكل مليون وحدة حرارية من الغاز المورد لمصانع الأسمدة، وهذه زيادة كبيرة تكاد تكون بضعف السعر.
الخشن، رغم ذلك، أكد أن زيادة الأسعار بالغاز لن ينتج عنها خسائر لمصانع الأسمدة، وأن هذه المصانع لا تزال لديها القدرة على المنافسة عالميا، ولكن فقط سيتأثر هامش الربح من تلك الصناعة.
فيما كشف رئيس غرفة الصناعات الكيماويات باتحاد الصناعات المصري، شريف الجبلي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن هناك مصانع للأسمدة كانت تعمل وفقا للمعادة السعرية الجديدة التي أقرتها الحكومة قبل صدورها، حيث كانت تراقب أسعار الغاز عالميا وترفع سعر السماد الذي تصدره".
وأوضح أن إقرار الحكومة لتلك المعادلة السعرية رسميا هو أمر يعطي الدولة حقها، ويعطي المصانع حقوقها، وبدلا من أنه كان هناك أسعار مختلفة من مصنع لآخر أصبحت الأسعار موحدة على الجميع ومرتبطة بالسعر العالمي، حسب تعبيره.
وعن تأثير هذا القرار على الزراعة بمصر واحتمالية زيادة أسعار السماد على الفلاحين، قال الجبلي إن السماد المورد محليا سعره ثابت ومدعوم من الحكومة، وهي التي تتحمل فرق تكاليف الإنتاج، ولا توجد أية مشكلة بها، بينما السماد المصدر للخارج سيرتبط بالسعر العالمي وهذا طبيعي "ومعمول به في العالم كله".
تجدر الإشارة إلى أن قرار زيادة أسعار الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، يتزامن مع خطة تنفذها الحكومة المصرية حاليا لترشيد استهلاك الكهرباء من خلال خفض الإنارة بالشوارع والميادين.
وتهدف الخطة لتوفير الغاز المستخدم في تشغيل محطات توليد الكهرباء بنسبة 15 بالمئة لتصديره إلى أوروبا، وتحقيق دخل شهري لخزينة الدولة يقترب من 450 مليون دولار.